- محمود ياسين
مصدومين .. كأن هادي يقترف حماقته الأولى .
مضى زمن وهو هادي ، كما هو.. الأفعال ذاتها والغرابة وفقدان التفسير المنطقي بداية الأمر ، لكن النهايات تفسر البدايات .
أنا تخليت عن ذلك السؤال القديم : لم تتصرف هكذا ؟
وتخليت أيضا عن تلك الإمتعاضات ، وأخذ الأمر شكل المزحة المأساوية لدي حد الضحك إلى أن تدمع عيناي .
أضحك من هذا الصراخ للمرة التاسعة بعد الألف ، من هذا العويل الذي منشؤه تعويل أخير .
لم يرقني الجناس التصحيفي يوما ، وهذه المقاربات المتحاذقة الأقرب لتكنيك مدرس لغة عربية مهجور ويعتقد أن صلاحيته أوشكت على الانتهاء .
وبين العويل والتعويل عشر سنوات تقريبا ، لا يهم ، عشر سنوات من مباغتات رئاسية بدأت بتسليم صنعاء لانقلاب داخلي وانتهت بتسليم وطن بأسره لإرادة خارجية هي مزيج من العداء والجشع والاستخفاف .
هذا يبدو لي النسخة المعكوسة من شيطان موسكو في رواية ” المعلم ومارغريتا ” ، النسخة الباهتة لشيطان مهترئ وواهن ونقيض سيكلوجي لشيطان الرواية تلك والذي يهبط موسكو فبحيل سكانها لمرضى مختلين فاقدي الثقة وقد أجتاحهم وباء الارتياب ، فعلها شيطاننا بطريقته المعكوسة ، حيث اجتمع الشر والغباء في تمثال معتل تنخره الريح والأوبئة ، لن يتداعى إلا وقد أقترف الأهوال العظيمة ، انتظروا فحسب ، لا يزال يحتدم لاقتراف الأكثر فضاعة والتي ستبدو معها إقالة بن عديو وتسليم الجزر للإمارات والقرار للملكة مجرد عملية إحماء وعروض تمهيدية للعرض الأكثر رعبا وكلفة .
لا يمكنني الجزم بالذي سيقترفه تحديدا ، لكنني أراه وأجد رائحته ووطأة ثقله على بلد جردته الصدمات المتلاحقة من حس التوقع ورؤية القادم ، هو سيختم الحكاية بطريقته ، وبذات النغمة الختامية لهذه المقطوعة الشنيعة ، وكأنه على مدى عشر سنوات إنما يقرع الطبل الذي يجسده حضوره الأملس المتلقي للضربات بكفائة وارتجاع مهول .
لا أدري ، هناك إرادة عليا آثمة لها علاقة بالأمر ، هناك شيطان الرواية الأصلي بالتأكيد وهو يحرك نسخته الباهتة وينقلها بين اللاعبين على طاولة القمار ، يكسب به كل مرة ونخسر ، رغم أننا لم نقامر ولم نختار اللعبة ، لكننا نخسر كوننا عاثرو حظ تواجدوا في الجوار .
لن أكتفي بنظرية المؤامرة بوصفها تفسيرا قاطعا ووحيدا لكل هذا الهراء الفادح ، لكن هي ربما لها علاقة بالصدفة التاريخية أيضا ، وكل أحداث التاريخ العظيمة وكل المآسي أرتبطت بصدفة ما ، حيث تحرك رياح الأقدار ورقة ما ملعونة أو رمز ما في طريق الأحداث وعلى الحد الفاصل بين القدر وإرادة البشر .
هادي ربما كان الصدفة التي أرتجلناها نحن وألتقطها أعداء بلادنا ،بشغف وجشع من وقعت في يده الورقة الرابحة .