- عبدالكريم الرازحي
كان خبر الحرب التي اقفلت البحر قد اثار عاصفة من الرعب .وكانت نساء وامهات وزوجات المغتربين اكثراهل القرية رعبا لأنهن الاكثر تضررا فقد انقطعت رسائل المغتربين ومعها انقطعت الحوالات المالية التي كانت تصلهن من ازواجهن واولادهن واقاربهن ولشدة خوفهن اندفعن باتجاه دكان سيف الطُلِّيس يطلبن منه ان يبيع لهن بالدين حتى تصلهن الحوالات لكن الطليس كان يرفض ويقول لهن :
- ” مافيش كَلْعْ وملعون من يكلِّع “
واقسم يمينا بانه لن يبيع بضاعته ديناً في زمن الحرب .
كان قد تفاجأ بالحرب العالمية الثانية وانصدم حين سمع بنشوبها وكاد يُجنُّ من هول الصدمة حتى لقدساوره شعوربانها تستهدف شخصه وقامت لاجل تدميره وافقاره :
” الملاعين لما شافونا اطلب الله والسوق حامي والرزق ينزل علي مثل المطر قيّموا الحرب”
وعندما توسطت موزة زوجته لنساء المغتربين وطلبت منه ان يبيع لهن بالدين رفض وساطتها وقال لها :
-” لوانا بعت بضاعتي دين ياموزة ابكرمُوَكِّس ومفلِّس “
قالت له موزة التي كانت قد اعتنقت فلسفة امها في تبسيط وتسهيل ماهوصعب : - “سهل ياطليس سهل كل شي بالسَّهالة. “
قال الطليس :
-“هذي حرب ياموزة حرب والحرب مش هي سهل ولاهي بالسّهالة “
لكن موزة كانت تعرف بان مايراه الطليس صعبا وهو في الدكان يراه سهلا في غرفة النوم.
بعد ان تناهى الى اسماع نساء المغتربين بان الطليس الغى الحظر عليهن اقبلن من كل القرى ولشدة خوفهن من ان تطول الحرب كن يبتعن من دكان الطليس ماهو ضروري وماهو غير ضروري ولايكترثن بالاسعار ولايهمهن طالما ان موزة قد ذللت الطليس وليَّنته واقنعته بأن يبيع لهن بالدين والى اجل غير معلوم.
كان الطليس يذهب الى الراهدة ويشتري البضاعة من التجار نقدا وموزة تبيعها دينا اثناء غيابه وعند عودته تطلب منه ان يسجل في سجل الديون :
- “سجل ياطليس -” تقول له -ثم تملي عليه اسماء امهات وزوجات المغتربين والمبالغ التي عليهن وكان الطليس لشدة المه على بضاعته التي تتسرب من دون ثمن يصرخ مغتاضا :
-” سجل ياطليس.. سجل ياطليس.. سجل ياطليس”
تقول له موزة : مومعك تِتْضَبَّح مُوْشِسْرَقنّاك !!
يقول لها الطليس : “الايام بيننا ياموزة “
ومع مرور الايام والاشهر كانت البضاعة تتناقص والديون تزداد.. سجل الديون يكبر ويتضخم والدكان يصغر.. السجل يمتلئ والدكان يفرغ ويفضي. وبعدمرور عامين على نشوب الحرب العالمية الثانية كان دكان الطليس قد اصبح فارغا فاضيا خاويا على عروشه تعيث فيه الفئران ولم يبق منه سوى المكيال والميزان وسجل الديون وسرعان ماراح الناس يتناقلون خبر افلاس الطليس : - “الطليس وكّس ..الطليس فلّس .. الطليس قفل الدكان.”
ومع ان الطليس كان قد اشتهر وذاع صيته عندما فتح دكانه الاانه اشتهر اكثر بعد ان افلس حتى لقد صار افلاسه حدثا مهما وعلامة فارقة في تاريخ المنطقة واصبح الناس يطلقون على السنة التي افلس فيها واغلق دكانه :
-” سنة الطليس “* بعد ان افلس الطليس واغلق دكانه راح يتشبث بسجل ديونه ويتمسك به كأنه حبل نجاته وكان لديه يقين بأنه سوف يسترجع ديونه ويستعيد دكانه طالما السجل موجود .
