- رستم عبدالله
يومي مزدحم .. مزدحم جدا بالمواعيد والأعمال ، لدرجة أنني لا اجد الوقت الكافي للعمل، ولا فراغا لقضاء حاجات الأسرة، أضطر في كثير من الأوقات لأخذ إجازة من عملي الواقعي الذي أقتات وأعيش منه لانجاز مشاغلي الافتراضية، فأنا لم أعد شخصا عاديا مثلما كنت، لقد أصبحت شخصا هاما و مشهورا على الفيسبوك وتويتر والوتساب والإيمو ، ونجما على الانستغرام ، كل هذا ولكنني لم أصل بعد لتلك النجومية التي تحقق لي الأرباح ، وتحصد الأموال من وسائل عالم التواصل، كما يحدث في التوك توك و اليوتيوب، و إن كانت من ضمن بنك أهدافي الكثيرة ..
إن شعبيتي في ازدياد على الفيسبوك وتويتر، لقد حصلت على العلامة الزرقاء في فيسبوك منذ شهرين، وصرت ترند على اليوتيوب ، ويعاد تكرار تغريداتي باستمرار ، صحيح أنني ما زلت اترنح بفاقتي ، و انهما لم يغرقاني بالأموال كما يحصل في اليوتيوب و توك توك ، لكنهما يشبعان نرجسيتي وغروري، ويملأن خياشيمي بالزهو ، ما أجملها من لحظات ، لحظة إطلاق المنشور ، هنيهات قلائل وترتص أمامك مئات الإعجابات وعشرات التعليقات، تشعر بنفسك وكأنك مايسترو يؤدي وصلة موسيقية خالدة، ويقف للاستمتاع بدوي الهتاف و التصفيق الحار ، عقب المنشور ..
صار لي العديد من الأصدقاء من كلا الجنسين ومن مختلف الدول العربية والعالم ، على الفيسبوك وتويتر الماسينجر صرنا نقضي الساعات الطوال في الدردشة على الخاص ودقائق في تبادل اللايكات والمجاملة بالتعليقات المهذبة والمنمقة، صار لي أسطولاً من المعجبات الافتراضيات، والواقعيات والقطاع المختلط واقعيات وافتراضيات رحب بهن قلبي المعطاء والكبير الذي يتسع لهن ، ولأضعاف أضعاف مثلهن، أكرم وفادتهن، 4 موبايلات ولابتوب وايباد ، وعلبة دعم لوجستي تعج بالذواكر والفلاشات المحملة بالصور والمقاطع الرقيقة المعبرة، عجزوا عن مجارات مشاعري، لم يعد ال3g مجديا في تلك المراسلات، ادخلت شبكة نت للمنزل واشتريت (مودم) تضطرب ذاكرتي أحيانا و أخطيء في الرد على النساء أضطريت للاستعانة بدفتر مذكرات خصصت كل صفحتين لصديقة ، هواياتها ، متى تظهر متصلة، أحفظ بعض من عباراتها ، أشياء تهمها، أدردش باسمي الحقيقي أتحدث بصدق عن نفسي ، لا أميل للأسماء المستعارة ، قاعدة نفسية تعلمتها وأتقنتها منذ الدردشات العتيقة للموبايلات، نبرة الصدق تتغلغل في القلب وتجذب الصديقة بسرعة نحوك، صرت أتحاشي الخروج والمقيل مع الأصدقاء، حيث صداقاتي الافتراضية وفرت لي بهجة وسعادة غامرة ، و بددت الملل تماما من حياتي ، خسرت الكثير من الأصدقاء ولم أبالي ، جاء العيد و بعد انتهاء واجباته، كنت في قمة توتري ولهفتي للولوج لعالمي الرقمي ، صرت شخصا متوحدا مع عالمي التكنولوجي وأنفصلت عن عالمي الواقعي تماما ، ما إن أشعلت الوايرلس ، تراصت مئات الإشعارات الحمراء ، في عالم مارك الأزرق ، أشعلت البهجة في روحي و التمعت عيناي بالفرح ، انقر على الماسينجر ..
نرجس : صباح البهجة والسرور عيدكم مبارك أستاذي الفاضل..
أنا : صباح الأنس و الدلال ست البنات…..
أتنقل من صديقة لأخرى ، أتخطى رسائل الأصدقاء لا أعيرها اهتماما ، وإن كان شخصية لها ثقلها أرد باقتضاب أو بملصقات عيدية وأشكر مارك لهذه الخدمة المجدية التي تخلصنا من الغير مرغوبين بسرعة ، ذات يوم وأنا بقمة مجدي الفبسبوتويتري ، لاحظت عدم وجود عدد من الصديقات الهامات لقلبي لم تعد تظهر لي صفحاتهن ، أعود للماسنجر ، تظهر المحادثة مقيدة بما يفيد إنه حظر دبر بليل ، لا أعرف كنهه ، لم اكن وقحا أو تجاوزت حدود الأدب و الذوق ، أنام مجهدا متعبا بعد يوم حافل … ، تتوالي الكوارث على قلبي المثخن بالغدر مزيدا من الحظر و الهجر ، وأخريات أكتفين بحذف الصداقة دون حظر ، أحاول ملتاعا الإمساك بزمام الأمور ، أهرول للواتس آب للاستفسار ، ومحاولة ثنيهن وإعادة المياه التي اتقطعت دون سبب لمجاريها، يصفعني الواتس آب بمزيد من الحضر ، امبراطوريتي تتهاوى ، تعب و شقاء عقد من الزمن ينهار ، ينفرط العقد ، تتناثر حبات الصديقات ، غصة تتملكني ، كل يوم المزيد ودون سبب حظر وبلوك، جف قلبي المخضر وأصبح كحقل ذرة بعد الحصاد، تذروه رياح الهجران ، لم يعد في العمر متسع للملمة شتاتي الموجوع والبدء مجددا ، أحاول العودة لواقعي الحقيقي تدريجيا ، وبصعوبة بالغة ، أعالج نفسي من إدمان عالم التواصل ، يساعدني في ذلك خفوت بريقي وأفول نجمي ، لم يعد هنا ما أتشبث به ، لكن انتكاسات من الوجد والحنين ، تطغى وتحرض قلبي لاجتياز اللوعة والفراق ، أعود محطما ومثقلا بالحيرة وألف سؤال وسؤال يدور بذهني المتعب ، لماذا الصد و الهجران ، لم أكن سيئا ، سكبت كل ودي ومشاعري لهن بصدق ، بعد مرور ستة أشهر عجاف وأنا افتح حسابي ذات صباح بارد، وحزين جاءني إشعار يتيم على الفيسبوك ، فتحت متوجسا وبأنامل مرتعشة تهللت أساريري ، كان مقطع فيديو لأيوب طارش* من أمل أقرب وأحب الصديقات لقلبي، هي تعرف حبي لأيوب وأغانيه ، أبتسمت ، لا زال بصيص اخضرار في بستان أيامي، تبقت وردة لم تذبل بعد ، ليقطع حبل هواجسي تحميل المقطع وهو يصدح بصوت أيوب الجميل والعذب ، أنا الذي قاد أشواقه سرايا سريا و لفها في حباله ؛ كم كان يضحك مع كل الحسان الصبايا ..
واليوم عايش لحاله
واليوم عايش لحاله
واليوم عايش لحاله.