- عبدالكريم الرازحي
بعد مرور شهر على شفاء شجون ناشر من جنونها افاقت القرية على خبر مُفزع وهو ان شجون ناشر صبأت وخرجت من دين الفقيه، ومن الدين كله، ودخلت في دين الدرويش الكافر عبد الحق ،واصبحت تصلي عكس القبلة في سقف بيتها وهي معطّرة ، ومبخّرة ، وبكامل زينتها .
كانت امها مَطَرَة تُلقي باللوم على الدرويش عبد الحق وتتهمه بأنه ضلّل بنتها واخرجها من دين الفقيه ليدخلها في دينه دين الحب والكفر.
ومثلما كانت مطرة تتالم على بنتها اثناء جنونها صارت تتألم عليها بعد دخولها في دين الدرويش لكن المها لكفرها كان اعظم من المها لجنونها لاعتقادها بان الكفر اشد خطرا من الجنون ولأن الله بحسب قولها لايحاسب ولايعاقب المجنون على جنونه وانما يحاسب ويعاقب الكافر على كفره .ولشدة خوفها على بنتهاشجون من عذاب جهنم تمنت لو انها بقت مجنونة ولم تتعاف من جنونها :
-” لو بِقْيِت مجنونة كان احسن لها وكان ربي شرحمها”
واكثر ماكان يزعج مطرة امها هو ان شجونا من حين دخلت في دين الدرويش عبد الحق وهي تجاهر بدينها، وتبشر به في اوساط نساءالقرية ،وتدعوهن للخروج من دين الفقيه ،والدخول في دين الدرويش – دين الحب -وكانت ماتنفك تقول لهن:
- “الدين الحق دين عبد الحق “
كانت امها تنصحها وتطلب منها ان تخرج من دين الدرويش : - يابنتي ياشجون اخرجي من دين الدرويش وارجعي لادين الفقيه حرام عليك.
قالت لها شجون : - “يمّا دين الدرويش عبد الحق اوسع من دين الفقيه والله اللي يعبده الدرويش اكبر وارحم من الله اللي يعبده الفقيه.
قالت امها معترضة :
-” يابنتي الله بيته في مكة وانتي تصلي عكس القبلة مومن دين آذا حقك !!
فترد شجون على امها بان الحب دينها وملتها، والجهات جميعها قبلتها، والدنيا كعبتها، وبيت الله قلوب الفقراء والمساكين :
-” يما الحب ديني وملّتي ،والجهات كلها قبلتي ،والدنيا كعبتي، وبيت الله قلوب الفقراء والمساكين. “
وكانت امها تُفزَع وهي تسمع شجون تنطق بكل هذا الكُفر .ومثلها كانت نساء القرية .
كُنّ حين يبصرنها يهربن منها هروبهن من الطاعون. لكن شجوناً لشدة ايمانها بدين الحب كانت تقتحم مجالسهن ،وتنطق بكلمات تنزل على رؤوسهن كالصواعق ، وتحدثهن عن دين الحب وتقارن بينه وبين دين الفقيه :
-” دين الدرويش يانسوان دين فسَاح مش هو حَوِيْص مثل دين الفقيه. وسهل مش هو عُكِيْر”.
وسالنها عن الصلاة فقالت لهن : - “تصلين مرتين باليوم وقت شروق الشمس ووقت الغروب “واردفت قائلة :
- صلاةمع الحب يانسوان احسن من صلوات بدون حب .
قالت لها الارملة نجود : قالوا ياشجون إنك تعبدي الشمس !!
قالت شجون ترد عليها : - “اني اعبدالله اللي خلق الشمس وخلق القمر والنجوم والحجر والشجر. “
وسالتها الارملة نجود:
-لمو الصلاة وقت شروق الشمس ياشجون ؟
قالت شجون : - لما واحد يانجود ينْديلِك هدية موتقولي له ؟
قالت الارملة نجود : اقول له :شكرا
قالت شجون : والله خلق الحياة وتهدّا بها لنا والصبح لماتشرق الشمس ،ونقوم من نومنا نذكّرهديته ونشكره وصلاة الصبح هي صلاة شكر .
