- كتب: منصور الأصبحي
تحت خط الفقر المنذر بمجاعة وشيكة يعيش أكثر من عشرين مليون نسمة باليمن المنكوبة بالصراع المسلح منذ ثمان سنوات، مع انهيار حاد بمنظومتها الاقتصادية وعملتها المحلية أمام العملات الأجنبية، إضافة لتوقف آلاف المنشآت الحيوية ومنها الصناعية وأخرى إنتاجية متنوعة، تسببت بانقطاع مرتبات الآلاف وبتوسيع رقعة البطالة والفقر ؛تفاصيل كارثية كتلازمة أنتجت العديد من تحديات كارثية صادمة على كل الأصعدة، لعل منها التسرب من التعليم سبما الفتيات.
في العودة للحديث عن التنمية المستدامة بالإشارة إلى اليمن كبيئة مليىة بصراعات مسلحة وأمراض أكثر فتكاً وتجفيف منابع الإنتاج التنموي ضمنها الزراعي لا تحتاج الإدارة اليمنية الحالية “القائمة” ويمثلها “مجلس القيادة الرئاسي سوى لتخصيص وتأهيل فريق أنموذجي لإدارة الأزمة الاقتصادية وفقاً لاستراتيجية الأهداف التنموية المستدامة، ضمن مجمل خطط إنمائية لتعافي اقتصادي تعكف الحكومة اليمنية بل تبذل جهود مضنية لتحقيقها بناءً على توصيات اللجنة الرباعية والمانحين والمجتمع الدولي ومختلف الأوصياء على الملف اليمني كونه ضمن دول شملها البند السابع للأمم المتحدة بمعنى تقع تحت الوصاية الدولية، هذا ربما لفت أنظار العالم بأغلب نخبه ومؤسساته التنموية لخلق رؤىً محورية لمعالجة ندوب الوضع اليمني الإغاثي والتنموي الطارئ بل والمستعجل كأولوية اقتصادية وصحية وربما سياسية لأجل تسوية بين أطراف الصراع لإحلال ولإنعاش عملية السلام من حيث المبدأ وهو ما أبداه العالم من تفاؤل بالتوافق على الهدنة الحالية والسارية منذ أشهر لضمان وقف الضربات أو الاعتداءات بين الطرفين والإفراج عن الأسرى وفتح المعابر والطرقات المغلقة ورفع الحصار عن كل المناطق والمدن والمطارات والموانئ والأهم نزع الألغام والسماح للمواطنين بحرية التنقل دون أدنى مخاطر استفزازية أو ترهيبية أو مميتة في أسوأ الأحوال، هذا ما اثبت جدية الطرف الحكومي بالسماح بفتح مطار صنعاء الدولي بل وتسيير رحلات جوية منه وإليه شهدها المطار المتوقف منذ ثمان سنوات وبأول رحلة إلى مطار الملكة علياء في المملكة الأردنية الهاشمية في 18 مايو 2022م وتفاعل معها الجميع بتفاؤل منقطع النظير، كبادرة تؤسس لواقع يمني وربما سيكون مختلفاً ومليئاً بمفاجآت تشبه اليمن السعيد الذي تكتنزه بواطن المؤلفات القطعية والتاريخ كبلد مكافح صبور متصلب تسوده الحكمة، ويتكئ على أثاث فخم من المراجعات ومساحات تفاهمية وأرضيات مشتركة ومن نقاط اتفاق ومسامحات ومن المصالحات بعد حروب ضاريات وهكذا هو اليمن السعيد منذ الأزل.
فتأهيل الرؤى التنموية المحلية رسمياً- في اليمن يفرض على القائمين سيما المعترف بهم دولياً الاعتماد أولاً على أهداف التنمية المستدامة، اختصاراً لجهد ولوقت حيوي “دينامي” فكهذا التوجه التنموي الجاد يضع الجميع أمام تحديات ربما ليست معقدة، كفيلة بتطوير استراتيجيات تنموية تراكمية في سلة الاقتصاد العالمي، بالذات لكونها بلد شبه متوقفة عن التصدير كالنفط والغاز المسال فهي ضمن بلدان الإنتاج الغازي المسال، إضافة لثروة سمكية مشهورة عالمياً فاليمن لا يتمتع بأربعة مسطحات مائية ببحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر ووجودها ضمن الدول المنتسبة للمحيط الهندي لامتلاكها مئات الأميال المائية وأضعافها كمياه إقليمية حجزتها جزيرة سقطرى وأخواتها كجزر صغيرة متناثرة حولها هي “عبد الكوري وسمحة ودرسة، وأخرى” بالإضافة لامتلاك اليمن لموانئ مفتوحة منها ذات أعماق متفاوتة ومعايير دولية كموانئ مرموقة “تجارياً واستثمارياً واصطياد أو شحن وتفريغ” وأخرى ففي مدينة عدن وحدها خمسة موانئ معتمدة دولياً كالميناء التجاري في المعلا، وميناء الزيت بالبريقة، والميناء الحربي بالتواهي، وميناء الحاويات في المنطقة الحرة، أضف للميناء العائم لاستقبال الحمولات الضخمة أو “الأسطولية إن صح القول”، وإلى مضيق باب المندب كأحد أشهر المضايق المائية عالمياً، منه إلى ميناء المخا، كأقدم الموانئ التحارية تاريخياً، الذي اشتهر بأول ميناء بتصدير البن اليمني بالتاريخ، ولا يزال يحتفظ برمزيته الفاخرة وبعلامته التجارية الزاخرة بالفخامة أو بالجودة عالمياً واشتهر منه “بن الموكا” كنسبة لهذا الميناء العريق وهو ما قدم اليمن كواجهة تجارية عالمياً منذ الأزل، منه شمالاً كموانئ اصطياد محلية على طول شريط الساحل الغربي وحتى ميناء الحديدة كأحد أهم موانئ المنطقة العربية وامتداداً لميناء الصليف وميناء اللحية والميناء النفطي العائم “أسطول صافر” في رأس عيسى والميناء الأهم بجزيرة كمران وميناء ميدي، ثم الموانئ الحيوية بشرق اليمن منها موانئ شقرة وبير علي ومنشأة بلحاف وميناء نشطون وميناء المكلا وغيرها من موانئ بالمئات وآلاف الأرخبيلات والجزر المتناثرة المتنوعة على طول الشريط الساحلي لأكثر من 1200 كم “بحري”.