وكلما كانت زوجته موزةتشكو من الحالة المزرية التي وصلوا اليها يقول ردا عليها :
-سهل سهل ياموزة المهم السجل موجود
كان الوضع المادي لهما يزداد صعوبة وموزة تزداد تذمرا وكل يوم كانت تتذكر ايام العز والرخاء وتقارنها بايام الفقر والعوز وتتهم الطليس بانه السبب فيما صاروا اليه وكان هو يتهمها بانها السبب في افلاسه ويقول لها متهكما : - سجِّل ياطليس.. سجِّل ياطليس
وكانت هي تغضب من تهكمه وتقول ردا على اتهامه لهابأنها وراء افلاسه :
-“اني قلتو لك تدينهِن وتتخلّصهِن ما قلتولكش تدينهن وتسيبهن وتسامحهن “
قال الطليس : ومن قال لك ياموزة اننا سامحتهن !!اواننا باسامحهن!! والله لو الله بنفسه يوم القيامة شفع لهن عندي وقال لي: سامحهن ياطليس اقول له : لا ياربي لا
قالت له موزة : “نحنا باليوم مودخلنا بيوم القيامة. من يوم غلقت الدكان وانت جالس بالبيت ولو الديون تهمك كنت تبكر الصبح بدري وتجري من قرية لاقرية تتخلص ديونك من النسوان. من اول كنت تقوم الصبح بدري وتفتح الدكان ذحين ترقد الصبح وتقوم مغرب تخزن وتفتح السجل والسجل ياطليس مش هو دكان تفتحه السجل يشا جري وتعب”
وكانت موزة تطلب منه ان يبكر الصباح ومعه سجل الديون ويذهب للقرى لاسترجاع ديونه من نساء المغتربين بدلا من ان يسهر الليل وينام النهار لكن الطليس بعد ان افلس واغلق دكانه وجد العزاء في اوراق القات كان ينام النهار وفي الليل يخزن ويسمر وبعد ان يأخذه القات الى ذروة النشوة يفتح سجل الديون ويشعر حين يفتح السجل ويتصفحه ويقلب اوراقه بمتعة تكاد توازي تلك المتعة التي كان يجدها كل صباح وهو يفتح دكانه .
و عندما كانت موزة تنهض منتصف الليل من نومها وتراه معتكفا في زاويته يتصفح سجله تتضايق وتقول له وهي تكتم غيضها :
-” ياطليس ارقد والصبح اخرج اتخلص بياسك”
يقول لها وهو مكيف ومنتشي ومستمتع بالقات وبتصفح السجل :
-” ياموزة الفلوس موجودة خرجت اليوم والاخرجت بعد سنة ومادام وهي مسجلة بالسجل والسجل موجود مافيش خوف”
كانت موزة في ذروة شبابها وكان جسدها بعد اغلاق الدكان يزداد جمالا وتوهُّجاً بفعل الراحة والفراغ فيما الطليس كان قد شاخ ولم يعد قادرا على تهدئة فوران جسدها واسكات رغباته
لكنها بفضل فلسفة امها في تبسيط ماهو صعب وفي انه يمكن الحصول على اي شيئ بسهولة كانت ترد على النساء حين يسألنها عن حياتها مع الطليس في الفراش وتقول لهن :
-“” السراج المُغَزوِز ولا الغُدرَة “
وذات ليلة لشدة ماكان جسدها يتوهج من قوة الرغبة التي اجتاحتها راحت تناديه بصوت عارٍ من غرفة نومها لكن “سراجها المغزوز “لم يقم من فوق السجل وبدا.لها كأنه يتجاهلها . ولشدة ماشعرت بالغيرة من السجل وثبت عارية من فوق سريرها لتمزقه لكن الطليس نهض من فوق سجل الديون وقال لها وهو يحضنها ويحتضن عُريها :
-والله ماسمعتك ياموزة
قالت له وهي تفور من الغضب وجسدها يفور بالرغبة :
-تفضِّل السجل عليَّ ياطليس !!تسيبني كل ليلة لوحدي فوق القعادة وانت سامر مع السجل!! وراحت تسأله : منو احسن اني والاالسجل ؟
قال لها الطليس :
-” انتي ياموزة احسن لي من السجل واحسن لي من الدكان واحسن لي من الدنيا ومافيها” وكان الطليس يعرف كيف يهدئ بكلماته غضبها ويمتص سخطها .
وليلتها دخل عليها ودخل فيها لكنه انكسر داخلها وخرج منكسرا ذليلا واما موزة فبعد ان تبين لها بان السراج المغزوز إنطفأولم يعد يصدر منه بصيص ضوء شعرت ب “غُدرة” داخلها و”غُدرة” خارجها و”غُدرة” تحيط بها واجهشت ليلتها بالبكاء .