وكانت النساء في المجلس مذهولات من كلامها ومستغربات من اين لها هذا الكلام وهي كانت مجنونة!!
وراحت شجون بالمقابل تحدثهن عن دين الفقيه وكيف ان المراة تعمل طول النهار في البيت وخارج البيت و في الليل الذي جعله الله سُبَاتا مطلوب منها وهي في غُب النوم ان تنهض من نومها لصلاة الفجر .
وقالت تسالهن : اين احسن لكن تقومين فجرتصلين والاوقت ماتشرق الشمس !!
قالت هند زوجة الفقيه : - “احسن لي انام واهنأنومي وبعدماتشرق الشمس اقوم اصلي صلاتي “
قالت لها الارملة نجود :” انتي ياهند زوجة الفقيه مايجوز لك تقولي هذا الكلام !!
قالت هند وقد استفزتها الارملة نجود :
-“قلتو الصدق يانجود والاتشيني اكذب لاني زوجة الفقيه !! “
واعترفت هند بأنها تقوم لصلاة الفجر غصبا عنها وقالت يومها بان دين الدرويش مناسب للنساء ودين زوجها الفقيه يناسب الرجال وبحسب تعبيرها : - “دين الدرويش مليح للنسوان ودين الفقيه مليح للرجال. “
لكن شجون ناشر قالت تُصحِّح لها : - دين الدرويش مليح للرجال وللنسوان. “
يومها راحت نساء القرية ينتقدنها ويلمنها على خروجها من دين الفقيه ويقلن لها : - كيف تخرجي من دين الفقيه لادين الدرويش الكافر والفقيه هو اللي عالجك بالقرآن لما كنتي مجنونة !!
وراحت شجون تحكي لهن حكايتها مع الجنون، ورحلتها من الكفر الى الايمان.واتهمت الفقيه بأنه كان السبب في كفرها ،وهو سبب جنونها. وحكت لهن بانه حين كان يجيئ اليها وهي مكبلة بالقيود والسلاسل في بيت الولي عقلان لم يكن يأتي ليعالجها بالقرآن وانما كان ياتي ليجلدها ب الشابوك عقابا لها على الغناء. - “كان يانسوان يجي يضربني بالشابوك وكنتو اتوجع من الضرب وابكي واصيح بكل صوتي وهو يزيد ولايسيِّبني الابعد مايبصر الدم “
وكانت النساء يتعاطفن معها ويشعرن من تهدج صوتها وهي تتكلم بانها تقول الحقيقة .
قالت لها الارملة نجود : “الغناء حرام ياشجون والفقيه يحب مصلحتك ويحب لك الجنة”
وعندها نظرت هند نحو الارملة نجودباستخفاف وازدراء .
عندما سالت شجون ناشر الدرويش عبد الحق عن السبب في ان الفقهاء يحرمون الغناء ؟
قال لها الدرويش بأن الفقهاءيحسدون المغنيين على اصواتهم الجميلة ولوهم سمحوا لهم يغنوا لن يجد وا من ينصت لهم ويسمع مواعظهم.
قالت شجون : لمو ماشلقوش من يسمعهم ياعبد الحق؟
قال الدرويش : الغناء ياشجون يفرح الناس والناس يحبوا يسمعوا مايفرحهم ويطربهم ويسعدهم .
والفقهاء لايحبوا رؤية الناس مبتهجين وفرحين وسعداء وانما يحبوا رؤيتهم وهم تعساء حزينين وخائفين ولديهم شعور قوي بالذنب .
