- كتب: أحمد النويهي
أنتخب عن دائرة موطنه في مدينة الملح عاصمة تهامة _الحديدة، ليصبح عضو مجلس الشورى، عضو هيئة رئاسته في أول مجلس تشريعي في عهد ماقبل 90
الحديدة.. الميناء الذي يعيش سكانه على رصيفه ، عاد يوسف بعد قدم استقالة من عمله في كلية الشرطة بسبب خلاف مع المقدم إبراهيم الحمدي ليشتغل في الميناء كحمال هكذا أراد حين كتب ثوريته بلغة اقرب إلى الفصحى منها إلى العامية..
“يمني يهوى الحياة صراعاً وعراكاً يشع منه الجديد
يمني عاف التمزق يشقى في لظاه صباحنا المنشود
يمني يا أروى ويا سيف ابن ذي يزن
يمني قبل أن نتمادي بغباء مابين شوافع وزيود
جددوا في فم الذبالة غاز قبل أن يطبق الظلام العتيد
جودوا بأنفسكم للحق واتحدوا”.
هذه صيحة الثائر المقاتل، المناضل، المقاوم، المثقف اليساري العتيد، هكذا كان يوسف يبعث برسائله عبر وسائل مختلفة، إذ كان واحداً من مؤسسي اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، كان واحداً من اهم كتاب الصحافة بعد ترأس تحرير صحيفة الثورة، ومديراً للإذاعة، في بواكيرها، تولى إدارة أمن محافظة الحديدة عقب ثورة سبتمبر 62، ساهم في تأسيس تنظيم الضباط الاحرار وشكل مع رفاقه النواة الأولى للتنظيم، ترأس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وكيل هيئة رئاسة مجلس النواب.
ومن رواد العمل الثوري والاجتماعي والانساني، حمل معوله ليهد الشرك واصنامه، كافح ثقافة الفتوى ومأسسة الدين وكشف قبح ظاهرة التدين، حذر من مغبة ازدهار هذا الفكر الرجعي الظلامي.
في آخر قصيدة في ديوانه بعنوان_كفرنا:
“قد كفرنا فجددوا الإيمانا إن أردتم ،أوفرقوا الطوفان
واعيدوا إلى النفوس الأماسي حالمات ماجت سنا، وحنانا.”
يؤكد الأستاذ أحمد جابر عفيف في “تصدير” ديوان وعد ورعد والصادر عن مؤسسته في العام2004
“كان شعره الثوري من اخطر وسائل الاحتجاج والرفض في مطلع سبعينيات القرن الفارط وكان يتمتع بشعبية كبيرة قل نظيرها في اليمن، ويمثل شعره “القصيدة الثورية “قصيدة الموقف والالتزام الوطني، يبقى السؤال عن وطنية المفكر سواء كان شاعراً أو كاتباً.. يبدو أن المفكر الثائر هو الوطني الاصيل تحت كل الظروف.. لأن محترفي السياسة يهمهم من الوطنية طريق الحكم.. لكن وطنية المفكر الأصيل تتأثر وتؤثر لأن المفكر الثوري هو الذي يعرف أهداف الحاكمين اتجهاتهم، وانحرافاتهم”.
يصف النقاد يوسف كشاعر ثوري لايهادن صاحب نهج ومسار واضح اختطه باكراً وينسبون شعره للمدرسة الكلاسيكية الحديثة والجديدة فنياً.
أزدهرت تهامة وحمل رفاق يوسف مشاعل التثوير والتنوير إذ اصبحت رافد شاسع، الأرض التي لا ينقطع انتاجها، والجيل الصاعد القادم من وادي رماع، وسهام وزبيد، ذهبوا ليغيروا مجرى الهوى، قاتلوا دفاعاً عن سبتمبر العشق اثناء حصار السبعين يوماً حتى كسرت الحديدة الحصار بقيادة الشيخ أحمد عبدربه العواضي الذي نكل بقوات الملكيين في مناخة وبني مطر والحيمتين، نواحي صنعاء الغربية، كانت العاصمة صنعاء تشرق على سواحل المدد والمد والامتداد التقدمي القادم من موسكو بقاذفات ومدرعات وكلاشينكوف وسلاح جو لاسناد ثورة ارتبطت بحركة التحرر العالمية التي ساندها “البلاشفة”.
سقط الحصار، عاد النهار وتنفست صنعاء عبر الميناء نسمات التكوين ليضخ الثوار مدد جديد ذلك الرتل الفخم الذي هد جدار الشرك بعد رفع يوسف ورفاقه “الجمهورية أو الموت”.
غنى البصير “جمهورية ومن قرح يقرح”
بعد كان الراحل العظيم محمد مرشد ناجي قد غنى من على سواحل عدن “شعب ثار اليوم جدد ماغبر”.
كان يوسف يوزع السلاح والقصائد على المقاومين ليتقد الليل نجوماً تلعلع والنهار انتصار تعزفه مدافع الابطال عند تخومها صنعاء الشمالية والشرقية والجنوبية..
الغربية اصبحت بوابة للانتصار.. تهامة الميناء والفنار تشعل المنار وتسرج خيول الثورة ليستقيم المدار، هتف الشعب، كان الموج دفاق غزير ولازال النهار وافر مثير، يتحدث الأستاذ الكاتب عبدالباري طاهر في مقدمة ديوان “وعد ورعد”..
يقول: “يبدو أن الشاعر قد أدرك عمق معاناته كإنسان إزاء همه الشخصي وقضاياه الذاتية معبراً عن ذلك بحيرة وألم ممض”.
