- كتب: ضياف البراق
آراؤك التي لا تعجبني لا أكرهها، أنا أختلف معك في الفكرة أو الرأي، في المعتقد أو المذهب، في الأسلوب أو الذوق، ونحو ذلك، لكنني لا أستطيع أبدًا الاستغناء عنك، فأنت تحتاج إلى وجودي وأنا كذلك أحتاج إلى وجودك، فالخلاف يجمعنا، كلٌّ منا يعرف نفسه بنقيضه، هكذا أنا أيضًا أتعرّف على نفسي من خلالك، فإذا فرّقنا السؤالُ سيجمعنا الجوابُ، والعكس صحيح، دعنا نتصارع بالأفكار والآراء ونتعانق بالأيدي والقلوب، دعنا ألّا نفترق مهما تكن الأسباب، فهذا هو التسامح الذي يجب أن نلتزمه في كل الظروف والأحوال. والتسامح هو المعنى الحقيقي للحب.
نحن الآن ودائمًا بحاجة ضرورية إلى التسامح، التسامح هو حمامة السلام، بالطبع إنه رسول السلام الذي يزرع فينا البهجة والطمأنينة، هو روح الجسد، وماء الوجه، وجمال اللغة، وصفاء المشاعر، هو ضوء الحياة، إنه فلسفة أخلاقية وجماليّة نابعة من الداخل، من الأعماق، فتجعل العالم الخارجي جميلًا، والتسامح هو كل تلك الصفات الجميلة التي نحتاجها لكي نعيشَ في انسجام وتكامل مثل مجموعة أنغام مختلفة يجمعها إطار واحد، وهكذا سنتحول إلى سيمفونية متماسكة رائعة..
في مناخ التسامح فقط، تزدهر أرواحنا، تحلو حياتنا، تصفو قلوبنا، تنمو عقولنا، وتختفي مظاهر البؤس من حولنا.. فالتسامح لا يلغي مساحة الاختلاف، ولكنه يُقلِّل من حِدّة الخلافات، فيبتعد بنا عن الصراعات البينية العمياء، إنه ينقلنا من قاع الفوضى والشتات إلى مستوى التناغم والانسجام، من مرحلة الظلام إلى مرحلة النور، وظيفته إذَنْ هي تبديد هذه الطاقات السلبية التي تُشْعِلُ الاضطرابات في النفوس وبين العلاقات الودية..
فهذه الحياة قصيرة وقاسية، أجل، ولكن التسامح سوف يجعلها طويلة وممتعة، التسامح يعلّمنا أنْ لا نكترث لكل شيء، أن لا ننشغل بعيوب الآخرين، إذ لا أحد مِنّا يخلو من العيوب، وأنْ نمارس حق النقد لكن دون عجرفة أو تكبُّر أو فظاظة، فمن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر لا يدخُل الجنة، وهذا حديث إسلامي عظيم، ثُمَّ إنّ التسامح هو أن نختار الكلمات الطيِّبة عندما نُعامِل بعضنا بعضًا، أن نتجنّب المبالغة في المدح أو الذم، إنه يقول لنا: اختلفوا وتعانقوا، تنافسوا وتعانوا؛ فالتعصب هلاك، والتسامح نجاة، الأول انغلاق وموت، والثاني انفتاح وحياة..
وحدها الروح المتسامحة تعيش استقرارًا عميقًا، وتسير نحو أهدافها في شغفٍ لا ينتهي، وعديم التسامح يَفقد الاستقرار والشغف معًا، ويتحول إلى شمعة منطفئة، إلى مجرد جثة مشوَّهة، فعندما نكون متسامحين، نكون عندئذٍ قادرين على تغيير الواقع البشع دون الوقوع في المعاناة النفسية.. أمّا الذي لا يعيش بروح التسامح، فهذا يحس بأن هذه الحياة مجرد غابة متوحشة تلتهمه دون رحمة.. التعصب هو ما يجلب التعاسة إلى النفس البشرية، كما أنه يفكك ويمزق العلاقات والروابط الأخوية التي يقوم عليها النسيج الاجتماعي، ويتشكل منها، فتبدأ من هنا الفوضى التي تعبث بكل شيء، وتفسد حياة الجميع.. الشخص المتعصب يشقى نفسيًا وفكريًا ولا يعود يشعر بالاستقرار، بل يبقى تعيسًا أغلب الأوقات والأيام، وعلاج هذا الشخص المريض المُضطِرب هو التسامح الذي يتحول مع الوقت إلى أسلوب حياة..