- كتب: طه العزعزي
إلى ضياف البراق عن الأدعياء أكتب .
بقي أن نعرف أن الأدعيا أشخاص جاءوا من خارج الثقافة نفسها، وإلا كيف !،يكرهون الثقافة بقدر كرههم لناسها،
بقدر أباطيلهم التي لم تسطع حُرية، كذلك هم يكرهون الثقافة وناسها بقدر كُره سلطاتهم للرأي المخالف والأفكار الحُرة التي لاتوافق مبتغى تسلطها، وهو ما نطيقه ويؤجج فينا روح الثورة، بل أنه ما لا بد في الإفصاح عنه دون أي إشاحة.
تعاملهم مع الأفكار الحُرة إدعاء، وتحريف، وإثارة، مزيفون مزيفون في واقعهم، وفي أفكارهم أيضًا، وفي الحياة هم من فوق الحياة أصلاً، لا معنى للبساطة في حياتهم، ولا معنى لحياتهم في أفكارهم، لا معنى للمعنى في كلماتهم، ولا حب، لا ثورة، لا روح، لا نبض .
هم في الضد من الحياة، لكنهم مع الموت بكل حماسة، بكل جنون خرف، إنهُ لا يمكن لأي إنسانًا محب للحياة بصدق أن يكره الثقافة، أو الأفكار ذاتها التي تعمل بجهد وسمو في تنظيم الحياة، لذلك نجد أن البعض منهم إفرازات قذرة نابعة من السلطات، من الجماعات، هؤلاء
في الضد من أنفسهم، يكرهون أن يكون للحياة مُتسع، يكرهون أكثر تحليق الطيور المجنحة من أعلى رؤوسهم، ثم إنهم لا يرتاحون للأنقياء، أو دعنا نقولها هنا بكل لطافة وصدق، هم لا يحبون أبناء الحداثة ، تزعجهم الأفكار الحداثية، وليسوا يتفقون معها بشيء، وهو ما يجعلنا نستشف تحريًا مؤدبًا من أنهم ليسوا سوى قوة وسيطة لإختراق مؤسسي، ولكي يقتنع البقية هنا أكرر بكل صدق حديثي هذا مرة أخرى : ليس من مثقف يأتي من خارج الثقافة، من خارج الحداثة، وليس من مثقف
حر يتكأ على المرجعيات الخبلاء .
أيها الصديق النبيه، لاحظ أنهم كُثرة الظهور من الوسط، أي من عمق الجبهة الثقافية الحداثية، لا أعني أنهم إنبثاق تجديدي، غير أنها صنيعة المخابرات التي ابتكرت وضعهم هنا لفض الجمع الثقافي وكنس الأفكار التنويرية بأيدٍ مُدعاة، تجدهم بنيويًا غالبًا ما يتشكلون كجناحات فضولية وممرات تتفيه في العمق والداخل من الأحزاب القومية واليسارية، علمانيين بالصورة فقط أما الصوت الذي يتحشرج وينقذف من وسط حلقوهم بغثاء مقرف للغاية يبين عكس ماهم عليه، الكتل الرجعية حطتهم هنا لتأدية أدوارها المقيتة للإختراق وخبط المشهد الثقافي والسياسي بحركات مكشوفة، ثم إن عدواهم المستترة عاكسٌ حي لتغيرات صانعيهم البنيوية في نظامهم الوظيفي لتفكيك المشهد، وهو ما يوجب الحذر منهم .
بشكلٍ أو بآخر، إبراز هذا النوع من الأدعياء يلطخ في سمعة الثقافة، في سمعة الوطن، جُرم لا يغتفر بحق كرامتنا الثقافية ، ثم إن تصدير التفاهات ليس لكونها تفاهات فقط، تصديرها يتم إعتبارًا من كونها وظيفة الناس المنحطين أيضًا، العاجزين عن الحرية، عن التنوير وعن البناء وتقديم الأنموذج الحق، كذلك هي وظيفة العاجزين عن خلق ثقافة قوية تساهم على تحريك المياة الراكدة في المشهد الثقافي، وزحزحة الجمود.