إن طبيعة تحديات التنموية المستدامة في بلد كاليمن لا تكترث ابداً بتعقيدات المتشاكسون كشركاء متخاصمون بالمدفعية، ولا تقبل التجاهل العفوي ومجمل التجاوزات المعقدة، فهي كتحديات ربما مقبولة التحقيق بإمكانيات لا نعتبرها سهلة متاحة لكنها في أسوأ الأحوال ستنصدم بمصدات الحرب وتجارها ونتائجها وبكل تراكماتها ضِمناً، بالمقابل لا تغطي المنظمات الإنسانية “كالإغاثية” العاملة باليمن أهم الفجوات السحيقة بالجسد اليمني والمنكوب إغاثياً تحديداً تنموياً مجاوراً، فبدلاً من تأسيسها كإنشاء مشاريع لبُنى تحتية تعتمد على التوزيع “العيني” الطارئ والذي يزول بزوال المشروع -وتنفذه أي منظمة بمناطق مستهدفة- إلاّ بعض مشاريع للاستجابة الإغاثية الطارئة يتم فيها العمل مقابل الغذاء أو المال، ومجملها مشاريع تنموية “أهلية” كإنشاء حواجز،سدود، مدرجات زراعية، طرقات آبار ومشاريع مياه واخرى دائمة، كفارق بنيوي لبلد متنوع المناخ والطقس وحتى بالتضاريس، فاليمن أساساً هي دولة بحرية وبالمقابل مطرية وصخرية غنية بثرواتها الطبيعية كالنفطية وغازية ومعدنية، أيضاً كبيئة زراعية خصبة تنافس عديد دول منتجة للبن كالبرازيل والقطن طويل التيلة كمصر العربية والرخام والجرانيت كالأردن وإيطاليا وأسبانيا وأخيراً الصين، وتنافس اليمن بالحجر الأبيض إيران بدول الخليج العربي، وربما تتفرد بإنتاج مادتي “الكَرّي والنّيْس” كمواد أساسية للخرسانة.
فالحديث عن اليمن في السياق “الثرواتي” والإنتاجي لا ينتهِ أبداً تبقى وحدها الحرب هي من أوقفت كل تروس النمو والإنتاج وأوقفت اغلب للمشاريع للتأهيل الزراعي، والإنمائي والإنشائي المعماري عدا بعض مشاريع يتناولها الإعلام الحكومي مرتبطة بإعادة إعمار ما خلفته الحرب طوال ثمان سنوات من حرب عبثية عمياء أكلت الأخضر واليابس، ولهذا لا يمكن لليمن أن تخرج من عنق زجاجة البارود وتعبر مضيق الأزمة الحربية التنموية الاقتصادية الصحية وأخرى بغير اللجوء إلى دراسة وتحليل وتطبيق أهداف التنمية المستدامة وفقاً لإمكاناتها المتاحة، بل لن تحقق أي نجاح في هذا المضمار التنموي المستدام دون إنشاء واعتماد مركز خاص لإدارة الأزمة تنموياً، وانطلاقاً من أهداف التنمية المستدامة، بعيداً عن عموم تداخلات العبثية وتدخلات السياسة المرتبكة والمرتبطة بالصراع، فالواجب بأن يتحمل مجلس القيادة الرئاسي المسؤولية البلد تنموياً بما فيها المجتمع وكل المناطق الواقعة تحت سيطرة الخصوم، من هنا سيثبت شرعيته ضمنياً كرافعة أوثق، بل كحامل موضوعي للقضية المجتمعية التنموية اليمنية، بانطلاقة تبدأ من أهداف التنمية المستدامة ولا تنتهي بتحقيق ما يمكن تحقيقه منها بالمتاح، والأهم هو الرغبة بالعمل لخدمة البلد والمجتمع، وحمايتهما حفاظاً عليهما كأنموذج أخلاقي أولاً، وكإنساني هدفاً، وكوطني انتماءً ومعنوياً، وكتنموي مستدام له ما بعده.