- طه العزعزي
قد يحدث أن تدخل في نزاع مع أحدهم من أجل لاشيء، هذا اللا شيء طبيعي في نظرك، غير أنه خارق للعادة المجتمعية في نظرهم هم، وإذ يغدو محل النزاع هنا فكرة مستعصية فإنه على القدر الذي ألفه المجتمع وسبرت أغواره كُنه النفس البشرية يصبح محل نقاش وفكر رجولي قاطع بالنسبة لتبريراتهم تجاه حقوق المرأة في المجتمع اليمني .
في إحدى الباصات، قفز أحدهم بكلمات نابية يسب ويشتم في النساء محللاً ومرجعًا السبب أنهن وراء الزحمة الكثيفة الحاصلة في الشوارع هذه الأيام، غير هذا الإستعراض اللفظي والكارثي، قد ظهر أكثر مدى الفجوة العميقة بين الجنسين ومقدار ضحالة تفكير العقل الرجولي في المجتمع اليمني أيضًا، لذلك تبدو هذه اللفظة والإتهامات الجائرة جزئية بسيطة من جملة المشاكل المعقدة الحادثة بين النساء والرجال التي تبين المدى الأبعد في تفكير العقل الرجولي وتوغله لحبك خيوط الإتهامات، يستكمل الرجل بعد تعاطٍ كلامي بيني وبينهُ : أن الرجال هم السبب وراء هذه المشكلة، يلف ويدور ليقول أيضًا أنهم السبب في ذلك كونهم تركوا نسائهم هذه الأيام تجول وتصول في الأسواق، هذا الحديث كان المسبب الباعث له زحمة الحافلات في الشوارع فقط، ليأتي التعاطي معه بعد ذلك بتفكير نشاز أخذ بُعدًا آخرًا، فالمرأة في العقول القبلية المحللة هي المسبب الكارثي المحدث للزحمة ذاتها.
الأيام هذه بالذات، يتجمع الشباب فيها من أغلب حواري صنعاء، أكثرُ من قطيع شبابي يذهبون إلى شارع جمال هذه الأيام والسبب كونه يعج بالنساء اللاتي سلكن شارع جمال بإعتباره مركزًا مهم تباع فيه الملابس النسائية بأحدث أنواعها، إلى هنا يبدو الأمر طبيعي، بل إنه طبيعي جدًا. ينتهز الشباب الذين تزعق آباطهم برائحة عفنة هذا الفرصة، فرصة التجمعات النسائية وإزدحام الشوارع الضيفة والغرض الدافع من ذلك التنفيس عن كبتهم الجنسي وممارسة التحرش بأسهل طريقة ممكنة. كل تحرشات الشباب الحاصلة هذه الأيام وتجمعاتهم في شارع جمال قابله للتصعيد الجنسي خصوصًا أنها تأتي في شهر رمضان، الشهر الذي تزداد فيه حالة الهيجان اللذائذية في أوقات مابعد الفطور خصوصًا ولأسباب متعلقة بالصوم وتغيير روتين مضغ الطعام، مرور الشباب وتحككهم جسديًا بأماكن حساسة ومثيرة في جسد المرأة بحد ذاته أصبح غرضًا سهلاً للملامسة ووسيلة حسية حية وجسدية للتنفيس .
حقوق النساء عند الخروج إلى الشوارع والتمشي الباعث للحياة في المجتمع اليمني أصبحت طقسية، وتمثل المخالفة لهذه الطقوس نوعًا من الإتهامات الوقحة بحق المرأة، مجتمع الأبوة صادم في بلدٍ كاليمن، وبالإضافة إلى أن المرأة لم تتحرر إقتصاديًا بعد وهو ما ضاعف من جمودها الهوياتي ونكوسها في قبضة الرجل الزوج أو الأب كذلك في الأسرة ذاتها، فقر العلاقات الزوجية الحميمة في المجتمع وأيضًا عدم تحرر الكثير إنسانيًا وفكريًا قزم دور المرأة وعمل على إلغاء حقوقها البتة، وإلى ذلك ينضاف هذا التأثير إلى مساهمته أيضًا في إحداث قضايا طلاق وتصدعات مجتمعية .
