- كتب: عبدالعزيز الويز
لا اجد تفسيراً واضحاً امامي لتشريح دواخل اولئك القابعين على كراسي السلطة.
هل يمكن القول انهم انتهوا بالفعل الى شخصيات سلبية وبغيضة وهم يتلذذون بمعاناة مواطنيهم؟ .
وهل يمكن أن تصل بهم الرداءة الى أن يغمضون اعينهم على كل ما يدفع بهم ليكونوا إيجابيين، وفِي عيون الناس نبلاء حقيقة لا تصنعا وخداعا؟.
اليوم كان مواطن يقترح عليَّ فكرة مقاطعة السير في الشارع الرئيسي بمدينتي العدين, والبدء بالبحث عن طرق بديلة آمنة وصحية، او المكوث في البيت تحت الإقامة الجبرية الى أن يسخر الله بدولة تحترم مواطنيها.
كان ساخطاً وهو يحدثني بانفعال، كتعبير عن ضيق شعبي لتخلي السلطة الحاكمة كل هذه المدة الطويلة عن واحدة من أولويات مهامها الرئيسيّة، والضرورية منها بالذات، كما يحصل منها ازاء شارع يحضر فيه الهلاك مرادف للسير عليه، ويصيب المقيم على امتداده بعناء واكتئاب يومي، بينما هي لم تفكر حتى تستيقظ او تذهب، وكأني بها تراهن على المواطن المنهك في إنابتها بالدور المناط بها، بكل استرخاء وقلة حياء، كما لو كان مسؤول عليها، وليست هي مسؤوله عليه، لا سيما وقد ألفت منه المبادرات المجتمعية، وإعالة موظفيها بكل كرم .
سبق أن صرخنا، وصرخ اخرون : “اننا نعاني”، وانتم كذلك.
انقذونا بإصلاح الطريق، لقد طفح الكيل، وفار التنور، والآن لا بأس من التكرار، فثمة ما يستحق الكتابة لاجله، وليس من قبيل المستحيل أن تصلح السلطة الحاكمة طريقاً هي اول المستفيدين منه، لا أقول من كيسها الخاص، بل من خزينة إيرادات يدفعها المواطن من بين فرث ودم، وفي ظرف حرب.
لقد بلغت التراق، ولم يعد يُطاق السير في شارع لا يمنحك غير الشعور بالمواطنة المنقوصة، كأسوء ما يفعله، ونزيف الخسائر المستمر في احسن الأحوال. بينما هو يصنف ضمن شبكة الطرق الدولية.
ليس صحيحا التغاضي عن كل هذا السوء، والقفز عليه دون أن تنبس الشفاه بكلمة حق، او يتميّٓز حي من الغيظ، كأقل ما يجب وإن لم يُجاب.
لقد غدا الشارع بعيد عن تحقيق المنفعة المرجوة منه في حدود السلامة الآمنة، انه بالأحرى شارع خارج الخدمة المعتبرة.
جميعنا بلا أدنى ريب يعرف هذا، ولم أتِ بجديد، ويعرف ايضاً انه مضى عليه في هذا الحال سنين، وكلما انفرطت سنة، تعمقت واتسعت المعاناة اكثر، وبصورة اقسى.
استغرب كيف يسلك مسؤولون شارعاً كهذا، وأحيانا بسرعة جنونية، دون امتعاض او حرج؟!.
تثبت الحقيقة القاطعة والوثيقة، اننا إزاء شارع، عدا عن كونه باعث جيد لموت الفجأة او الارتجاج الدماغي والاكتئاب النفسي طوال العام. فانه يبعث التقزز والغثيان في الصيف.
ولتنشيط المعلومات، يقع الشارع داخل مركز مديرية العدين على امتداد طريق ( إب – الحديدة ) الممر الرئيسي – واوقاتاً الوحيد -لإمداد معظم محافظات الجمهورية بالوقود والتموين الغذائي وغيرها من الواردات والسلع المحلية، علاوة عن كونه حلقة وصل يربط المدن والقرى وبعض المحافظات ببعضها البعض.
كل هذه حقائق مألوفة ولا جديد فيها، وتعرف مدارك كتيبة الديوان العام في قيادة محافظة إب، وبيادقها اكثر منها، بيد انها لاتكترث لمعاناة وتأواهات المواطن، كما تكترث لحضور مآدب إلتهام الحنيذ والعسل والقات الحومش، والتعمق في المضاجعة والنوم.