وكانت شجون ناشر تفهم شيئا من كلام الدرويش وتغيب عنها اشياء لكن ماتفهمه من كلامه تفرح به وتنقله للنساء بفرح وبطريقتها ولغتها وكان ثمة نساءيفرحن بسماع اقوال الدرويش من لسان شجون ناشر وكثيرا ماكنّ يجئن اليها ليسمعن الجديد من اقوال الدرويش واحيانا يطلبن منها ان تسأله في مسئلةٍ من مسائل الدين والدنيا او يطلبن منها ان تسأله في مسئلةٍ تتعلق بالغيب والعالم الآخر ومابعد الموت .وفي احدى المرات طلبن منها ان تسال الدرويش عن الأنبياء لماذا كلهم ذكور وكلهم رجال!! ولماذا ينزل الوحي على الرجال ولاينزل على النساء !!
كان الدرويش عبد الحق واحدا من مجاذيب ابن علوان وكان يأتي كل شهر من “يفرس” في “جبل حبشي” بصحبة “بغلة النذور “وينزل في بيت فازعة وكانت فازعة اول امراة في القرية تدخل في دين الدرويش – دين الحب -لكنها لم تكن تجاهر بدينها ولم تصرح يوما بأنها على دين الدرويش ولم يكن هناك من يعرف انها على دينه سوى شجون ناشر .
ايامها كانت نساء القرية عندما يتحدثن عن الدين يتحدثن عن دينين اثنين :
- دين الفقيه ودين الدرويش عبد الحق.
ونكاية بالفقيه الذي كان يكفَّرهن لاعتقادهن بالاولياء ويحرم عليهن الغناء، و خروجهن من بيوتهن وهن بكامل زينتهن.رحن يتسللن خُفْيَةً الى دين الدرويش عبد الحق الواحدة بعد الأخرى لكنهن خوفا من الفقيه ومن تكفيره لهن كن يكتمن ولايجاهرن .
واماهند فقد كان وضعها صعبا لكنها وبالرغم من ان زوجها الفقيه هو حامي وحارس الدين في القرية كانت اكثر تعطشا للخروج من دينه والدخول في دين غريمه وعدوه اللدود.
كان هو عنيفا معها وكثيرا ماكان يسرع الى ضربها لسبب اوبدون سبب .
مرة يضربها لتقصيرها في الصلاة ،واخرى لانها تصلي بدون نيّة.
واحيانا يضربها بمبرّر انها تعاجل في صلاتها ،ولاتصلي على مهلها .لكن اكثر الضرب كان على صلاة الفجر كانت بفعل العمل الشاق والارهاق طوال النهار تنام ولاتستطيع القيام لصلاة الفجر وكان الفقيه يكرع فوقها الماء البارد كي يجبرها على القيام، واحيانا كانت تعِده بالقيام وبعد عودته من السقيفة يكتشف بانها واصلت نومها . وعندها كان يضربها بعنف زائد عن الحد المعلوم .وذات يوم وقد اسرف في جلدها بالشابوك وبالغ في قسوته قالت له وهي تبكي من الالم : - “والله لااخرج من دينك يافقيه وادخل دين الدرويش عبد الحق “
قال لها وهو يستشيط غضبا ويواصل جلدها : - “والله لااقتلك ياهند لو تدخلي دين الكافر عبد الحق “
قالت له هند وقد تملّكها شيطان العناد: - “والله ان دينه احسن من دينك ..وربه ارحم من ربك ..وصلاته احسن من صلاتك.”
وفي نفس الاسبوع تسللت هند الى بيت شجون ناشر ودخلت في دين الدرويش – دين الحب – واصبحت واحدة من الحبيبات * وبدخولها في دين الحب شعرت شجون ناشر بزهو جنرال يعود منتصرا من معركة .ولشدة فرحتها اسرعت تجري لتبشر فازعة وتخبرها بالنبأالسار وعندوصولها قالت لها وهي تلهث من الجري :
-” يافازعة الحبيبة هند دخلت دين الحب “
قالت فازعة مفزوعة : - ” لويدري الفقيه والله لايقتلِه”
- كل من تدخل في دين الحب فهي حبيبة والرجل حبيب