- عبدالكريم الرازحي
كانت خولة أجمل فتيات القرية لها قوام ممشوق، وجسد منحوت ،وبشرة بيضاء بلون الحليب، ناعمة الملمس ،تذوب كالدهن. وإلى جانب كونها فتاة جميلة كانت انثى شديدة الاغراء .. نهداها أكثر تكوُّرراً من أي شكلٍ كروي.. وشفتاها أكثر احمرارا من الدم.. ودمها تحلى من العسل .
كانت إذا خرجت من بيت ابيها طاهر السمَّان ومشت في دروب القرية بدت وكانها ترقص اولكأنها تعزف لحن انوثتها المٰنفردُ والمتفرِّد ..
كان فتيان وشباب القرية كلما أبصروها مارة من أمامهم اتسعت حدقات عيونهم ،وتصاعدت في سماء القرية غيمةٌ من تنهُّداتهم ،وتأوُّهاتهم ،وحتى المتزوجون منهم ،وكبار السن كانوا يذوبون حسرةً عند رؤيتها تمرُّ من أمامهم مزهوةً بشبابها، ومفخّخةً بانوثتها، ويتمنَّون لوان الشباب يعود اليهم ليتسنَّى لهم المشاركة في مهرجان التنافس على الفوز بقلبها.
أما الاطفال فكانوا بمجرد رؤيتها يفقدون براءتهم، ويغادرون طفولتهم ويذهبون للتلصُّص عليها من بين شجر الفُرْوِشْ كلما ذهبت لتستحم بمياه الغيل.
ومن بين جميع فتيان القرية المفتونين بها كان الفتى ردمان اكثرهم افتتاناً، واكثرهم جنونا
هو لم يكن بالفتى الوسيم . وانما كان خفيف الدم ،ضحُوكاً ،فكِهاً، وسيم القلب، انيق الروح، جريئ النظرات، له ابتسامه مثل شمس صغيرة، تبقى ساطعة لاتغيب حتى عندما تكون نفسيته في اكثر لحظاتها قتامه. وكان يظل يرصدها مثل صقر يرصد حمامة. حتى اذا خرجت ، وغادرت منزلها الى النبع لجلب الماء ، اولأي غرض آخر انطلق كالسهم في اثرها، وراح يتعقّبها ،ويتتبع خطواتها ،ويقتفي اثرها، ويتمسّح بكل صخرة لامستها ،وتوقفت عندها، وبكل شجرة استظلت بظلها، ولشدة حبه لها، صار مُوْلعُاً باكتشاف كل أثرٍ تتركه خلفها وكان يقول :
-“اينما تبٌولُ خولة تنبتُ نخلة “
وفي عصرذات يوم وهي في طريقها الى البيت عائدةًمن النبع خرج لها من بين شجر الفِرْوِش وقال لها وهو يقترب منها :
- انا ظمئان ياخولة اسقينا
وحين توقفت خولة لتسقيه قال لها : - ظمئان للحب ياخولة
ولم يكتف بان اعترف بحبه لها وانما اخرج من جيبه” مقشطة ” واخرج منها سكينة صغيرة وقال لها وهو يطعن بهامعصم يده اليسار: - والله ياخولة واذا الدم شاهد على كلامي لوتتزوجي بواحد غيري اقتل نفسي “
قال لهاذلك وهو يرمقها بنظراتٍ جريئةٍ مفعمةٍ بالحب وهي تنظر مفزوعة الى قطرات الدم وهي تتساقط من جرح معصمه فوق تراب وحجارة الطريق.
يومها كانت مغتاضة منه، وكانت على وشك ان تشتُمه ،اوتشكوه لأبيها عند عودتها للبيت. لكنها بعد ان ابصرت قطرات دمه تتساقط امام عينيها قالت بينها وبين نفسها : - “هذي المرة له .. ثاني مرة لواعترضني ياويلُه”
ومن حينها كانت كلماذهبت اوعادت من النبع توقفت في نفس المكان الذي اعترف فيه ردمان بحبه لها، واسترجعت صورته وهو يعمد حبه بالدم، وشعرت بخفقان في قلبها وقالت تتساءل بينها وبين نفسها :
-اينو ؟ لِمَوْ ولاعاد ظهر!! خَيْنَا يكون مريض !!
وفي عصر كل يوم وهي تعبر الساحة كانت تبصر جميع فتيان القرية موجودين باستثناء ردمان وكان ذلك يفاقم من شعورها بالقلق. ثم وقدطال غيابه ساورتها بعض الوساوس حول مصداقيته وقالت تحدث نفسها بانه ربما لم يكن يعني ماقاله لها ،أو ربما كان يكذب عليها .
وكانت كلما ساورتها هذه الوساوس شعرت نحوه بالغضب والكراهية لكنها ماتلبث ان تتراجع وتقول محدِّثة نفسها بان شخصا يُعَمِّدُ حبه بالدم لابد ان يكون صادقاً .
كانت تلتمسُ له الاعذار، ثم لاتلبثُ ان تعود لوساوسها. وذات يوم صادفت امه في دروب القرية وسلمت عليها وسالتها عن حالها فاخبرتها عن مرض ابنهاردما وقلقها عليه.
قالت خولة : كم له مريض ياخالة ؟
قالت لها : له اكثر من عشر ايام روَّح المغرب وهو محموم يعْتَرِي وكان يهذي .
قالت خولة وقد بدت قلقة ومضطربة : - مكانه مريض ياخاله !!
قالت ام ردمان : مكانه ياخولة .
وليلتها راحت خولة تنتحب في فراشها بصوت مكتوم حتى لايصل الى مسامع ابيها وامها وبعد ان تعبت من البكاء نذرت للولي شُعْلان (ولي الحب والحَمْل )خمس شموع في كل جمعة، وقارورة سمن لمولده السنوي على ان يشفي حبيبها ردمان .
وفي عصر اليوم التالي وكان يوم جمعه اشترت من دكان القرية خمس شموع وذهبت الى بيت الولي. وبعد ان اوقدت الشموع قالت مخاطبةً الولي وهي تذرف الدموع : - ياولي ياولي .. اني فدالك ياولي.. تشفي ردمان ياولي..ردمان مريض ياولي..
واني احبه ياولي .