في صباح اليوم التالي وموزة تغط في النوم نهض الطليس بقوة الشعور بالذنب وحتى تغفر له موز وتسامحه اخرج السجل من الصندوق ووضعه داخل كرتون ووضع الكرتون داخل كيس ثم راح “يتعجَّش” الكيس (يلقيه على ظهره )ويمضي من قرية الى اخرى لاسترجاع ديونه. وكان كلما وصل قرية من القرى توقف وانزل الكيس من على ظهره واخرج الكرتون من الكيس ثم يخرج السجل من الكرتون ويظل يقلب اوراقه بحثا عن اسماء المدينات له من زوجات وامهات المغتربين حتى اذا عثر على الاسماء راح يسأل الاطفال عن بيوتهن وكان الاطفال يسالونه بدورهم عمايريده منهن ولماذا يسال عن بيوتهن وعندما يعرفون بان الرجل الواقف امامهم بالاسمال هو نفسه سيف الطليس صاحب الدكان الشهير كانوا يستغربون ويتعجبون ويتعاطفون معه ويدلونه على بيوت نساء المغتربين ويبقون على مقربة منه ينتظرون ماالذي سوف يحدث عندما يطرق ابواب بيوتهن وماذا ستكون ردودهن وهل سيسددن ديونهن ام سيتهرّبن من الدفع وكان الطليس كلما قرع باب بيت يأتيه صوت من الداخل متسائلا :
- منو يدق الباب؟
ويرد الطليس قائلا : - “انا سيف الطليس اجيتو اتخلص الدين اللي عندك “
وكانت نساء المغتربين يجفلن ويرتعبن حين يعرفن بانه الطليس جاء يسترجع ديونه منهن
و يشعرن كمالوانه عزرائيل جاء ليقبض ارواحهن. وجميعهن باستثناء قلة قليلة كن يهربن من مواجهته ويتهربن من دفع ماعليهن من ديون و يعتقدن بانه ليس من حق الطليس ان يطالبهن بالديون طالما وقد اغلق دكانه.
كانت ام المغترب اوزوجته بمجرد ان تعرف انه الطليس تكلمه من وراء الباب اومن خلف حجاب وتلون صوتها لكي لايعرفها واحيانا تطلب من ابنها اوبنتها ان ترد عليه .
ولم يكن الطليس بالغبي حتى تنطلي عليه حيلهن ومحاولاتهن للتهرب من تسديد ديونهن
وعندما طرق باب بيت ساقية ام المغترب مسعود فزعت ساقية حين عرفت انه الطليس وطلبت من بنتها مشنَّة ان تطل من الطاقة وترد عليه
وسالتها مشنة عن الرد الذي عليها ان تقوله للطليس - مو اقول له يما
قالت لها امها تنطقها وتهمس في اذنها : - قولي له : امي ماتت الله يرحمِه
قال لها الطليس محتجا :
-كيف تموت قبلما تبرِّج الدين اللي عليها !!
قالت لها ساقية :
-قولي له الموت من الله ياطليس.
قالت له مشنة : - الموت من الله ياطليس.
قال لها الطليس : - “داري الموت من الله لكن البضاعة من الطليس ومسجل دين عليها”
قالت امها تهمس في اذنها : - قولي له يسامحني بالدين
قالت مشنة : - سامح امي ياطليس
وصاح الطليس وقد استفزه طلب البنت مشنة :
-” حرام مااسامحها ولاامسح دينها من السجل وبيني وبينها يوم القيامة. “
وقبل ان ينصرف من امام الباب اطلق تلك الصرخة لتي ماانفك يطلقها كلما انقطع امله باسترجاع امواله : - ” الغلط مني انا الغلطان ودَّفتُو وكلَّعتُو النسوان “
- حين كان الاطفال يطلبون منه ان يشكوزوجات ونساء المغتربين للحكومة يرد عليهم قائلا:
-” لمواروح اشتكي للحكومة الله اكبر من الحكومة وبيني وبينهن يوم القيامة “
وكان الطليس لايرى خيرا في الحكومات وكثيرا ماكان يقول :
-” الظلم كله يجي من الحكومةو الناس هبلان يروحوا يدوروا العدل عند الحكومة”
كان لديه يقين بانه يوم القيامة سيُبعث حاملا سجل الديون وسيجد العدل والانصاف وعندما ساله الاطفال عن مغزى كلامه وهل يعني بذلك انه سيوصي بان يدفنوا سجل الديون معه ويفعل مثلما فعل الزمار سعيد الفاتش حين اوصى بدفن مزماره معه قال لهم الطليس : - الله معه سجل يسجل بُه الذنوب
وانا معي سجل اسجل بُه الديون
ويوم الحساب والعقاب مايمكن ربي يغفر ذنوب نسوان المغتربين ويفتح لهن باب الجنة الا بعدما يبرِّجين ديونهن ولوهن انكرين وقالين: - ياربنا مافيش علينا ديون للطليس
ربنا بايقول للملائكة : - اين الطليس؟ صيحوا للطليس !!