ويؤكد ليعود في مقدمته للديوان: لقد طوع يوسف القصيدة الكلاسيكية لهموم ومعاناة شعبه وأمته العربية، تحول عنده عمود الشعر إلى صواريخ بعيدة المدى وكانت القوافي قذائف تدك حصون الإمامة والاستعمار وتزلزل أركان الاستبداد والطغيان والفساد، كان يوسف ابن تهامة أحد ابرز الضباط الأحرار، وشارك ببسالة في تفجير ثورة سبتمبر 62 ولعل وجه الشبه بينه وبين يوسف صديق في الثورة المصرية في المنحى اليساري قد جنى عليه، ومع ذلك فقد كان يوسف أكبر من صغائر الصراعات المتخلفة أو الاستجابة والانجرار إلى مستنقعها ،ومياهها الآسنة والعطنة.
كان يقرأ اتجاهات الرياح الهوجاء التي أعلنت عن نفسها بصورة سافرة بعد حركة 5 نوفمبر 67 .
كان يوسف المقاتل الشجاع، والشاعر الثائر ضد الحلول الوسطية وتلمس الغفران من القوى البالية والرجعية فقد كان يرى وهو على حق أن الدفاع عن الحق والضغط باستمرار على الزناد هو الأسلوب الوحيد الذي يعرفه أعداء الثورة والجمهورية في العربية اليمنية في الستينيات.
كان موقفه واضحاً وجلياً في رفضه للجنة الثلاثية التي تشكلت من المغرب والعراق والسودان برئاسة رئيس وزراء السودان محمد احمد محجوب، ندد باتفاقية جدة التي وقعت بين الزعيم جمال عبدالناصر والملك فيصل في قصيدته بعنوان: (إلى اللجنة الثلاثية):
“وكتبنا مصيرنا يوم ثرنا وسنحمي مصيرنا بالدماء ومن العار والنذالة أنا ننحني للوسيط والوسطاء
ارفعوا الصوت واضحاً وجلياً نحن لسنا جماعة من هباء “.
يوسف قصة تستحق الوقوف عندها ملياً وقراءة مآثرها.. فهو فينا “النبي” الذي تنبأ بالعواصف وشكل لبلده الساند والجدار ليستقيم معبد الشمس، يوسف كان ولازال المبحر أعالي الموج رعشة تنثرها عصافير الصباحات، كان الشراع لسفينة السعيدة والفنار لميناء كان ولازال من أهم روافد البلد الاقتصادية، قبل أهميته المادية كان الميناء جسر عبور إلى الساحل الشرقي لافريقيا التي هاجر اليها اليمني الأول، ثم عاد المهاجر بواسطته ليساند الثورة وقد شحنوا كل ما تطلبته الثورة عبر جسر بحري امتد ليرفد بطلائع غيرت وجه الصباحات..
كانت المدينة ضاربة في القدم حيث سكنها البحارة الذين وصلوا إليها قبل القرن التاسع عشر، الحديث عن تهامة يتطلب كثير من المهارات والاعدادات والامكانات، فقد ذاعت شهرتها كواحدة من أقدم مدن الجزيرة العربية بتفردها وتميزها وتفوقها على مثيلاتها، تحضر المدينة كمنتجع صيفي لليمنيين، ومركز تجاري نشط، جاء سبتمبر 62 لتصبح محطة ثورية متقدمة لتنظيم الضباط الأحرار الذي تشكل سرياً في صنعاء وتعز والحديدة وعدن ليفجر ثورة قطعت رحم الإمامة وتستأصل السلالية المقيتة وتذهب لتسند الحاكمية للشعب اليمني العظيم، كان يوسف واحد من أبناء تهامة الذين انخرطوا في مضمار العمل الوطني حتى صار كبير المعلمين في كلية الشرطة التابعة لوزارة الداخلية في صنعاء، كان يوسف المثقف الطليعي والتقدمي يوظف كثير من قدراته لينتج واقع مختلف في اشد الظروف قتامة وجسامة، لم يهادن ولم ينكسر ظل عصي على الترويض وكان من اوائل من دفعوا بطلاب الكليات العسكرية لرفض اللجنة الثلاثية التي انبثقت عن قمة الخرطوم بشأن القضية اليمنية بعد هزيمة ناصر 67 في صحراء سيناء وانسحاب اكثر من سبعون ألف مقاتل مصري من اليمن، ضغطت القوى النافذة اقليمياً، وصلت الثلاثية صنعاء لتعرض على القوى الوطنية مسألة استفتاء ضمني طياته “مشروع دولة إسلامية”، كان القاضي الإرياني يرفض استقبال اللجنة بضغط الشارع الثوري الذي حشد المدارس وطلاب الكليات العسكرية للاحتشاد في شوارع عاصمة سبتمبر صبيحة وصول اللجنة الثلاثية اذ كان في مؤتمر” حرض” قد رفع علم الدولة الاسلامية وانزل علم الجمهورية، للتاريخ موقف وهنا كان يوسف ورفاقه من الحركيين والمنظمين في اطار “الحزب الديمقراطي الثوري” يشكلون القوة الضاربة ليبتسم النهار وترفرف الراية، سجل الإرياني بكتاب حياته هذا الموقف الذي لم يستطع تجاوز الشارع بل أنصاع له وترجم طموحاته ورغبته رغم كل المحاولات البائسة لثنيه وتطويعه، وترويضه.
جاء يوسف من أسرة حضرمية الأصل والتكوين لتسكن تهامة وتتجذر في ممارسة التجارة والمعرفة فكان مولده في مدينة الحديدة آثرت الصوفية في ملامح حياته الكفاحية والنضالية إذ عرف زاهداً يرى أن الوطن يستحق أن نمجده ونعمل لأجله لا من اجل الذات التي تتضخم على حساب الناس..
من عاش كيوسف لا يمووووت.