- عبدالكريم الرازحي
بعد كلام الفقيه عن خروج الدابة وعن قرب قيام الساعة
سرت قشعريرة رعب في اجساد اطفال القرية وراحوا يلتصقون بامهاتهم ويسالونهن عن الفرق بين يوم القيامة وبقية الايام!!. اما النساء فلشدة ماكنّ مرعوبات نزلن من السطوح ليتوضأن ويغتسلن من الجنابة ثم صعدن ثانية وهن بقمصان الصلاة ورحن يفرشن سجاجيدهن ويصلين ويستغفرن .وكان منظرهن وهن بقمصانهن البيض بلون الاكفان يثير الكثير من الرعب. وليلتها خرجت سارية قحطان من بيتها وعلى ضوء فانوسها قطعت الدرب المؤدي الى بيت القاضي شاهر وعندوصولها راحت تقرع الباب بقوة وتنادي على بنتها نجوم بكل صوتها وحين نهضت نجوم من تحت القاضي ونزلت لترى ماالذي جاء بامها سارية في ذلك الوقت قالت لها امها بان القيامة على وشك ان تقوم وطلبت منها ان تسرع وتغتسل من الجنابة وترتدي قميص الصلاة وتصلي وتستغفر ربها لكن بنتها نجوم الانثى الشبقة والشهوانية زعلت منها وسخرت من كلامها وقالت لها بانه ليس من عادتها ان تغتسل من الجنابة :
- يما اني احبس شهوة القاضي داخلي لااتغسل من الجنابة ولايعجبني
ليلتها فوجئت سارية بكلام بنتها نجوم وفُزِعت ولم تكن تتصور بأن بنتها الى هذه الدرجة من الشبق والشهوانية .
قالت لها سارية : يابنتي النسوان المزوجات كلهن اتغسلين من الجنابة وطلعين السقوف يصلين ويستغفرين ربهن ولوقامت القيامة شبعثين وهن طاهرات لموانتي ثاني
وراحت امها تتوسل اليها ان تتطهر بدلا من ان تموت وهي نجسة وملوثة لكن البنت نجوم قالت تعترض على كلام امها بنبرة حادة : - من قال لك يما ان الشهوة نجس !!الشهوة اطهر من الماء
وكان من عادة نجوم انها لاتغتسل من الجنابة وتحرص على ان تحتفظ بمني زوجها داخلها لاطول فترة وحين كانت زوجات القاضي الاخريات يسالنها عن السبب في انها لاتغتسل بعد الجماع من الجنابة ولاحتى في الصباح تقول لهن : - لمواغسل النطفة الطاهر اللي ربي خلقني وشخلق ابني مِنِّه !!
وكانت نجوم انثى شبقة تزوجها القاضي شاهر بعد ان طلقها من زوجها المغترب امين السافع لكنها اشترطت عليه لحظة عرض عليها الزواج ان ينام معها كل ليلة وان يكون الليل لها والنهار لزوجاته الثلاث وقبل القاضي شرطها وبسبب شراهتها كانت في ايام دورتها الشهرية تمنع القاضي من مغادر فراشها ليلا وتذكره بشرطها وهو ان الليل لها والنهار لهن
وحين يقول لها القاضي بانه لايستطيع ان يجامعها والدورة فوقها تقول له : - الحق حق ياقاضي من قال حقي غلب و حقي النطف اسكبهن لاإيدي ادهن بهن شعري
ليلتها كان الكل مستغرب كيف ان القرية كلها في السطوح ماعدا القاضي شاهر
قال لهم مبخوت الهكب - القاضي شاهر معه ثلاث نسوان والرابعة نجوم والله مايقوم من فوقها لوتقوم القيامة
كان الصوت يتلون ويتبدل ويعلو وينخفض ثم يعلو من جديد ويصل الى اعلى مستوى له ثم ينخفظ بالتدريج حتى اذا انطفأ وراح العكابر يهبطون من السطوح ويعودون لمواصلة نومهم انفجر مدويا واعادهم ثانية الى السطوح وهم اكثر فزعا واشد حيرة
