- وميض شاكر
ذكرتنا المثقفة والصديقة العزيزة هدى علي اليوم الخامس من يونيو، بمولد الشاعر الاسباني الكبير والمناضل اليساري والشهيد من أجل الحرية، ابن غرناطة أو شاعر الأندلس ذلك أنه كان يعتبر الأندلسيين أسلافه ويستمع إلى قصصهم ويمتلي بحبهم، غارثيا لوركا (1898 – 1936).
أعدم لوركا رمياً بالرصاص من قبل الانقلابيين الفاشيين خلال الحرب الأهلية الإسبانية بتهمة أنه جمهوري، ويقال ان حكم إعدامه نُفذ على التلال القريبة من غرناطة ويقال أنه اعدم ببيت أحد أصدقائه أو في احدى ساحات غرناطة، وهكذا لم يعثر على جسده . في إحدى قصائده قال:
“وعرفت أنني قتلت
وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس
فتحوا البراميل والخزائن
سرقوا ثلاث جثثٍ
ونزعوا أسنانها الذهبية
ولكنهم لم يجدوني قط.”
أكثر من فجع بمقتله كان رفيقه شاعر تشيلي والعالم بابلو نيرودا، ولا شك أن لوركا ونيرودا هما عملاقا الشعر في القرن العشرين. بدأت صداقة نيرودا ولوركا كأي شاعرين تجمعهما الكلمة، لكنها توطدت بفضل تقارب الرؤى والتوجهات السياسة التي كان عنوانها: اليسار.
شعرهما كان للجماهير، مفعم بالقيم النضالية والأدب الإنساني، كرسالة كانت يجب أن تنتقل من رفيق لآخر في سلسلة شكل حلقاتها الرفاق الشعراء وإن اختلفت بينهم الأرض واللغة والأزمان، إلا أن نضال الكلمة قد جمهعم كقدر من السماء ابتداءً من لوركا ونيرودا- إن صح لنا القول- مرورا بمحمود درويش، مظفر النواب، عبدالله البردوني، أمل دنقل، قاسم حداد، محجوب شريف، وآخربن.
جورج لوكاش أيضا، الكاتب والسياسي الماركسي المجري، كان مؤمنا بأن القصيدة ستنتصر بهكذا شعراء، رغم تبني لوكاش للمدرسة الواقعية في الأدب، قال:
“نيرودا سننتصر!
القيود لنا، سننتصر!
النشيد لنا، سننتصر!
نحن الشعراء نريد أن ننتصر، بالجمال ننتصر على القبح، بالعدالة ننتصر على الجور، بالسلام ننتصر على الحرب.”
في الشعر، في الأدب والفن عموماً، في هذه الحالة الإنسانية الأسمى، ليس هناك تمييزا بين اليسار واليمين والوسط، ليس هناك تمييزا بين الكلمات والرؤى على الإطلاق، إنما هناك تميز. تميزٌ يصنعه الصدق، الإيمان، المكابدة والتضحية في سبيل الحرية، العدالة والجمال.
ألا ترون أن أعظم الشعراء فقراء أو منفيين أو معتقلين أو قتلى أو مخفيين قسراً. الشعر يا أصدقائي/تي رسالة إنسانية عميقة، هي معرفة خاصة تختزل معارف أفراد كثر وفئات وشعوب، والشعراء/ات رسلُ أو أنبياء. هكذا عرفناهم وهكذا سيظلون، وهكذا سينتصر الشعر ويبقى بالرغم من التراجع والتفسخ الذي حل بالعالم، فما كان الله معذباً الناس بحال كهذا حتى يبعث رسله أو شعراءه، وحتى لا يكون لنا حجة من السمو.