- عبده تاج
حين سقطَ رأسي في الشارع، لم أكن على أية حال سألتقطه، إلا أن الناس كانوا يصرخون: “رأسك… رأسك”، وقلتُ من غير المناسب أن يترك الرجل رأسه أمام الناس. نعم في الحقيقة أنا أخجل جداً من أترك رأسي مرمياً في الشارع.. في هذه المدينة إن سقط رأسك كأنه سقط سروالك.. لذا أكثر الناس يلبسون سلاسلا ليشدونه عليهم، أنا لا تروقني تلك السلاسل ولذلك يفلت مني أغلب الأحيان.. كان قبل كل هذا من الطبيعي جداً أن يترك أحدهم رأسه مرمياً ويمضي.. إلا بعد أن نشبت الحرب الأخيرة.. تركَت ألغاماً في رؤوس الناس والجنود.. وهل تتخيل أن يترك أحدهم لغماً في شارع ويمضي.
التقطتُّ رأسي بعجل، كان ممتلئاً بالغبار ولم أمسحه.. قلتُ في البيت سأمسحه.. أمسح رأسي كل صباح بفرشة الأحذية.. ألمِّعه وأخرج برأس مرتّب. أعدتُّ الآن تصليحه جيداً فقد كان مرتخياً.. الفترة الأخيرة لم أعد أطيقه فقد صار ثقيلاً جداً، أخلعه حينما أنام وإذا أردتُّ أن أسمع أغنية في يوتيوب.. أضعه في النافذة يحدّق في السماء.. أترك سماعة في أذنيه.. وأنام بلا أغنية وبلا رأس.
في هذه المدينة بإمكانك أن تستلِف رأسَ أحدهم، فإذا أتيت يوماً ورأسك يؤلمك، اطرق الباب على جارك وقل له أعرني رأسك.. مرّة كان لي جار طيب، فاستعرت رأسه؛ كان مملوءاً بالتأوهات الجنسية وذكرى مضاجعات مع ألف امرأة.. أنا جسدي نحيل ولا يقوى على كل تلك الشهوة؛ لذا أعدته له بعد بضعة أمتار. مرّة استعرت رأس امرأة.. ومرات استلفن فيها نساء رأسي.. مرات عديدة يقلن لي أولائك النساء: “رأسك مناسب جداً لجسدي.. وكأنك كنت في الأصل امرأة” أكون سأرد لهن “كلنا في الأصل امرأة” إلا أنني أكون مشغولاً في استعادة الرأس.. عادة حينما يستعير أحدهم رأساً يترك ملاحظة.. أنا أقول لهم، افتح أعيني الصغيرة إن رأيت وردة، وأغمضهن حين تشرب الماء والعصير.. وإن وجدتَّ امرأة لا تحدّق في عينها.. فعيني مرعبتان في الحقيقة.. في العادة يتركون الناس ملاحظات بسيطة مثل هذه.. أعرتُ رأسي لجنود قتلوا.. لشهداء معلَّقة صورهم أو صورتي في لائحات المدينة.. لذا احتلَّت رأسي قنابل لا عداد لها.. وبقع مظلمة وسرطانات وصفعات وجلدات ومرارات..
لو صادفت يوماً رأساً في الشارع فارعشه.. فإن تساقط حروب كثيرة فاعلم أنّه رأسي.. واحذر.