وفي سطح بيته كان الصبي احمد الميدمة جالسا يعصر ذاكرته ويواصل عصرها عله يتذكر تلك المعلومة التي كان قد قراها في واحدة من رسائل المغتربين الى اهاليهم كانت تلك المعلومة التي اختزنها في ذاكرته واحتفظ بها لحين يحتاجها قدتوارت في تلافيف الذاكرة واختفت وكان كل همه هو ان يسترجعها كيما يدلي بدلوه ويضرب عصفورين بحجر :
يخبرهم بحقيقة البهيمة التي ماانفك صوتها يلعلع في سماء القرية ويثير فزعهم
وفي نفس الوقت يلفت انتباه البنت شموس في السطح المجاور الى انه لم يعد طفلا
ولمدة ساعتين ظل الميدمة يعصر ذاكرته ويعيد عصرها ويخوض معها صراع الذاكرة ضد النسيان من دون طائل
لكنه بعد حديث الفقيه عن خروج الدابة وعن قرب قيام الساعة وبعد ان ابصر الرعب في عيون امه حليمه وفي عيون نساء واطفال القرية لمعت في راسه تلك المعلومة التي عصرذاكرته عصرا من اجلها وحين هم بالكلام صرخ انصار الفقيه يريدون إسكاته :
- اسكت ياميدمة ياشيطان انت راس المصايب كلها
بيد ان الميدمة لم يكترث بكلامهم ولم يسكت وانما تكلم بجرأة وقال من سطح بيته مخاطبا نساء القرية المفزوعات : - هذا الصوت يانسوان لاهو صوت بهيمة من بهائم الجن ولاهو صوت مزمار سعيد الفاتش يصيح من داخل القبر ولاهو صوت الدابة المذكورة بالقرآن ولا تصدقين ان القيامة شتقوم
وسالته المسفلة غيوم عالم وقد ارتاحت لكلامه : - وموهو هذا الصوت ياميدمة
قال الميدمة : “في العالم البعيد بهائم من حديد بعضها يسير وبعضها يطير وبعضها لايسير ولايطير .وهذا الصوت ياخالة غيوم صوت بهيمة من حديد تتكلم وتغني”
لحظتها اندهش العكابر من كلام الميدمة واستغربوا وتعجبوا وراحوا يتسائلون : - من اين للميدمة كل هذا العلم وهو لم يغادر القرية ولم يدخل مدرسة.
قالت لهم غيوم عالم بان الجن حين كان عمره سبع سنوات خطفوه من القرية واعادوه اليها بعد سبعة ايام وهو يقرأ ويكتب ويعلم الغيب
قالت شموس تسأل امها شمس راوح : - من صدق يما الجن خطفوا الميدمة وهو زغير وعلموه القراءة والكتابة وعلم الغيب!!
قالت لها امها: الميدمة ياشموس بعدما رجع من مدرسة الجن رجع وقو يقرا ويكتب ويعلم الغيب لكن بعد ما كبر وبعدما راح يساير الملعون سعيد الفاتش غضبوا منه الجن وسحبوا من قلبه علم الغيب
قالت شموس لامها وقد ازعجها ماقالته عن سعيد الفاتش : - سعيد الفاتش مش هو ملعون يما مثلما تقولي ولاهو كافر مثلما يقول الفقيه
قالت لها امها شمس راوح : - يابنتي ياشموس سعيد الفاتش كان لايصلي ولايصوم و يبول وهو مستقيم
قال شموس :
-وموفيها يما لوبال وهو مستقيم اني لو كان ربي خلقني ولد وخلق لي زب مثل الاولاد والله لااكون ابول واني مستقيم
ولحظتها التفتت اليها امها بغضب وقالت لها :
-“والله ياشموس لوما تتأدَّبيش لاقص لك القِنْتَار بالمقص ”
بعد كلام الميدمة شعر العكابر كما لوان حجرا أُلقِيَ في بركة ذاكرتهم وحرك مياهها الراكدةوسرعان ماتذكروا بهيمة الحديد التي مرت قبل عقد من الزمان في سماء قريتهم واثار صوت مرورها عاصفة من الرعب والاسئلة