إن مهمة كلاً منا أيها الصديق العزيز للنجاة منهم، أقصد من هؤلاء الأدعياء، وأنت تعرفهم واحدًا واحدًا، مهمتنا للنجاة من مقذوفاتهم الفكرية المتشظية، من كلماتهم الفظة، مهمتنا قبل كل شيء أن نحذر منهم، أن تحذر عقولنا من الإمتصاص والتصديق، صحيح أن هذا الوضعٍ اللئيم يطيل بقائهم ويزيل هدؤنا شيئًا بشيء. لأجل أن ننجو منهم صديقي العزيز لابد أن نبتعد عنهم، على الأقل ترتاح أنفسنا، عقولنا، وقبل كل شيء لكي ترتاح الحياة من الخِصام البشري، ثم إن المناطحة معهم قد لا تكفي فكريًا لكونهم لا يؤمنون بلغة الحوار، ولايحترمون الفكرة، لا يجلون الكلمة إطلاقًا، هم تقفزات، حياكة خيوط دقيقة الخنق، زماميط نطت إلى الواجهة بتهريج زائف وبتمثيل فهلواني لا شفاء لعواطفنا منه إلا باللعنات.
ليس من شك أبدًا في أن الأدعياء هم أكثر كائنات العالم ممحاة للسمو الروحي والتلقائية الإنسانية البسيطة، هم العدو الأول دون أدنى شك للحقيقة، متحذلقون أدعياء، في راحتهم يمارسون الومض السيء لأجل إستفزاز الأنقياء، غير مرنين، ويبدو أن كمية النقص التي بداخلهم كل ثانية هي من صيرتهم إلى ذلك، الواحد منهم لايرى في الحياة إلا حياته، لايرى في الناس سواه، ولا يرى كذلك في الحقيقية سوى صوته، وأن من دونه ربما ينطفئ النور ولن تعرف المدينة بعده كيف تضاءَ، من دون كلمته أيضًا َستظلُ العقول تتخم بالجهل.
يا هذا !، اهدأ اهدأ، نقول، ثم لا يلقي بالاً، لا يستجيب لأحد، لا يعرف أي ذوق للكلمة هذه، للهدوء، ومع ذلك يظل يشهدُ لنفسه أنه ” سيد العالم”، سيد العالم هذا
يظل في غي الإدعاء يرى أن لا معنى للحياة دونه، ساذج،
لا يرى للفكر والتنوير أي معنى دون أخزاق تكهناته التي أحدثها، لا يرى للحقيقة أي شرف دون أن يصير محرمها المترجل الوحيد، لا يزال يستخدم كل أعيرتهِ في نظم تصريحاته للحديث عن القضايا برخص وبشيء من التبجح اللفظي، ينط من كلمة إلى درجة وعلى زلاجة إلى الكرسي ثم إلى الفراش في آخر يومه مُستمتعًا بتجريف الحياة والأفكار .
تعرفه ياصديقي، دائمًا في الوسط، حاشرًا لذاته في الزمان والمكان، حاشرًا جده وأمه، أمه التي في الحياة تعتبر زوجة أبيه في الشرع والدين وفي عرف القبيلة، حاشرًا ثورته وحارته مدينته وعيال قريته وشارعه الذي يسكن فيه وبعض محبيه ومريديه ومجايليه، حاشرًا دمه الثقيل، حاشرًا لغته المخصية التعيسة من أن تنجب شيئًا في المستقبل، حاشرًا أنه : هو لاغير بتنصل إدعائي، وهو هو فقط بزيف جاثم، بينما هو القبيلة ومرجعيتها، أداة المخابرات التي تتلصص من البعيد إلى القريب، البيضة المفقوشة التي لا تحترم حق الوجود، هو كالكبار الذين دفعوا به يظن لوهلة أننا مجرد ضيوف حطينا على مدينته، هويتنا ذليحه يا صديقي !، وهكذا بلعنة تزداد ظنونه، تلتوي كأفعى، من الماضي إلى الحاضر إلى الرجعية وإلى المناطقية وإلى إلى اسوأ حال .