يكفي أن تحصي وتتمعن في وجوه المارين ومركباتهم، لتجد كم هي الجمهورية اليمنية حاضرة في هذا الشارع، وليس العدين (التي يقطنها اكثر من مائتين ألف نسمة تقريبا)، والواقعة في الغرب من مقر إقامة الشيخ اللواء والمحافظ الدكتور عبدالواحد صلاح.
ثمة اصرار موحد على التعامل مع العدين بلؤم فادح، كما لو كانت مديرية عصية على التطويع، فيما هي اكثر المديريات طاعة وجباية، وإلا فليقول لنا اولئك المسؤولون ما هي الجاذبية المختبئة والعناد الذي يكمن دواخلهم فيصرفهم عن اداء واجب محتوم ؟.
عليهم أن يخبرونا ولن نحدث احد بهذا.
لم تعد الحرب والعدوان والحصار شماعات صالحة لتعليق عليها فشلهم ورداءتهم ووسخهم كمسؤولين مقززين؟ ولن تكون كذلك بعد اليوم.
لنتواضح في هذا الأمر:
ثمة اعتمادات مالية أُعلنت عنها قيادة السلطة المحلية بالمحافظة مطلع العام الفائت، وتناقلها الاعلام الرسمي، ووفقا لذلك نالت مديرية يريم -على سبيل المثال- منها خمسة مليارات ريال لصيانة وشق ٤٠ شارعاً كما جاء في صفحة وكيل اول كتيبة الديوان على الفيس بوك.
نحن في العدين (البوابة الغربية للمحافظة السياحية والايرادية )، نحتاج مبدئيا وبشكل طارئ استكمال إصلاح شارع واحد داخل مركز المديرية، كان قد تم البدء في إصلاح جزء منه( ٢٠٠م) تقريباً، ثم توقف بمبرر صيانة الخط الدائري( الطريق البديل لمرور المركبات). وأتسع التبرير بعدئذٍ ليمتد الى عجز في التمويل لما بعد إصلاح (٤٥٠م) الممولة حكومياً، والمتعاقد بشأنها مع المقاول محمد عبدالحكيم الاصبحي، ورغم تلك التبريرات المقولبة، فان التغلب عليها ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج سوى موافقة قيادة السلطة المحلية بالمحافظة، وإبداء جديتها في التعاطي مع واجباتها بمسؤولية عالية.
اي نعم، يمول مواطن العدين خزينة الإيرادات بأرقام مهولة، لم تعفيه الحرب ولا العدوان ولا الحصار ولا الظروف من تسليمها، ولا تكاد جهة رسمية تتعفف عن سؤالها، سواء ما هو بسند رسمي او بدون.
اعرف صاحب بقالة (فتحة واحدة)، تقع على الشارع العليل والكئيب وسط المدينة، دفع قسراً نصف مليون وخمسين ألف ريال ضريبة أرباح للعام ٢٠٢٠م ، من غير اجرة العساكر والموظف الوسيط، اضطر بعدها أن يضطجع ثلاثة ايام مريضاً من القهر( حمى ورعشة وصداع وسعال كما لو اصابته كورونا)، وبمجرد تعافيه وعودته الى العمل وجد عساكر هيئة الزكاة في انتظاره( لتطهيره) كما يرددون، ليدفع بطيب خاطر زكاته المقررة، ليأتي مكتب تطهير اخر لم يتوقف عن ارسال عساكره بين الفترة والأخرى اليه، ومطالبته بتجديد اجارة ارض الوقف التي عليها بقالته، وتسليم ما عليه من ايجارات لسنوات متاخرة وفق الرسوم الجديدة المضاعفة أضعاف عما كانت عليه قبل الحرب.
بينما لم يغفل صندوق النظافة عن تحصيله شهرياً خمسة ألف ريال، حتى ومنظمة النماء تتكفل بتمويل النظافة لمدة ٦ أشهر، وعلاوة على ذلك يهرول القطاع الخاص ايضاً الى المشاركة في تعميق فجوة الجبايات من خلال فاتورة كهرباء تصل كلفتها الى حوالي ربع مليون ريال شهرياً، ولا تتورع لجان جمع التبرعات (وما اكثر مسمياتها) عن إيصال اليه سند أشبه بدفع اجباري لا مناص له من الاستسلام له، وحينما تسأله كيف يمكنه دفع ذلك كله؟ يشهق ويزفر بحرقة قبل أن يجيبك وغبار الشارع يصبغ وجه وبضاعته :” عيشة بالصميل يا صاحبي الله يخارجنا منها”.
هذ نموذج بسيط لما يدفعه مواطن واحد يقاسي نهاره وليله عناءات شارع تاقت روحه الى رؤيته معافى، غير انه لم يحدث.