كانوا قد شاهدوها بعيونهم وسمعوا صوتها المريع بآذانهم وتذكربعضهم بان الفقيه يومها اثارفيهم فزعا اعظم من الفزع الذي احدثه مرور بهيمة الحديد في سماء القرية
والى جانب البهيمة التي تطير تذكروا بهيمة اخرى من الحديد تسير لكنهم لم يشاهدوا البهيمة التي تسير وانما كانوا قد سمعوا عنها من المسافرين القادمين من عدن .اما بهيمة الحديد التي ايقظتهم من نومهم والتي ماانفك صوتها يلعلع في سماء القرية لم يسمعوا بها لكنهم بعد كلام الميدمة راحوا يسألونه :
- هل هذي البهيمة ياميدمة تطير او تسير ؟
قال لهم الميدمة : لاتطير ولاتسير
قال له وكيل الشريعة حمود السلتوم : - مادام وهي لاتطير ولاتسير كيف وصلت للقرية؟
قال الميدمة : وصلت مع مسافر
قال له متهكما وهو يتميز من الغيض :
-و من هو المسافر الذي وصل الليلة ياميدمة يقيم الرقود من نومهم قل لنا مادام وانت تعلم الغيب
قال الميدمة : مودرانا منو
عندئذ انفجر وكيل الشريعة من الغضب وقال له يوبخه :
-“مادام ياميدمة مش انت داري ليش تعمل عقلك بعقل الفقيه. !! الفقيه اذا تكلم فمن حقه يتكلم لانه عالم والعلم كله في بطنه اما انت بأي حق تتكلم وانت جاهل ومافيش في بطنك غير عصيد امك!!
وشعر الميدمة لحظتها بأنه اهين امام امه وامام اهالي القرية وقال بألم وبنبرة حادة : - طيب ياسلتوم انتم اجلسوا عندكم وفجعوا النسوان والجهال بيوم القيامة وانا اخرج الآن وبعد ا نشوف من العالم ومن الجاهل من اللي في بطنه علم ومن اللي في بطنه عصيد . وخرج الميدمة من بيته وراح يتجه غربا نحو مصدر الصوت وكانت امه حليمة قد تفاجأت بموقف ابنها وخروجه من البيت ولم تعرف انه خرج الابعدان سمعت صبيان القرية ينادونه ان يرجع لحظتها شعرت بالخوف عليه فراحت تناديه وتطلب منه ان يعود
- ارجع يااحمد اني فدالك
ارجع ياابني مافيش معي غيرك
وعندما راته يتجه غربا ويواصل سيره باتجاه المقبرة فقدت الامل بعودته واجهشت بالبكاء
.
كان كلام احمد الميدمة حول بهيمة الحديد التي تتكلم وتغني قداعجب اهل القرية واغضب الفقيه وانصاره حتى ان الفقيه من شدة غضبه قطع صلاة تهجده وقال مخاطبا اهل القرية وهو يعيد قراءة آية الدابة :
- هل هذا الكلام يااهل القرية كلامي ام كلام الله؟
فارتفعت اصوات انصار الفقيه : - كلام الله كلام الله
وشعر الفقيه من قلة الاصوات التي ارتفعت بان الميدمة سحب اوكاد يسحب منه جمهوره ولحظتها انفجر من شدة الغضب وقال لهم : - مثلما ازعجتم الموتى في قبورهم وهم راقدين ربي ارسل لكم من يزعجكم ويقيمكم من نومكم ولوكان كل اب يوم موت سعيد الكافر منع ابنه وكل ام منعت ابنها من الخروج للمقبرة بالطبول والمزامير ولو كنتم ياعكابر سمعتم كلامي ماكان ربي اخرج لكم الدابة تكلمكم
