- كتب: نبيل الشرعبي
” حُمبول” هكذا اسمه في قريتنا، وبعضهم يسميه “عُفاية” وأسماء عديدة تُطلق عليه وتختلف من مكان إلى أخر..
في طفولتنا، كانت تحكي لنا العجائز_ كبار السن، بأن جد هذا المخلوق كان لديه عيون وليس له أرجل ويزحف كما تفعل الثعابين، وفي إحدى الأيام إلتقى مع جد الثعابين الذي لم يكن له عيون_ أي أعمى ولديه أرجل كثيرة، ودار بينهم نقاش، ولأن الـ ” حُمبول” طيب ولا يكذب، احتال عليه جد الثعابين وقال له هيا نتسابق وتسابقا فكان الفوز من نصيب الـ ” حُمبول”..
ولكن جد الثعابين ألح على الـ ” حُمبول”، إعادة السباق مع أن يأخذ جد الثعابين عيون الـ ” حُمبول” ويمنحه أرجله الكثيره لمعرفة كيف سيغدو كل واحدٍ منهما، وبالفعل وبحسن نية صدق الـ ” حُمبول” وتمت المبادلة بينهما.. وما أن أخذ جد الثعابين عيون الـ ” حُمبول” وأعطاه أرجله الكثير، طار مثل الريح مثل الريح وأختفى..
وبعد هذه الخديعة التي تعرض لها الـ “حُمبول” أقسم بأنه إذا عض مخلوق فلن يفلته حتى ينوق حمار البحر، وأن عضته “كُتات” أي تسبب تفتت العضو الذي تعرض للعضه، وإن رميته بحجر وطار منه سائل ووقع في إحدى عينيك فستُصاب بالعمى،.. إنتهت الحكاية..
وعلى إثر تلك الحكاية، ظللت طفولتي أخشى هذا الـ ” حُمبول” ولا أجروء على لمسه أو الاقتراب منه، وكذلك أطفال كُثر في قريتي الريفية كانوا يحملون نفس الفكرة على هذا المخلوق اللطيف..
في العام 2014، كنت في زيارة عيدية لقريتي الريفية وأصطحبت معي كاميرا ديجيتال متواضعة، وكان موسم هطول أمطار حيث يتكاثر هذا الـ ” حُمبول”، وفي إحدى الصباحات صعدت إلى التل الذي يطل على منزلنا وشرعت بـ إلتقاط صور عامة ثم تدرجت وصولاً إلى تصوير الـ ” حُمبول”..
بعد عودتي إلى العاصمة صنعاء نشرتُ على شبكة تواصل اجتماعي اسمها “واني” وهي شبكة أكثر روادها من أفريقيا مختارات من الصور التي التقطها وكانت إحداها صورة للـ ” حُمبول”، ومرت فترة وإذا بي أجد رسالة في قائمة الرسائل الواردة بلغة إنجليزية ومن شخص ليس ضمن قائمة أصدقائي، طالبا مني قبول مراسلته، ووافقت دون تردد ومع استخدام ترجمة جوجل عرفت أنه ناشط بيئي من جنوب أفريقيا يسألني من جئت بصورة الـ ” حُمبول” فأخبرته أني التقطتها من بلدتي الريفية ووصف له أين هي، وجاءت رسالته التالية وكلها دهشة من أن يكون هذا المخلوق اللطيف متواجد في اليمن..
سألت ذاك الناشط، ما الغرابة بأن يكون هذا المخلوق موجود في اليمن، وكان رده بأن الموطن الأصلي للـ ” حُمبول” هو جنوب أفريقيا، ويسمونه “دودة القرن”، وهي دودة ترابية لطيفة ونافعة وأكبر حجماً فقد يصل طولها إلى 40 سم، وهي بمثابة فلتر تنظف التعفن من الأرض والبكتيريا الضارة التي تنمو جراء التعفن، حيث لا تتواجد إلا في الإماكن التي ينتشر فيها التعفن والتعفن الذي ينبعث منه غازات حمضية لا نستشعرها..
ولأنها مثل فلتر تنقية الماء، فإن التراب الذي يتجمع في وعائها الداخلي الشفاف والشبيه بالمطاط يُستخدم في تحضرات وصفات طبية، يستخدمه الكُهان والمشعوذين في علاجاتهم للمرضى، وجراء ذلك تطور الأمر لتصبح دودة ذات قيمة مادية، حيث يجمعها الفلاحين وغيرهم ونزع وعائها الداخلي المليء بالطين الناعم وتجفيفها واستخدامها مع مكونات أخرى لتحضير الأسمدة.. وليس هذا فحسب، بل صار عليها إقبال غير كبير، وبالذات من مُصنعي مساحيق التجميل..
إلا أن الخبر الأسوأ كما قال ذاك الناشط البيئي من الأصول الأفريقية، هو أن “دودة القرن” أي الـ ” حُمبول” غدت معرضة للانقراض من أفريقيا، ولم يخفٍ حُزنه حيال ذلك..
كانت نصيحته، حافظوا على هذا المخلوق اللطيف “دودة القرن” كما يسمونه في أفريقيا والـ ” حُمبول” كما يسمونه في قريتي، فلن تدركوا حجم أهميته في البيئة إلا حين ينقرض، وفي المقابل بدأ الانبعاثات المتعفنة بالانتشار وتحولها إلى أوبئة تتسبب في تدمير المحاصيل الزراعية، وتصيب الحيوانات وكذلك البشر مع دورة الزمن..
وبالنسبة لي الخبر المُحزن، هو فقدت سبيل الوصول إلى شبكة التواصل الاجتماعي سالفة الذكر، جراء توقفي عن الدخول إليها طوال عامي 2015 و2016..
تنويه:
فيما كنت أتصفح ذكريات الأعوام الماضية في حائطي بالفيسبوك وجدتُ صورة الـ ” حُمبول” وعلى الفور تذكرت محادثاتي مع ذاك الناشط الأفريقي.. فشرعت في تدوين ما بقي عالقاً في ذاكرتي..
وعلى الطرف الإخر تذكرت ما كتبته الصحفية والأديبة غادة السمان في كتابها ” ع. غ تتفرس”، عن طائر البوم وكم ظلمته اعتقادات الشعوب وحتى في الأدب، حيث صوره الجميع على أنه يجلب الشؤم والكوارث، فيما هو طائر جميل ووديع ومسالم..
ولذلك قررت أن أنصف هذا الـ ” حُمبول” من حكاية العجائز التي صورته لنا بكتلة من الغباء والشر..