- كتب: د. عبدالعزيز علوان
التصنيف الأبجدي للحروف العربيه( الصوتيات) ينقسم إلى قسمين أحدهما يسمى بألف الهجاء ويتخذ نمط أ . ب . ت …. إلى.. الياء ، والآخر التقسيم الأبجدي الذي يأخذ الحروف أبجد ، هوز …. إلى آخره وهي صوتيات لا معنى لها على انفراد.
بدأت أبجدية البحر والثورة للدكتور سلطان الصريمي ، بحرفها الأول وهو الألف (أ) ؛ حرف الأنين الذي أنبثق من صميم المعاناة والمتمثلة بالباطل ، وما تبعه من القول بإحترافية القاتل في قتله ، وضحك المستمع الذي لايدرك شيئا مما يدور حوله، مبينا بعدئذ يقظة المسافر الذي يزداد بقول الأبجدية (شبع من موتتي معرفة) تجعله يصرخ بأعلى صوته غلط من يكتوي مرتين:
أنيت من باطلك يا قاتلي
وقلت للناس قاتلنا حريف
ومن سمعني ضحك
وهز كتفه عجب
الاّ المسافر شبع من موتتي معرفة
وصاح مثلي غلط
غلط من يكتوي مرتين
حرف الباء ثاني أحرف الأبجدية ، إنه إذ يبارك جرح الشموخ و تضحيات السفر، فانه من تنهادته في حب الفاتنة ، يحفر في وجنتي الثنائية الوطن / الثورة ، وصيته للصغار بقوله:
باركت جرح الشموخ تضحيات السفر
ومن حنيني الى ورد الخدود
ونهدتي لجل حب الفاتنه
حفرت في الوجنتين
وصيتي للصغار
بين أفخاذ الفجيعة تنبت الثورة
وفي الصدر الذي يدمي يكون النصر
في الحرف الثالث، يدخل المسار الوطني التيه ، ومع حكاية النزيف لآخر مثله نجد أن الأبجدية (تشوف) أحد الطيور (الحلم) ينقل بمنقاره سلى وذاك العاشق المنتظر شمس المحبة تصل كحقيقة تعيد له (ديمته) اليمن الموحد وتجمع الكاحتين ( الثورتين):
تاهت خيوط الفرح عندي
وتاه الطريق
وشفت في تيهتي نزيف يحكي نزيف
وطير ينقل بمنقاره سلى
وعاشقي منتظر
شمس المحبة تصل
تعيد له ديمته
وتجمع الكاحتين
وبرغم الثبات الذي أبداه الحبيب والمقاومة التي تحملها فيما تجرع من السم، وما تلى ذلك من العمل الذي قام به ليجعل من الخوف مأمن ومن أمانه جهنم ، وأيضا الرقص على السيف من دونما اعتبار لفار العمالة أو دجاج التسلاق:
ثبت حبيبي وقاوم
تجرع السم مرات
عمل من الخوف مأمن
ومن أمانه جهنم
وراح يرقص على السيف
ماهم فار العمالة
ولا دجاج التسلاق
إلا أن التيه من وجهة نظري واصل ويواصل استمرار تيهه حتى الآن ، بشتى الطرق والوسائل ، بالرغم من التجربة التي خاضها حرف الجيم ، بتجريبه صلاة التحدي وتذوقه فرض التغراب ، داخل الذات الوطنية..
ومعانقته للهم ، ورؤيته للوسط وهو يبترع من الطرف للطرف، و غير هولاء ممن كانوا يجرجروا المعجزة ، إلى طريق الكتابة التي أستعصت عليهم ، ليس بالقلم ، ولكن بسيف مشروخ بصفين :
جرب صلاة التحدي
وذاق فرض التغراب
وعانق الهم كله
شاف الوسط يبترع
من الطرف للطرف
وشاف باقيتهم يجرجروا المعجزه
إلى طريق الكتابه
بسيف مشروخ نصين
مع حرف الحب ، الحاء ، يكبر حب العصافير للكبرى اليمن ، ويزداد نموا ، بعد أن ضرب خيوطه على التربة وشد هذه الخيوط دلالة على الثبات في الأرض ، و كأنه بهذا العمل يخلق سماء للغد ، مفتتحا طرق العشق فتحا جديدا، حالفا برأس الوفاء ما سيب الهيجة حطب ، ولا ترك ذئبها ينخط نخيط، وكأنه بهذا الفعل يحاول أن ينظف الهيجة (الحرب الشطرية) من أسباب الاقتتال ، و تفريغ محتوى نخيط ذئاب هذه الحروب:
حب العصافير للكبرى كبر
ضرب خيوطه على التربه وشد
يدشن العشق دشان
يخلق لباكر سما
حلف برأس الوفاء
ماسيب الهيجه حطب
ولا ترك دئبها ينخط نخيط
في تيه المسار الوطني، يأتي حرف الخاء كخميرة لهذا الحب باعتبارها ( الخميره ) مؤثرا خارجيا من خلال تفاعلاتها الداخلية، (المساعدة على إنضاج الشيء بسرعة) تحاول أن تجد طريقها في حرف التاء لغير العجل والتجربة بالمخاوف:
خميرة الحب تأتي بالحبيب
مش للعجل
أو للذي سيب الكاحه وفر
أو من لعب بالحبال الاربعه
تأتي لمن
شد نفسه
وخالط الأرض بالحب
والتجربه بالمخاوف
ًدوران حرف الدال ، بالرأس شكل صورا ، عبت ( ملأت) الهاجس هموم وأتت بعدها كم الخبرية لتفيد كثرة تجرعها من الذكرى ندم، فالصبر لم يعد قادرا على تجفيف دموعه، ولم يستطيع المدى (المسار الوطني) تخفيف هموم الوطن ، إن هذه الصور التي تتشكل وسط القلب، تكفي لعالم، ودينها في رقبة الشاعر كبير، عليه الوفاء بها:
دارت برأسي صور
سبحانها كم عبت الهاجس هموم
وكم تجرع من الذكرى ندم
لا الصبر خفف دموعه
ولا المدى خفف الهم
صور لها وسط قلبي مكان
تكفي لعالم
ودينها في رقبتي كبير
راكمت تلك الحروف ( الصوتيات ) ، في تقديري كل المخاوف السابقة لتعيد إنتاجها دلاليا بمعنى الدين الذي يفترض الوفاء به، لتدخل بعدئذ في ذوبان الجبال والصبر على جمرة الأيام، لتبقى تلك الصور كعنقاء الإبنثاق من وسط هذا الذوبان:
ذابت على جمرة ايام جبال
وذاب صبري وقهري والامل
الا الصور محفوره في الوجدات حفر
تغف وتنبه معي
كلما تجابهني بشاعة عمري القاسي
يعانقني جمال الموت
وتأتي قوتي منه
ترى إلى أي مدى أقتربت أو أبتعدت بقية حروف الأبجدية من هذا التيه والذوبان ومجابهة بشاعة قسوة العمر، ومعانقة جمال الموت، الذي نستمد منه قوة البقاء واصرار التشبث بالمسار الوطني، وهل مجيء أبجدية الربيع كمؤول آخر لهذا التيه الذي حاول الربيع استعادة مساره فيه، مجرد أسئلة تحاول القراءات القادمة الاجابة عليها .