- حسن الدولة
في كل المجتمعات المتخلفة تسود عادات مقيتة منها صفة التعالي بين الاجناس ، وبين الديانات وضعية كانت أم سماوية ، وكل فريق ينبذ الآخر بسبب لقبه أو معتقده ، وهو سلوك مشين يندرج ضمن الفسوق ، بل إن بئس الأثم وأشده بغضا عند الله التنابذ بالألقاب ، وقد عانى من هذا التنابذ العباقرة والعلماء الكبار عبر التأريخ ، يقول الإمام علي كرم الله وجهه: ” أعجب ولما لا أعجب من إمرئٍ يتعالى على ابن جنسه فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أعطى الله هذه الميزة لأحد من عباده لخصها رسله وإنبيائه ” أي ان الله لم يميز بين الناس بما فيهم الرسل والانبياء فما هم إلا كسائر الناس سلكوا الصراط المستقيم فأصطفاهم الله ، لكننا اليوم وفي القرن الواحد والعشرين نسمع بهذا الفرز العرقي المقيت من قبل مثقفين للأسف الشديد من اصول عدنانية أو قحطانية وهي انتماءات مضى عليها الاف السنين ؛ وربما لا وجود لشخص اسمه عدنان او قحطان كما ذهب الدكتور محمد جابر الأنصاري في بحث قيم له بهذا الخصوص وليس صحيحا ان الله قد اصطفى سلالة معينة من بين كل البشر بسبب انتما عرقي بل إن الانتماء الى الرسل والأنبياء ليس انتماء لحمة بل إناما اتباع قال عز من قائل: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) فالله لم يصطف سوى من اصطفى نفسه بالسلوك والتزام القبم الرفيعة فمن تدبر في خلق السماوات والارض تفتح فتوحات ربانية فيحملون الأمانة، وانا ذراريهم فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتسط ومن هو محسن ومنهم:( اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا ..) مريم 58.
فلا تفاخر بالأنساب بل بالتقوى، والاكثر نفعا للمجموع وبالعلم والإختراعات، وما يقدمه العباقرة للإنسانية من خدمات ووسائل اختصرت الوقت والجهد وجعلت العالم منظورا من خلال شاشة بحجم راحة اليد ، فيا ويلنا نحن معشر المسلمين من النار كيف نجرؤ على التعالي على بقية البشر ونحن متخلفون عالة على علماء اتباع المسيح عيسى بن مريم الذي جعل الله الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة قال سبحانه لعيسى : (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة)
فلنتنافس بالمعارف لا بالأعراق، فكل مولود يولد وليس له اي حرية في اختيار نسبه، فلا يجوز ان نتنابذ في امور ليس لنا فيها الخيرة والاختيار ولنتحاسب سياسيا، والخلاف اليوم هو سياسي بحت وان لبس لبوس مذهبية وعرقية فالكل يقول شام والمراد عراق – المراد الكرسي –
فلا قرشية ولا عباسية ولا علويه وانما السياسة تفعل من هذه الخريطات !!!
ولهذا فإن العباقرة والمصطفين هم افراد، فعندما اعلن الرسول الكريم الدعوة قال اصحاب التفاخر بالأعراق لن يقبلوا به لسبب انه ليس من عظماء القريتين (وقالوا لو نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم)
هكذا كان الانبياء في نظر اقوامهم محتقرين لعرقهم او لمكانتهم الإجتماعية، وظل العباقرة غرباء بين اقوامهم فهذا عالم النفس الشهير فرويد كان يشعر بألغربة في الوسط المسيحي الذي كانت يعيش فيه لأنه من ابوين يهوديين ، لكنه أبى الرضوخ لواقع متخلف ليس له فيه ذنب فهو لم يختر والديه أو ديانتهما فقال : “فلم اكن استطيع أن اتبين لماذا أجد معرٌة من اصلي ، أو كما شرع الناس يقولون ، من جنسي ، أما عن قبولي في المجتمع فقد تنازلت عنه دون أسف شديد ، فقد كنت أشعر برغم ذلك الإبعاد أن من يسهم بعلمه مع غيره من الناس في جد ونشاط لن يعدم مكانا ما في هيكل المجتمع الإنساني “.
وهذه حقيقة أن التخلف والجهل ينتجان التعالي بالاعراق والتفرقة والالقاب والتميز بالأنساب والاحساب والتحسين والتقبيح في اصول الناس ودياناتهم ومللهم ونحلهم بينما الناس خلقوا سواسية من اصل واحد هو من سجدت له الملائكة .. يتميز منهم الاتقياء الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر والعمل الصالح قال سبحانه:
( والعصر إن الا نسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
وقال سبحانه (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
هذه هي الثلاثة الأصول التي يتمايز الناس فيعا واهمها العمل الصالح الذي دعى ويدعو إليه كل الأنبياء منذ ابي البشرية آدم عليه السلام؛ فالرسول رغم علو كعبه عند الله كان ابن امراة تأكل القديد ويأكل في الأسواق وينام وبطنه خاوية من الجوع لم يقل انه افضل الناس بل امره الله تعالى أن يقول:(قل ما كنت بدعا من الرسل وما ادري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما أوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين)
فكيف بجرؤ اناس بوالون على اعقابهم أن يتميزوا باعراقهم على ابناء جنسهم والله سبحانه يقول: ( إن اكرمكم عند الله اتقاكم)
والله من وراء القصد