- عبدالباري طاهر
سيرة جار الله عمر تنبئ عن ذكاء مدهش ، ونبوغ مبكر ، ومغامرة شجاعة .
تابعت باهتمام مذكراته التي دونها ونشرها صديقه الحميم الدكتور فواز طرابلسي والتي أجرتها معه صديقته الامريكية “ليزا ودين ” ..
أنتمى الفادي جار الله عمر منذ صباه إلى المعرفة والتمرد فتح عينيه صبيحة ال ٢٦ من سبتمبر ٦٢ على قصف دار البشائر قصر الملك المخلوع محمد البدر .
حينها كان طالباً في المدرسة التي لا تبعد إلا بضعة أمتار عن القصر ..
كان من أوائل الطلاب الذين نزلوا إلى ميدان شرارة يهتفون بسقوط الإمامة وانتصار الثورة .
بعد بضعة أعوام التحق لكلية الشرطة و لم تمض إلا بضعة أعوام حتى أصبح اليتيم الآتي من ريف إب من قرية كهال كبير المدربين و مدرساً في الكلية .
أنتمى إلى حركة القوميين العرب، وكان أبوه الروحي محمد محرم ومسئوله التنظيمي ومحمد محرم من كبار الضباط ومن أهم المدافعين عن صنعاء ابان الحصار ط، وكانا محمد محرم وجار الله عمر في الجبهة الشمالية للدفاع عن مطار صنعاء وهي الجبهة الأكثر خطورة و الأشد سخونة .
أعتقل جار الله بعد أحداث أغسطس ١٩٦٨ ، وتدهشك شجاعة هذا الفادي الذي يقدم نقداً للانخراط في الاحداث التي كان يمكن تجنبها فالرجل صادق وشجاع وهما صفتان متلازمتان.. تلازم الجبن والبخل .
أعتقل في الأحداث ومكث بضعة أعوام، فنزل إلى عدن، ولكنه بقي على تواصل مع رفاقه ” الحزب الديمقراطي الثوري “، وكان الشهيد من أشد المتحمسين للكفاح المسلح وخلفية هذا الحماس مرده أن عشرات ومئات الجنود والضباط الذين حموا صنعاء، ودافعوا عن الثورة والجمهورية يجدون أنفسهم مطاردين ومقصيين من الأعمال، وعندما ينزحون إلى قراهم تلاحقهم أجهزة الأمن ويتعرضون للاعتقالات الكيفية والاعدامات بدون محاكمات أو بمحاكمات جائرة .
إن الشعور بالظلم يعمي وحقيقة الأمر كان التحضير للحرب هاجس السعودية والحكام الجدد في صنعاء، وكان سوء تقدير أبطال الاستقلال حاضراً، ومغامرتهم أيضاً ، وكانت المنطقة الوسطى ميدان المعركة شأن اليمن اليوم .
تبوأ جار الله مسؤولية الأمين العام للحزب الديمقراطي الثوري، استجابة لمهام التوجه الجديد الكفاح المسلح فهو الخيار الذي كانت قواعد حزبه في المثلث : صنعاء تعز الحديدة ترفضه، ولكن جار الله كابن منطقة تشن الحرب ضدها لابد وأن يكون وسطها ومرة أخرى في مذكراته يعيد القراءة والتأمل ويرجح موقف رفيقه عبدالقادر سعيد أحمد طاهر الذي رفض المغامرة ودفع ثمناً داخل الحزب ومن الرجعية، فالحكام حينها كما هم اليوم يدركون أن السلام هو الأخطر، أما الحرب فهي شرعيتهم الأساسية ، ووسيلتهم للوصول إلى الحكم والاستنقاع فيه .
قدم جار الله وصيته الأخيرة في مذكراته بشجاعة نادرة، نقد المغامرة ونقد أحداث أغسطس، وحرب الوسطى، وأحداث يناير ١٩٨٦ ، في لقاء مع الدكتور محمد قاسم الثور الهمداني قال لي أنه أتفق مع جار الله عمر صبيحة ال١٣ من يناير على مخرج للأزمة ، وكان حينها جار الله في رأس المغامرة، ومحمد قاسم الثور ضدها، فمعنى هذا أن جار الله عمر كان مع حل الأزمة سلمياً، وليس مع المواجهة ،
ومواقفه بعد الكارثة تدلل على ذلك .
فقد حمى الطرف المهزوم ” الطغمة ” ودافع وحمى المعتقلين في المعاشيق، مواقفه بعد ال١٣ من يناير ١٩٨٦ كانت في غاية النضج قدم ورقة التعددية السياسية والحزبية، ويقيناً بعد حرب ١٩٩٤ التي كان ضدها ، وضد الانفصال مثل جار الله عمر وعلي صالح عباد مقبل قلب الحزب الاشتراكي ورأسه، كان علي صالح عباد الأمين العام وجار الله الضمير اليقظ والحي، وأسهم بدور كبير في فك الحصار عن الحزب والشعب، والتقليل من مخاطر أسلحة علي عبدالله صالح والإسلام السياسي التجمع اليمني للاصلاح، بتأسيس اللقاء المشترك، ودفع الثمن كفاد صادق يدرك أن حرب اللاعنف، وسلاح الكلمة الصادقة أمضى وأقوى من أسلحة المؤتمر والاصلاح .
فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا .