- كتب: عمران الحمادي
النقد غير الاحترافي، المديح المبالغ فيه، النفاق الاجتماعي، المجاملات السائدة في الوسط الأدبي.. كل هذه عوامل تعرقل تطور الروائي، وتجعله مقتنعاً بما أنجزه، فإذا هو يراوح في مكانه، دون مسعى جاد من جانبه لتطوير نفسه.
إن المديح الزائد يعطل الحاسة الفنية لدى الروائي، ويشل قدرته على نقد ذاته، ويُميت نوبات الشك في جودة ما يكتبه.
حينما يُصدر الروائي أو الروائية كتاباً جديداً، فإن المعجبين يسارعون بإثارة عاصفة من الغبار، تُعمي العيون عن رؤية عيوب العمل الروائي، ولعل المتضرر الأكبر والوحيد مع الأسف من هذا الطقس السيئ هو الروائي أو الروائية صاحب العمل.
يرضى الروائي عن نفسه إذ يرى كثرة مادحيه، وقلة منتقديه، فيظن أن قد أحسن صُنعا.. وحينئذ يكون قد وضع حاجزاً من صنع يديه للحد من تطور قدراته الإبداعية.
المواهب الشابة هي الأكثر تضرراً من جوقة المعجبين، وربما تسبب هؤلاء في انحراف الفتى الموهوب عن المسار الصحيح لموهبته، والتغرير به عن غير قصد للدوران في حلقة مفرغة من الاجترار، فيظل يكتب الكتاب نفسه، متوهماً أنه قد أتى بما لم يستطعه الأوائل.. بينما هو في واقع الحال، لم يجدد لا في الأدب بصفة عامة، ولا في أدبه حتى هو نفسه.. إنه يستنسخ ما سبق أن كتبه، وفي هذا الجو الاحتفالي المكرس للمجاملات اللطيفة يحسب أنه يُبدع حقاً.
جوقة المعجبين تفرز سماً قاتلاً في دماغ الروائي المبتدئ، بكلماتها المعسولة، بتدليلها لفتاها العبقري، فإذا بهذا الشاب الذي يحمل ميلاً فطرياً نحو الكتابة، قد انجرف إلى البحث عن رضا هذا الجمهور المتسلط عليه، فيكتب من أجل خاطرهم، وليشبع غروره عن طريق انتزاع آهات الإعجاب منهم.
“الغرور” الآفة التي تقضي على كثير من المواهب في مهدها، وتحيل القلم إلى جثة هامدة بين أصابع حامله.. ذاك لأن “الغرور” يزرع في دم الكاتب “الإدمان” على تلقي المديح والثناء، والتقدير العالي، والاحترام والتبجيل، والإشادة المبالغ فيها التي قد تصل إلى درجة التقديس والعصمة من الخطأ!
قد يقع في هذا المطب حتى الكتاب الكهول، الذين تجاوزا مرحلة البدايات، وباتت أسماؤهم مكرسة في المشهد الأدبي.. وما من عذر لكاتب قد شاب قرناه وصدرت له عدة روايات، أن يستمرئ هذا “الإدمان” ويتعيّش عليه.. فهو في الأول والأخير لا يخدع أحداً باستثناء نفسه.
يحبذ رجل السلطة امتداح مواطنيه له، لأنه بهذا يُرسخ سلطته التنفيذية على الشعب.. وأما الروائي فليس بحاجة إلى ترسيخ سلطته على أي أحد.. ذلك لأن كتاباته هي دعوة مفتوحة لتحرير القراء من كل سلطة، بما في ذلك سلطة الكاتب ذاته.
أحياناً يمارس الكاتب الذائع الصيت نوعاً من السلطة الناعمة على محيطه وقرائه، فلا يجرؤ أحد على المجاهرة بأخطائه، أو حتى إبداء النزر اليسير من الملاحظات..
إن كان الحال هكذا، فما الفرق إذاً بين الأديب والديكتاتور؟؟ يتجنب الناس انتقاد الديكتاتور خوفاً منه، وتتجنب جوقة المعجبين انتقاد فارسها الأدبي خوفاً عليه..
يحتاج الروائي إلى الكثير من القسوة النقدية، لكي يصحح ويصوب مساره الإبداعي، كما يحتاج إلى عدم إثارة الضجيج حوله، ليتمكن من اكتشاف طريقه الخاص.