قال له الاطفال :
-بس ايش الفائدة ياطليس لورجعت لك فلوسك بالآخرة وايش باتعمل بها !!
قال لهم الطليس وهو يضحك :” افتح بها دكان بالجنة”
ويومها اختلف الاطفال فيما بينهم حول مااذا كان الطليس سيدخل الجنة ام النا ر :
قال الاطفال المتعاطفون مع الطليس بأنه سيدخل الجنة
وقال آخرون بأنه سوف يدخل النار
وكانت حجة هؤلاء هي ان الطليس كان يبيع في دكانه (قلم ابليس )
وقلم ابليس هو الاسم الذي اطلقه فقهاء القرى على(احمر الشفاه)
كان الطليس يغادر بيته كل يوم في الصباح ويقضي يومه في التنقل من قرية الى اخرى بحثاعن ديونه وعندعودته في المساء من قرى الناحية ومن القرى النائية يعود مرهقا ومتعبا وجائعا وكانت موزة زوجته بمجرد ان تفتح له الباب تبدأ بتفتيش جيوبه بحثا عن المال وعندما تجدها خاوية تنشب فيه مخالبها وتصرخ غاضبة :
- “اني بحاجة بياس ياطليس عليّ ديون اين البياس !!لك من الصبح ورجعت لي فارغ !!
وكان الطليس يرد عليها قائلا : - “سهل ياموزة سهل البياس شتجي وكل شي بالسَّهالة “
وكانت موزة تغضب من اتكائه على فلسفتها في الرد عليها وتصرخ قائلة : - “لوانك تاجر مثل التجار كنت شتتزقَّر بدكانك مش تضيع الدكان وتتزقر بورق”
وكثيرا ماكانت تهدد بانها سوف تمزق السجل او تحرقه: - “والله لااقطعه واحرق به “
ولشدة ماكان الطليس يخاف من ان تمزق سجله اوتحرقه كان يضعه قبل النوم في الصندوق ويقفل عليه بالقفل وفي الصباح يخرجه من الصندوق ويضعه في الكرتون ويضع الكرتون داخل الكيس و”يتعجش” الكيس ويخرج في رحلة البحث عن الديون وهكذا كل يوم .
كانت الحرب قد انتهت والحوالات تصل من المغتربين لزوجاتهم وامهاتهم واقاربهم بيدان الديون التي عليهن للطليس لم تعد تخطر في بالهن اوتقلقهن اويحسبن حسابها ولم يكن لديهن النية اوالرغبة في تسديدها وكن يعتبرنها ديونا ميتة لكن الطليس كان يؤمن بان الديون لاتموت ولاتسقط بالتقادم اوبالموت .ومثل شمشون الجبار الذي كان يستمد قوته من شَعره كان الطليس يستمد قوته من سجله .
ولكثرة ماراح الطليس يدخل ويخرج سجله ويقلب اوراقه ويتصفح صفحاته اهترأت الاوراق وبهتت الحروف وتآكلت الارقام لكن الطليس كان مازال يهدد ويتوعد ويلوح بالسجل ويشهره في وجوه نساء المغتربين مثله مثل دون كيشوت وهو يحارب طواحين الهواء بسيف صدئ. ومثل دون كيشوت الذي كان يصدق كتب الفروسية التي قراها كان سيف الطليس يصدق سجله ولديه يقين بان كل ماهو مكتوب في السجل سوف يتحقق في الواقع وبان الواقع الذي يقف على النقيض من السجل بكل مافيه من كذب وظلم وجنون سوف يتطابق في نهاية المطاف مع سجله :سجل الديون .لكن المشكلة كانت في زوجته موزة التي لم تكن تصدق ماهو مكتوب في سجله وانما تصدق ماهو موجود في جيوبه .
