- كتب: حسن الدولة
يقول القاضي عبدالرحمن الارياني وهو أحدقادة إنقلاب عام 1955م انه انقلاب فاشل “اي لم يكتب له النجاح ولم يلتف من حوله الشعب” وانزل كتيبا – بعد فشل الانقلاب والعفو عنه من قبل الإمام في ساحة الإعدام – بعنوان:”عشرة ايام هزت اليمن” ذكر فيه ان الأمام احمد كان بطل الثورة لأنه خرج منتقما لمواطنيه حيث قام بعض افراد الجيش بحرق بعض قرى الحوبان خارج مدينة تعز ضدالعسكر الذي قام بالإعتداء على اهالي منطقة الحوبان وحرق بعض القرى وقتل مواطنين ..
فكانت هذه الحادثة الشرارة الاولى التي ارعبت الجيش خوفا من الامام احمد حيث توجه الثلايا وبعض العلماء لإقناع سيف الإسلام عبدالله بأن يتولى الحكم وانهم سوف يطلبون من الإمام احمد ذلك نظرا لظروفه الصحية، وبالفعل تنازل الامام لكنه لم يكن تنازلا وإنما مجرد تكليف لإدارة شؤن الدولة وأنه سلمها من يده اليمين إلى الشمال. (وقيل انه قصد البندق!)
وقد بالفعل مريضا ومتوعكا إلا أنه كما وصفه القاضي عبدالله الشماحي تحركه الأحداث وتعيد له شبابه وصحته، ومسعر حرب عالما واديبا وشاعر ويحب الفكاهة وفارسا مقداما لا تزيده المصائب والأحداث إلا قوة وبسالة.
فإذا به يجد نفسه محاصرا وعليه حراسة مشددة فساء هذا التصرف وهو الذي تنازل بمحض رضاه، وعلى الفور قام بتوجيه الاوامر إلى قيادات الجيش والمدفعية وارسل للمحجاني قائد حراسة اللكمة المطلة على قصره وطلب وطلب منه أن يقف على أهبة الإستعداد لتلقي الأوامر وقام بإخراج نساءه من القصر وتزود بالمؤن والذخيرة وخرج إلى الحرس شاهرا سيفه وقال لهم أنا إمامكم ومن لم ينفذ الأوامر فما له إلا هذا السيف!! فارتعبوا ونخوا وخنعوا لأوامره وامتطى فرسه وخرج إلى مقر الإمام الجديد وقبض عليه وعلى وزرائه والقى بهم في السجن، وقد قال لي القاضي عبدالله الشماحي أنهم كانوا في مجلس الإمام عبدالله يرفعون اصواتهم حين يتناقشون ولا يهتابون منه وانهم ذات مرة اتفقوا على ان يكلف هو والقاضي عبدالرحمن الارياني واخرين لإقناع الإمام المعزول احمد للطلوع إلى صنعاء فعندما دخلوا عليه ظلوا واجمين صامتين ساكتين لم ينبس اي منهم ببنت شفاه مهابة من قوة شخصية الإمام احمد، وظل كل واحد منهم ينظر للأخر فسألهم الامام عن سر الزيارة فقالوا للسلام والإطمئنان على صحتكم يا مولانا ….
وقد ذكر العلامة أحمد محمد الشامي في كتابه الموسوم ب: “رياح التغيير ” تحت عنوان مقتل السيد ونجاة القاضي، بأنه هو والبدر دخلا على الإمام بعد فشل الإنقلاب ليتوسطا للقاضي عبدالرحمن الارياني وللعلامة محمد حسن عبدالقادر فأخرج ورقة من صندوقه وقذف بها اليهما وإذا بها رسالة موجهة من الأخير – محمد عبدالقادر- موجهة إلى إمام الإنقلاب عبدالله يقول فيها ان احمد ثعلب فإذا لم يتم التخلص منه فسوف يتخلص من الجميع فقال الشامي فعرفت ان صاحبي مقتول لا محالة، وعندما خرج إلى ساحة الأعدام وكان القاضي الارياني في مقدمة الصفوف فقال للإمام هل قرأتم رسالتي التي ارسلتها مع النقيب علي مانع – كبير اليراوان – فوضع الإمام يده برفق على صدر القاضي وقال له لم يصلني اي شيء يا اخي وارجع إلى اخر الصف ولعل الإمامكان متفقا مع السيد محمد الذاري على ان يقوم الاخير بطلب التشفع لدى الامام فيشفع له فبعد ان تم اعدام قادة الإنقلاب ولم يتبق إلا القاضي صاح العم محمد الذاري هذا من علماء اليمن ولا يجوز لك اعدامه فامر الإمام بفك القيود واطلاق سراحه وقد شاءت الأقدار ان يقف العلامة محمد الذاري نفي موقف القاضي بعد الثورة فتشفع له القاضي عبدالرحمن رمة الله تغشاهما..