في مجتمع رجولي أعتبرّ الشارع حقًا حصريًا له أصبح من الملفت جدًا حال النظر خروج النساء نحو الأسواق قبيل عيدي الفطر والأضحى وقبيل شهر رمضان كذلك، هذه الدرجة الرجولية المتغولة التي تعمقت سيطرتها، نجد أنها صارت تطلق تسميات نشاز باعثه على القلق بشأن المرأة، يأتي إقتران اللفظة ” بضاعة ” حال تسمية النساء ضمن إبتكارات رجولية كثيرة في الشارع على السياق الممجوج ذاته، لا أظن بأن البعض منكم لم يصادف هذه المقولة: ” بضاعه خذ لك نظرة وصلي على النبي”، عيون متفرجة تساعد على تبليل عقول جيلية في نظراتهم ذاتها تجاه المرأة وإعتبارها نوعًا من الشذوذ الخاطئة أيضًا .
الثقافة الخربة والفقر كمشكل أساسي جعلت الرجل شديد البعد عن شراء وإرتداء الملابس ومتابعة أحدث الموضات والإعتناء بمظهره الخارجي وقد أطلقت صفات خبيثة تجاه الأقلية النادرة التي تستحث هذه المواضيع .
تعمق الغريزة الجنسية وظاهرة التحرش نشازات ثقافية غير لائقة دون أدنى إحترام أو أي إحساس بالكيان الإنساني الآخر ودون أدنى حب كذلك أو علاقة روحية جامعة، أصبح النظر إلى النساء كمجرد غنيمة جسدية ومثار لعب عاطفي واستخفاف صبياني أيضًا.
مناوشة الأعضاء الجسدية بخيلات كثيرة صعد من فورة الهيجان الجنسي لدى البعض، وقد ظهرّ أن التصميم في الإرادة الجنسية ابتكر لنفسه عوالم إراحه نفسية حال صياغة مبرارات مونولوجية بينه وبين ضميره فقط، للدرجة التي أصبحت النساء اللاتي خارج منازلهن في نظره يمثلن فريسة ثمينة للصيد، لأنه في سابقه كان قد ألفّ بقائهن في المنازل فقط، وظلت تعريفته تجاه المرأة تقتصر على إعتبارها جزء لا يتجزأ من المنزل، ولذلك نحن كثيرًا ما ننتقد هذا الإعتبار الذي تتضاعف إحتمالات مكارهه في النظرة الدونية.
يخفق الجسد لأكثر من مرة في إشباع الحاجة الجنسية عندما لا يبتكر له مشروع حب وحياة زوجية وعلاقات حميمة بينه وبين المرأة، حافز الجنس اللحظوي غير مقنع وغير لائق لتفريغ شحنات الجسد الشهوانية وهي جريمة قانونية أيضًا .
درجات من العنف التي تحصل من قبل الرجل تجاه المرأة
تعزو إلى أن الشخص ذاته ينساق لوفق مايجري في المجتمع ذاته تماشيًا معه، وقد يبررها قبليًا تحت وسم الشرف والعيب أيضًا، عنف يُمرر عبر وسائط متعددة، فيما أن نظام عقوبته تكون ماثلة في حرمان المرأة أبسط حقوقها والنظر إليها بنظرة دونية تستلب حقها في كل شيء، والعلاقة هنا غير عقلانية وهي بنية معقدة ومتوترة أيضًا وقائمة على الإختبار والتصرف الغير موضوعي والتجريب الأخلاقي المقزز، وقد تشغل البعض بطاقات تركيز مهزوزة وغير واعيه تمامًا.