ذات مساء وقد عاد من رحلته كماذهب ثارت ثائرتها وجن جنونها وحولت البيت الى جحيم . ولشدة ماكانت غاضبة منه ومن نفاذ الطحين اقسمت بانهاسوف تكسر القفل وتخرج السجل من الصندوق وتطحنه وتعجنه وتخبزه وتفتُّه وتعمل منه فتة.
قال لها الطليس وهو يترجّاها ويتوسل اليها :
-” سالتك بالله ياموزة تمهلينا لابكرة.. لوبكرة رجعت بلابياس اعملي اللي براسك. “
قالت موزة : وبكرة موهي ثاني!! هي مثل اليوم ومثل امس ومثل قبل امس ومثل كل الايام.
قال لها الطليس : لاياموزة لا بكرة خميس شابكر الصبح بدري واروح اتخلص زوجة المخردع الكبير وارجع سوق الخميس اشتري لحمة وخضرة وقات نخزن ونسمر ووعدها بليلة من ليالي الف ليلة وليلة .
وضحكت موزة وقالت له :
- “لكن آخر مرة ياطليس السراج المغزوز كان طافي”
قال لها الطليس :
-” الجيب لما يكون فاضي ياموزة السراج يكون طافي لكن لوالجيب مليان السراج يلصي” في الصباح نهض الطليس باكرا وخرج من دون صبوح وراح يغذ السير وعندما اصبح امام دار المخردع الكبير راح يطرق الباب وينادي بكل صوته : - ياشموع ياشموع
ونزلت شموع من غرفة نومها تجري لترى من هذا الذي يناديها بكل صوته وراح بالها الى انه رسول من زوجها لكنهاوقد تفاجأت بالطليس اجفلت وقالت : - اعوذ بالله من الشيطان موجابك ياطليس !!
قال لها : “اجيتو اتخلص الدين “
قالت شموع محتجة- وكانت امراة متكبرة وممتلئة بالغرور-:
-مومن دين ياطليس !!
قال لها الطليس : “عليك دين ثلاثمئة شلن ياشموع”
وانكرت شموع بان عليها دينا واصرت على انها سددت دينها
قال الطليس وهو يشهر سجله في وجهها :
-“كل شي مسجل بالسجل والسجل مايكذب .”
قالت له شموع وهي تواصل الإنكار بأن سجله ليس قرآنا حتى تصدقه :
-” سجلك ياطليس مش هو قرآن “
وكان الطليس يزعل ويغضب ويستفز من كل من تشكك في ذمة ومصداقية سجله لكنه يومها تمالك نفسه وراح يمسك بزمام اعصابه ويحاول معها عل وعسى تقر بدينها وهي تواصل الانكار وعندها انفجر الطليس وقال لها : - لو انتي ياشموع انكرتي الدين اللي عليك بالدنيا ماتقدري تنكري يوم القيامة لان السجل موجود بايقوم يشهد عليك امام ربنا وربنا بعد مايسمع شهادة السجل ويعرف بانك كذابة
اين باتروحي من غضب الله وايش باتقولي له!!
شتقولي له اني زوجة المخردع الكبير!! ههههههه
-يوم القيامة ياشموع مافيش مخردع كبير ولا مخردع زغير في حساب وعقاب.
.
ولشدة مااوجعها كلام الطليس راحت تبكي وتعول وتولول وتشهِّد اهل القرية على الطليس :
-“اشهدوا لي على الطليس بكرلي مثل ابليس يقول علي كذابة ويفجعني بيوم القيامة.
وخرج فتيان القرية من بيوتهم وتحلقوا غاضبين حول الطليس
قال لهم الطليس وهو يريهم السجل :
-” عليها دين ثلاثمئة شلن وهي تنكر “
قالت لهم شموع وهي تواصل البكاء :
-” سجله مش هو قرآن “
واقسمت امامهم بانها سددت دينها كاملا
وكان فتيان القرية وصعاليكها موتورين وحاقدين على الطليس لانه كان يردهم ويصرفهم ويرفض ان يبيع لهم سجائر على الحساب على عكس البنات والنساء. ويومها قالوا له :
- بعدما فلست ياطليس خرجت تدور ديون ماهلهاش
وزعل الطليس من كلامهم ومن انحيازهم الى زوجة المخردع الكبير وقال محتجا : - “تصدقوا زوجة المخردع الكبير وتكذبوا السجل!! “
قالوا له مرددين كلام شموع :
-” سجلك مش هو قرآن ”
قال وقد عجز عن التحكم بغضبه :
-“صح حقي السجل مش هو قرآن لكنه مايكذبش.. وانتم كذابين تشهدوا مع واحدة كذابة”
وكان الطليس بكلماته تلك قد اعطاهم الضوء الاخضر.