وكا ن لدى الفقيه تلك القدرة لتحويل الدفة لصالحه وباتجاه مصلحته وكان من مصلحته ان يبقيهم في حالة خوف ويبقوا خائفين ذلك لان مملكته كانت قائمة على الخوف وقد تمكن الفقيه ليلتها من ان يعيد هم الى مربع الخوف ولم يكن خوفهم عابرا اوطارئا وانما كان خوفا قديما جديدا ومتجددا يقيم في اعماقهم ويقطن ارواحهم ويتوارثونه من اسلافهم لكن خوفهم تعاظم من يوم موت سعيد الفاتش وكانوا على يقين من ان وصيته الملعونة سوف تجلب سخط وغضب الموتى على قريتهم وكذا سخط وغضب الله وملائكته. كانت القرية ليلتها في حالة هيجان وغليان وتوتر وكان صوت البهيمة قدشرّد نومهم ووتر اعصابهم وشلَّ عقولهم واعمى عيونهم وقلوبهم ومثل العميان راحوا يرشقون سعيد الفاتش بلعناتهم ويعزون اليه كل المصائب التي نزلت بقريتهم وكل الاوبئة والحُمَيّات بمافي ذلك طاعون البقر ومرض الجدري وحتى اطفال وصبيان القرية الذين احبوا سعيد الفاتش ونفذوا وصيته بحذافيرها ساورهم ليلتها شعور بالذنب فراحوا يكفرون عن ذنبهم بلعنه مع اللا عنين. ولحظتها شعر الفقيه بالزهو حين ابصر القطيع وقد عاد الى حظيرته لكنه لشدة فرحته رأى ان يخفف من خوف قطيعه ورجع عن كلامه السابق وقال بان الصوت الذي ايقظهم ليس صوت الدابة المذكورة في القرآن وانما هو صوت الشيطان : - هذا الصوت ياعكابر صوت الشيطان ولن يكسره ويخرسه ويسكته سوى صوت الأذان وليلتها تصرف الفقيه مثل جنرال وامر الرجال والنساء والاطفال ان يحصنوا قريتهم بالأذان ومثلما ينفذ الجنود تعليمات قائدهم نفذا هالي القرية تعليمات الفقيه وراحوا جميعهم رجالاواطفالاونساءًيضعون اصابعهم في اذانهم ويطلقون لاصواتهم العنان وسرعان ماراح صوت الأذان يرتفع من سطوح البيوت :
- الله الله اكبر الله اكبر…
ومن سطح بيته راح الحاج علوان يصرخ غاضبا من الفقيه : - هل جننت !!هل فقدت عقلك يافقيه !!كيف تسمح بالأذان للنسوان وانت تعرف بان صوت المراة عورة ولايجوز لها ان ترفع صوتها امام الرجال!!
قال الفقيه من سقيفة بيته يرد عليه : - للضرورة احكام ياحاج علوان نحنا في حالة حرب مع الشيطان
قال الحاج علوان :صوت المراة يافقيه هوالذي يجلب الشياطين
وكان الحاج علوان قد منع زوجته وبناته وزوجات بنيه من المشاركة في الأذان
غير ان معظم نساء وصبايا القرية استجبن لدعوة الفقيه وفرحن وتحمسن ولانهن اغلبية بحكم هجرة غالبية رجال وفتيان القرية فقد غلبت اصواتهن اصوات الذكور لكن اصواتهن بفعل رقتها وعذوبتها وجمال موسيقاها لم تكسر ولم تسكت صوت الشيطان وانما كسرت قلوب فتيان وصبيان القرية واسكتتهم وايقظت فيهم شياطين الرغبة جميعهم سكتوا وتوقفوا عن الاذان وراحوا ينصتون لجمال وموسيقى اصوت المؤذنات الجميلات اما صوت المؤذنة شُمُوس فقدراحوا يشربونه ويحتسونه ويتمنون لوانها تواصل الاذان الى مالانهاية
كان صوتها حلوا وعذبا ورقيقا وبالغ الرقة والعذوبة والنعومة حتى ان الحاج علوان راح يلعنها ويطلب منها ان تسكت و يلقي باللوم على الفقيه : - غلطة الفقيه بالف غلطة
لكن الفقيه بعد ان أذَّن للمرة السابعة واذَّنت خلفه القرية كلها من دون طائل اوقف معركته مع الشيطان وراح يتهم شجون ناشر التي كانت تغني وقت الأذان بانهاالسبب في خروجه من المعركة خاسرا وقال للحاج علوان مبررا خسارته : - مخرِّب غلب الف مدّار