- كتب: عبده تاج
أستطاع الروائي الشاب ريان الشيباني بمثابرته المشكور عليها أن يحفر بأصابعه المحترقة بإشكالات عديدة قناة تواصل مع التاريخ اليمني عبر روايته الجميلة “الحقل المحترق”؛ هذه القناة التي كانت محل اشتغال العديد من الروائيين اليمنيين، كأحمد زين في روايته ستيمر بوينت، علي المقري في اليهودي الحالي وبخور عدني، وجدي الأهدل في قوارب جبيلة، الغربي عمران في الثائر وظلمة يائيل، وغيرها من الروايات مؤخراً. إنَّ طَرقَ هذا الباب الخطير من الأدب يتطلب فهماً عميقا لإشكالياته وجهداً كبيراً لجمع المواد البحثية المتعلقة به، فالتاريخ سرداب طويل يُحرّض على التِيه في متاهات كثيرة، استطاع ريان أن يتجاوزها بذكاء وبحس روائي نبيه كما سنورده بإيجاز هنا.
وأنت تقرأ هذه الرواية ستجد نفسك أمام تفاصيل وشخوص وأماكن كثيرة متعددة، لابد أنها تطلبت جهداً مضني من الراوي كي يلم بها وفرضت نفسها كضرورة سردية حيث يتفهم القارئ هذه المساحة الكبيرة التي غامر ريان في خوضها على أنها مقتضيات حتمية لبناء الفضاء الإجتماعي للرواية والنمو المتتابع الهادئ والمحبوك للشخوص، فالتعامل مع شخصية الوالي، الشخصية الرئيسية في الرواية مهمة شاقة لما تقتضيه من سبر غور ذلك التعقيد النفسي وكيفية قوله وتوظيفه في الأحداث. بُلِّلت أصابع ريان في التاريخ كثيراً حتى ظننت أنه لابد ربما أن يقع في فخ التدوين التاريخي، والجميل في الأمر أنه خيب ظني حيث قدر على مرواغة التاريخ جيداً واستطاع أن ينتصر لخصوصية الرواية وفضاءاتها لا سيما الحديثة.
طبع ريان الهادئ ساعده في بناء الأحداث بتروي تام، حيث بدت الأحداث والتسلسل السردي بارتباطه مع الزمن كيانات متماسكة أشد التماسك ومعقولة إلى درجة شيقة، ساعدته ثقافته الغزيرة في استحضار ما يجب حضوره وما يدعم السياق البنائي لإظهار الرواية كتلة واحدة أو وجبة واحدة تُلتهم بشغف ومتعة.
ريان شاعر جميل أيضاً وقد ساعده هذا الحس الشاعري في مراعاة اللغة والغوص أكثر في معانيها ودلالاتها، اختيار الأسماء، الأوصاف الدقيقة والكلمات المثالية في تصوير المشهد الروائي حيث استفاد من لغته جيدا في تدعيم ما يوضّح المشهد سمعياً وحسياً، ولم يكن استخدامه للغة استخداماً تعسفيا واستعراضيا بل رص ملتحم لتقديم لغة تتمازج مع الأحداث والرؤى والصور الجمالية. من خلال اللغة أيضا قدر على استنطاق الشخوص دون فصل بين السارد والمسرود عنه، أحيانا باستخدام مستوى ثقافة الشخوص وأحايين كثيرة بالمستوى الخاص بالسارد. إنني لا أكتبُ عن هذه الرواية من زاوية نقدية أو منهجية بل بواسطة قرائتي اللا انحيازية لهذا العمل، الذي لا نجد أدنى شك لشكر الكاتب على أمتاعنا من خلال هذه المادة التي كانت تلسكوباً موجهاً نحو الماضي استطاع تقريب الصخب التاريخي نحو نقطة الحاضر التي نقف عليها، فهي رواية معاصرة وتقول الماضي من جهة معاصرة وبلغة وتقنيات حديثة فلذا كان لابد لها أن تكون بهذا الجمال الفني والمعرفي. وإنني كأي انطباع عن عمل ما لا أقول كل شيء عن الرواية بل أقدّمها كشيء يستحق أن يُقرأ.. واقترحها للراغبين في معرفة جزءاً من تاريخ لمن لا تاريخ لهم، كما يُعرَف هذا التعريف كوظيفة من وظائف الرواية الجديدة.
- الصورة من فعالية تتعلق بالرواية للصديق ريان الشيباني