- رستم عبدالله
أندلعت الزغاريد في كل الحارة وخرج الناس جماعات وزرفات يباركون للحاج أبو محسن شراء الحافلة الجديدة والتي أشتراها بمكافئة نهاية الخدمة بعد أن أحيل للتقاعد ليطلب بها الله سعياً للرزق، أخذ بعض شباب الحي يلصق ملصقات بزجاج الحافلة الأمامي عليها بعض آيات الذكر الحكيم وعبارات ماشاء الله ، تبارك الله أحسن الخالقين، وعين الحسود تبلي بالعمى..
وفي الزجاج الخلفي كان الخطاط والرسام حسام صهر أبو محسن يكاد ينتهي من تشكيل عبارة يارب أكبر وأصير باص نقل جماعي في حين أنهمكت أم محسن بتبخير الحافلة وهي تمرر مبخرتها الفخارية الزرقاء المزركشة والزاهية والأبخرة تتصاعد منها بكثافة بين الكراسي اللامعة والجديدة وهي تتمتم بكلمات مبهمة صرفاً للحسد..
كان الحاج أبو محسن قد دفع مبلغ ضخم لشرطة السير، ليحصل على ذلك الملصق الأزرق الضخم الذي على شكل سلحفاة، والذي يحدد خط سيره والأماكن المسموح له بتحميل الركاب فيها حيث اختار شارعاً دسماً نابضاً بالحياة، ويتميز بوفرة الركاب كان سعيداً ومسرور زاد إحتفاء أبناء الحي بحافلته الجديدة من نشوته وحبوره مشي جذلان كأنه يطير في السماء فتح باب الحافلة وأدار المحرك وهو يردد بسم الله يافتاح ياعليم يا رزاق يا كريم يا قاضي الحاجات أقضي حوائجنا، تقاطر الركاب على حافلته من كل حدب وصوب حيث الكراسي المثيرة والمريحة، ومع كل راكب يصعد كان يبتسم وهو يطبطب برضي على عجلة القيادة..
وكان صوت المذياع يصدح بأغنية لأيوب طارش:
بكر غبش في الطل والرشاشي
بكر بكور قبل الطيور ماشي
حالي الوسط ململم الحواشي
أخضر من الله لامطر ولاشي
وهو يتمايل مع الأغنية طرباً حتى أكتمل العدد بغضون دقائق ودون أن يستعين بمنادي، ينده للركاب واثقاً من جذب حافلته الجديدة للركاب- وصلت الحافلة لمحطة النهاية، واخذ الركاب يتطوحون من بابها والأيادي تندس وتنقب في الجيوب.. هذا يعطيه خمسين وذاك ألف وآخر خمسمائة وعلى صخبهم هات الباقي معك ألف ريال ، وآخر اخصم نفرين ورد باقي الخمسمائة ريال، وآخر وأنا كذلك أعطيتك خمسمائة كان الذي بحوزته مائة ريال حجر وما قبضه من الركاب لايتعدي ألف وخمسمائة ريال، ووجد نفسه مطالباً ومديوناً بعشرة آلاف ريال تكاثرو يسدون عليه فضاء النافذة، وقد أكتسي وجهه بغلالة سوداء وامتلاء بالحنق قرر أن ينجو بنفسه، رمي لهم كل ما بحوزته انفلت الجمع عن النافذة متعاركين على النقود وجدها فرصة سانحة ضغط على دواسة البنزين بكل ما أوتي من قوة، وأطلق لها العنان وأندفعت بقوة وسرعة ، وقد خلفت ورائها صريراً حاداً ومزعجاً، باع الحافلة بثمنٍ بخس وحلف يمين الطلاق من أم محسن أنه لن يقود مركبتاً طيلة حياته.