وحتى يرضوا زوجة المخردع وينتقموا لها ولانفسهم هجموا على الطليس واوسعوه ضربا وراحوا يواصلون ضربه بقسوة شديدة وهو بدلا من ان يدافع عن نفسه راح يذود عن سجله ويحميه بجسده ومن سطوح بيوتهن كانت نساء القرية يصرخن فيهم ان يتوقفوا عن ضربه: - “بس ياعيال بس يكفي حرام شيبه”
لكن نساء القرية كن في نظرهم مجرد ظل وصدى لزوجة المخردع الكبير ولو انها هي التي طلبت منهم ان يتوقفوا عن ضرب الطليس لتوقفواعن ضربه . كانت زوجة المخردع الكبير صغيرة وجميلة ولها جسد مترف وزوج مغترب وغني داره اكبر واحدث دار في القرية وكان قد بنى داره من حجارة منجورة ومصقولة لكأنها قطع الصابون .
لكن فتيان وصعاليك القرية وهم يضربون الطليس كانوا يشعرون وهم يضربونه امامها كما لوانهم يعزفون لها لحنا .كانت تلك اول مرة يضربون فيها رجلا امام امراة ومن اجل ارضاءامراة وكانوا مستمتعين وهي مستمتعة . وعندما حضر عقال القرية كان الطليس مطروحا بالارض والفتيان فوق والسجل تحته وقد تمزقت اوراقه وتلطخت
ا ورغم محاولته لحماية سجله بجسده الا ان اكثر اوراق السجل كانت قد تمزقت وتلطخت بدمه وامام عقال ووجهاء القرية راح فتيان وصعاليك القرية يبررون جريمتهم بالقول : - “الطليس يمثل سجله بالقرآن ويقول سجله مايكذبش “
لكن الطليس وقد نهض من الارض محطما لم يكن بقادر على ان يقف امام عقال ووجهاء القرية وينفي التهمة عنه وحتى لو يقدر لم يكن يهمه ان يثبت ايمانه او ينفي الكفر عنه وانما كل ماكان يهمه من قبل هو ان يثبت صدق سجله اما بعد ان انتصر الكذب على الصدق وانتصر الوهم على الحقيقة والواقع على السجل فقد ايقن بان كل ماهو خارج السجل كذب وزور ووهم وبهتان وكان ان فقد الامل بانتصار العدالة في الدنيا
وفي طريق عودته الى البيت صادف في طريقه امراة عليها دين واسمها مسجل بالسجل لكنه لم يستوقفها ولم يشهر سجله في وجهها ولم ينظر اليها وانما راح يشخص ببصره الى السماء ويراقب طيرا مر من فوقه وراح يمضي مبتعدا ويومها صعد درج البيت بصعوبة شديدة وحين راته موزة يدخل عليها ورات الدم يلطخ وجهه وثيابه وسجل ديونه
رق له قلبها وسالت دموعهاوتذكرت موزة انه خرج من دون ان يتناول فطوره وخرجت تجري لتتسلف من جاراتها بعض الطحين لتخبز شيئا يأكله وعند عودتها عجنت وخبزت ووضعت الخبز فوق الطاوة وحين انتهت وقربت الاكل ابصرت الطليس نائما ومحتضنا سجله فظنته نائما وفضلت ان تتركه يشبع نوما قبل ان يشبع جوعه لكن الطليس كان قدغادر الحياة الدنيا جائعا ومظلوما وذهب الى ربه “مُتَعجِّشاً” سجل الديون.
*في (سنة الطليس )اشتد الغلاء وعدم الطعام وخرج اولاد الحرام يقطعون الطريق وينهبون المسافرين وفيها جاع الناس ومن شدة جوعهم اكلوا (حمارسيف انعم )
وفيها ظهر كوكب في القبلة له نور عظيم وذنب كبير وكان يظهر بعد المغرب وقال المنجم مسعود الضراب بانه كوكب الإسهال يتبعه وباء وفناء
وفيها وصل خمسون يهوديا ويهودية الى قرية العكابر هاربين من الجوع وكان من بينهم العيلوم سالم الذي فتح له دكانا في السوق وهو دكان من ورق يبيع فيه التعاويذ والتمائم وطلاسم الحمل
.
.
–