تروق بالنسبة لي اللفظة الفنية في أن شارع جمال هو
شارع النساء، غير أنَّ المقصود من هذه التسمية قد يكون قذرًا في أغلب الأحيان،
حالة الوهم التي يعيشها أغلب الناس بداخل هذي البلاد خلقت لهم أكثر من عدو، العدو الذي يقترفون صنعه يتواجد في المنزل والشارع والمدرسة والجامعة كذلك، وفي شاشة التلفاز أيضًا، هذه المرة النساء هن العدو، ظهور ممثلة في الشاشة يستفزهم ويحفزهم للسب واللعن بأسلوب رديء، تواجد النساء في الجامعات والمدارس والأسواق يستفزهم أيضًا، وللدرجة التي يصبح فيه فعل خروج النساء محرمًا بكل ماتعنيه اللفظة، حدود اللا إنسجام الغير شخصية عمقت من مساحة التوتر، وأضافت للعاطفة نوعًا من الأحاسيس الغير منضبطة والجامدة أيضًا، بالإضافة إلى أن وضعية الثقافة الإنسانية العابطة في المحتمع اليمني جعلت من تمييع حقوق المرأة وإعتبارها جزٍءًا من الحداثة الممقوتة أداة قتل رخيصة للمرأة .
اقتصرت المهنة على الرجل فقط، مهنة العمل والتبضع والخروج إلى الأسواق، ولم يألف المجتمع مثلاً تواجد النساء في أي مهنة أو في سوق، ولو سمح للمرأة جزء بسيط من ممارس أي عمل فإن الرجل يشترط ممارسته من داخل المنزل فقط، لسنوات تاريخية لم نصادف في الأسواق سوى الرجال، إن منظر دخول فتاة في مجتمعنا اليمني إلى سوق قات على وجه المثال يعتبر جرمًا عظيمًا ويستدعي جلب الفاظ نابية من قبل مرتادي أسواق القات والباعة بحق الفتاة، ولهول الصدمة هذه ومغالطتهم أنفسهم يوصفون الفتاة ب ” المترجلة ” .
لن ننفك من هذا الواقع المؤلم، كل مرة نردد شعارات بأسم حقوق المرأة، حتى يقوم الرجل ببناء نظامًا قويًا تشعر فيه المرأة بحقوقها ذاتيًا ولا يشعرها هو، ثم يترك لها عنان قيادتها لذاتها وتصرفها كمؤسسة للمنزل وكربة منزل تعيل أسرتها، هنا ستنفى أيًا من المسافات الموحشة التي كانت تساهم في السابق لتغريب المرأة وجعلها أشبه بذيل على طرف حصان راكض.
الغائب الأكبر في كل ماسبق هو أساس أبعادنا المعرفية التي نشأت في نسق رجولي غير إنساني ونظرة فكرية ليست واعية، نظرة لم تنهل بعد من مبادئ الثقافة المتعلقة بالمجتمع والنفس البشرية والتربية الأخلاقية التي يمكن للفرد من خلالها أن يضبط مركز تعاملاته مع المرأة وأن يغير ما يستثير داخله من الأفكار التي تجعله كجنس ذكوري حد التوصيف والمرأة جنس مقابلاً له يقعان في ذات المنطقة المتوترة التي لا تحمد فيها التفاصيل.
إن جهل بعض الفتيات وقلة حيل الكثير منهن وضعفهن البلاغي للرد على أغلب السفلة لأسباب تتعلق بجهلهن بحقوقهن وبأنفسهن أيضًا ساهم في تعميق هذه الفجوات،
وقد تخاف المرأة الإفصاح والتعبير عن ما يتعرض لها كونها تظل محل إتهام لتحرش الرجال قبل كل شيء،
كذلك القانون يوضح إمتيازًا عنيفًا هو الآخر ضد المرأة إذ أنه يقف إلى جانب الرجل ويعتبره مرجعية وأداة تقوي سيطرته التحكمية للمرأة .
ليس شارعًا مشبوهًا، إنما السلطة المجتمعية مشبوهة.
إن إيقاع المكان عندما يقترن بالمرأة يتصف بالحنية وهذا هو شارع جمال الذي يعاديه الكثير من الرجال من خلال ألفاظهم القبيحة، الحركة السرية الضئيلة يهزمها شارع جمال، النزوات الجسدية مهزومة أمام النساء وشارع جمال، شهوة الهيمنة الرجولية والتفاوتات والإرتكابات والمغالطات يهزمها شارع جمال، كذلك المطمور في الفعل السياسي ورأسمال السلطة لكسر هيبة شارع جمال الذي كان لأكثر من مرة ساحه معركة غزواته عبر رجال الدين ستهزمه المرأة وشارع جمال.