والصورة المرفقة ربطا بهذا المقال تظهر الأمام احمد ممسكا بيد اخية سيف الأسلام عبداللة وزير خارجيتة حينذاك والذي إعدم بعد فشل انقلاب سنة 1955م،وعندما تشفع العلماء والوجهاء لدى الإمام رد عليهم كيف تطلبون منب انتجامل اخري وان اقتل الأخرين فوالله لو تمرد شمالي على يميني لبترتها بيميني واليكم نبذة عن تلك الاعدامات التي تمت سنة( 1955) وكيف تم القبض عليه والسجن وفقا لما جاء في مذكرة القاضي عبدالرحمن الشهيد الحي فبعد ان ذكر الذين قتلوا ذكر كيف تم القبض عليهم فقال: “هذا ما كان من شأن الإخوان في العرضي، أما أنا في صالة (تعز) فقد فوجئت في منتصف ليلة الأربعاء بالجنود ومعهم الأمير الحسن بن الحسن جاءوا للقبض علي وإيداعي السجن في إحدى غرف الدار الشرقي بعد أن منحوني قيدًا كبيرًا أعاد لي شريط الماضي منذ كان اعتقالنا في إب سنة 48 إلى أن أطلق سراحنا.
وخلوت إلى نفسي وقد تركوني في المكان لوحدي وقلت لها إنه مشوار جديد إلى حجة إن قُدرت لنا السلامة من الرحلة إلى العالم الآخر. وبينما كنت أسبح في الأفكار السوداء إذ بي اسمع صليل القيود وإذا بثلاثة نفر يدخلون علي وورائهم الجنود يؤنبونهم ويتهمونهم أنهم جاءوا من عند الإنجليز، وحاولت أن اعرفهم فلم أعرف غير علي أحمد الضبة، وبعد خروج الجنود سألته عن رفيقيه فقال أحدهما عبدالملك الطيب والآخر محمد شعلان، فقلت وما الذي جاء بكم من عدن فقالوا بعثنا الإخوان لإستطلاع الأحوال وحث الجيش والثلايا على القضاء على الإمام. وقلت ولكن ألم تسمعوا بالحرب فقالوا سمعنا بها هنا في صالة والجنود يقتادوننا إلى السجن”، وفي صبيحة يوم الأربعاء 3 شعبان سنة 1374 ه (6 ابريل 1955 م) – والكلام لا يزال للقاضي – فوجئنا بوصول المقدم الثلايا مكتوفًا. وقد فك عنه الجند الوثاق وأبدلوه ثلاثة قيود دخل وهو يرسف بها فاسودت الدنيا في عيني، وكنت آمل له النجاة. ولما رآني قال “وأنتم هنا وما ذنبكم فنحن الذين أكرهناكم واكرهنا غيركم من العلماء على العمل أقول هذا براءة للذمة ” فأكبرت هذه المثالية منه وازددت أسفًا عليه.
كان ثابت الجأش وضيء الوجه باسماً وكان قد حدد مصيره، ولا أزال أذكره وقد جاء أحد عبيد الإمام يوبخه فنهض ينازله وهو بقيوده ويقول له اسكت يا كلب، مع سيدك سيف ونحن في إنتظاره ولكني لا أريد أن أسمع توبيخاً من كلب مثلك. وانصرف العبد ولم ينبس بكلمة واحدة. وجاء الأمير الحسن بن الحسن يسأله عن عمه عبدالله وكيف تركه فقال:
” تركته في منتصف الليل وهو مستسلم وقد سمح لنا بالفرار أنا والحاج مرشد كما وافق الجيش على ذلك حرصًا علينا، وذهبنا معًا عن طريق الحوبان، وهناك التقينا بجماعه من القبائل تبادلنا معهم الرصاص وجرح الحاج مرشد ونجوت أنا وغيرت إتجاهي نحو اللوازم، وهناك كنت قد عجزت عن التحرك خطوة واحدة نتيجة السهر عدة أيام والتعب فملت إلى القرية فأكرموني وأطعموني وكان ذلك ثمنًا لرأسي فقد قبضوا علي وأوصلوني إلى هنا، واحفاه الأمير السؤال عن عمه فقال له وأنت لماذا لم تنزل أمس وأنت معنا من أول الثورة فقال لقد منعني الرصاص فقال له كان يجب أن تأتي لتتذوق الحرب وتطعم الرصاص فإنه لا يكفي أن (توقزوا)* من داخلكم ثم تضحوا بالناس الآخرين، وانسحب الأمير دون رد”..
