كتب: كهلان الشجاع
ظاهرة الأقيال التي تنامت مؤخرا كحراك يستدعي الهوية اليمنية مقابل الهوية السلالية الهاشمية، هو اعتراف غير مباشر بوجود هوية هاشمية وبالتالي التأصيل لصراع هوياتي سيستمر وسيجد له في المستقبل نصيبا في طاولة التسويات السياسية ربما، لأن الارتدادات التاريخية تحدث ارتدادات موازية أو بالاصح تحفز على انبعاث أصوليات ماضوية، تجد نفسها محاصرة، وبالتالي سترجع إلى أصولها التاريخية وتعمل على نبشها واستدعائها للمحافظة على نفسها.
خطورة القومية اليمنية يأتي من وعيها بأن الصراع الدائر حاليا هو صراع هويات أو سلالات، بمعنى أنها تفهم أن الصراع الآن هو بين أحفاد يشجب بن يعرب وأحفاد عدنان المتمثلة في بني هاشم، وعلى اعتبار ذلك صحيحا فهي تحاول إدارة الصراع بطريقة متخلفة جدا، تدير الصراع بمفاهيم وأدوات ماضوية و بطريقة ارتجالية عاطفية، تعزز من مكانة الجماعة الحوثية وتضاعف شعبيتها وقوتها.
فبدلا من محاربة الفكرة السلالية الحوثية بمفاهيم الدولة المدنية ومبدأ المواطنة التي يتساوى فيه كل المواطنين، تذهب القومية اليمنية إلى البحث عن الأنساب والألقاب في عملية فرز مقززة لا تضاهيها سوى السلالية الهاشمية نفسها.
و في هذا الوقت الذي تستجد فيه متغيرات كثيرة وعوامل إقليمية ودولية تخدم الجماعة الحوثية، الأمر الذي يستدعي أن تتحرك الأطراف الفاعلة و تعري حقيقة و زيف الجماعة الحوثية و ممارساتها التي تتنافى مع القانون الإنساني والدولي و ميثاق حقوق الإنسان، تذهب القومية اليمنية إلى محاربة طواحين الهواء على الفيسبوك وتويتر، و تدع الرأي العام العالمي والحقوقي يصغي إلى ناشطي الجماعة الحوثية وتقارير منظماتهم التي تعمل على تلميع الجماعة دوليا وحقوقيا، بسبب الفراغ الذي لم يسعى أحد لملئه.
وبينما الجماعة الحوثية تؤسس و تحفر أدبياتها في الوعي والذاكرة اليمنية عن طريق تغيير المناهج الدراسية وإضعاف مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي والجامعي و تمييعها، لصالح المراكز الصيفية الحوثية و الدورات الثقافية التي يغرقون بها المجتمع، يساندهم في ذلك آلة إعلامية هائلة، تتمثل في أكثر من عشرين إذاعة و العديد من القنوات الفضائية والصحف الورقية، وخطباء المساجد، تنتصر القومية اليمنية للهوية عن طريق إطارات عيد الوعل وخط المسند على مواقع التواصل الاجتماعي.
خلال السنوات القادمة لن تجدوا من يحتفل بيوم المسند ولا بيوم الوعل، لأن الوعي الذي تصنعه جماعة الحوثي سيخرج جيلا ممسوخا و مهجنا، سيصرخون في وجوهكم بصرخة الثورة الإيرانية، التي يتعلمونها في المدارس، وحينها لن تنفع حروف المسند أو قرون الوعل، الأمر الذي يقتضي الوعي أولا بطبيعة الصراع مع الجماعة الحوثية، و إدارته بطريقة تخدم مفهوم الدولة اليمنية ومؤسساتها.
تمييع قضية الدولة اليمنية لصالح الاستدعاءات التاريخية للهوية اليمنية، و فرز المجتمع إلى أقيال ومؤمنين، هو الصورة الأبرز للرجعية السياسية، التي فشلت سياسيا و تحاول إدارة الصراع مجتمعيا، وهي بوعي أو بلا وعي تخدم الفكرة السلالية في أبرز تجلياتها.
انحيازات النخبة المفترض أنها مثقفة، التي تتماهى مع دعاوى القومية والسلالية لدى الأطراف المختلفة، تثبت زيف و انتهازية هذه النخبة، لأنها على الدوام لم تكن حيث يجب أن تكون في القضايا والأحداث التي مرت وتمر بها البلد، وكأن الأمر لا يعنيها، وبالتالي فبداية الحل للإشكالية اليمنية هو تعرية زيف هذه النخبة و كشف حقيقتها.