وبعد ساعة جاء المقدم الآنسي رئيس الشعبة العسكرية ومعه ثلة من الحرس الملكي يستدعون المقدم الثلايا إلى الإمام، وعرفنا أنه يساق إلى ساحة الإعدام وبعد نصف ساعة جاء الجنود ليأخذونا، وكان قد انضم إلينا القاضي يحيى السياغي والأستاذ نعمان محمد نعمان، وحملونا على سيارتين وقلنا في أنفسنا إنه السيف ولا شيء غيره. وفي طريقنا إلى الميدان رأينا رأس عبدالرحمن باكر مصلوبًا فأزداد يأسنا من الحياة، واستسلمنا لقدرنا بكامل الرضى والاطمئنان. وساقونا إلى الميدان حيث أوقفونا صفًا ليأخذ كل واحد دوره في الاعدام بعد المقدم الثلايا. وكان الإمام يخطب في الجيش ويدور عليهم ويعلن عفوه عنهم لأنه غرر بهم المقدم الثلايا . وقرب مني في حال دورانه على الجيش فقلت له أرجو أن تتثبتوا ففي الميدان من وصل اليوم من الخارج ولا شأن لهم في الحركة من قريب أو بعيد.أما أنا فقد مضى علي يومان في صالة، لقد كنت معتزلًا للفتنة وقد أبلغتكم ذلك بواسطة النقيب علي مانع، فأجاب والله يا أخي ما بلغني شيء.
لكن القاضي لم يذكر انه قال له لكن عد إلى اخر الصف ثم وواصل القاضي وصف تلك الحال فقال بأن الامام احمد القى كلمة بليغة وجهها إلى الضباط والجنود تنفيذ الإعدام معددًا انعاماته على المقدم الثلايا وكيف أنه غرر بالجيش وأثار فتنة في البلاد، ثم قال لهم أترون هذا حقيقًا بالحكم عليه بالإعدام، فقالوا جميعًا نعم.. نعم، وفي المقدمة الجيش الثائر، وكان أراد أن يسبر غورهم وهل سيقول قائلهم لقد أخطأ المقدم ولكن عفو الإمام أعظم ليغير حكمه عليه، ولكن الإيجاب كان جواب سؤاله فأمر بإعدامه، وانتظرنا أن يدعى أحدنا للاعدام بعده، إلاّ أن الإمام مرق من الميدان مسرعًا، وكأنه خاف ردود الفعل. وبينما نحن ننتظر مصيرنا في الميدان إذ بجيش أجش تضرب أمامه الطبول قد جاء من حجة وعلى رأسه الشيخ علي بن محسن باشا والقاضي محمد الأكوع وكانا من المسجونين في حجة، وقد اغتنم الاستاذ نعمان والسيد أحمد الشامي الحادث فدفعا البدر إلى إطلاق جميع من بقي في الحبس في حجة وفيهم السلال والجائفي وغيرهما، ويواصل القاضي فيقول وطلع علينا في طليعة الجيش علي بن محسن والقاضي محمد علي الأكوع والتفتّ إلى الأخ الأستاذ نعمان محمد نعمان وقلت له أرأيت:
كذا قضت الأيام مابين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
لقد أطلق إخواننا ولكننا نحن عدنا إلى السجن وربما إلى الموت.
أمر الإمام بإعادتنا إلى حبس صالة، فأعادونا وعاد الينا شيئ من الأمل، وكان القاضي يحيى السياغي أكثرنا تفاؤلًا فقد طلب من بيته أن يأتوه ببعض ما يحتاج من الأدوات، فقلت له رحمه الله لا تسرف في التفاؤل ولا تطلب شيئًا فإنه سيكون من نصيب الجنود، فقال ولماذا التشاؤم وقد أعادنا من الميدان ولو كان يريدنا لأَمَرَ بإعدامنا، فقلت له لقد تعودنا من إعدامات 48 م أنه يوزع الإعدامات ليستمر الرعب والإرهاب، وهكذا كان، فقد أعدم يوم الخميس 14 شعبان (7 إبريل) القاضي يحيى السياغي حاكم تعز الثاني والضابطان محسن الصعر ومحمد ناصر الجدري، وفي يوم الجمعة 15 شعبان (8 إبريل) أُعدم الضابط علي حمود السمة، وفي السبت 16 شعبان (9 إبريل) أُعدم الشيخ علي حسن المطري والشيخ عبدالرحمن الغولي، وفي يوم الأحد 17 منه (10 إبريل) أُعدم السيد محمد بن حسين عبدالقادر ..”
- توقزوا أي ينخركم السوس من داخلكم.