- كتب: د. عبدالعزيز علوان
للزمن الجميل ، تفرده في كل شيء وفيما يخص الفن الغنائي فللزمن الجميل ، عذوبته و لذائذ ألحانه ، تعدد أغراضه وألوانه ، بين اللحجي، الصنعاني ، الحضرمي ، التعزي ، العدني واليافعي و التهامي.
قلة قليلة من الفنانين. ، الذين تميزوا بكتابة الأغنية وتلحينها وغنائها ، أمثال.. محمدسعد عبدالله ، أبوبكر سالم بلفقيه ، وعلي عبدالله السمه ..
قد يستغرب القارئ بأن السمه رغم قصر عمره كان شاعرا وملحنا وفنانا، له العديد من الأغاني التي ألفها، منها.. في الطائف القلب ساكن ، مسافرين ، أنت المنى والحياة ، هذا ما يحضرني الآن ..
أشتهر الفنان على عبدالله السمه ، بملحمة الباله ، تلك التي توثق حياة يمنية بائسة ، وغربة مؤلمة ، وتجارة يأتي ( ريال ) رأس مالها ( الضمار ) لعسكر الجن .. كل أهلها يموتون و من حظ النكد ( عشت أنا ) هكذا يقول عن نفسه الذي قيل له البحر.. فقال البحر (وا ساعيه) .
الطائف ، منطقتان ؛ الأولى : منطقة في ( الدريهمي ) محافظه الحديدة، وفي قلعتها ، قلعة الطائف ، تم التوقيع فيها على اتفاقية الطائف ..
الثانيه: تقع في منطقة عسير ، تتمتع بجوها السياحي الرائع ..
ففي هذي المنطقة ، سكن القلب بكل تقلباته إنقباضا وانبساطا ، ولم يبق إلاٌَ أنا ( لوحدي غريب ) ولفظ غريب يطلق على الشخص الذي ينتقل من مكان ما ، وينزل في مكان آخر، فهل قصد الشاعر والفنان هنا بقائه غريبا في وطنه بعد أن سافر قلبه ( حبيبه) إلى الطائف ، أم أنهما متباعدان في تقارب المكان ذاته ، وما الذي تفيده عبارة (قد كنت عازم )؟ هل تفيد نية الحصول عليه ؟ أو اللحاق به ؟ ولكن القدر والنصيب ، حالا دون ذلك:
في الطائف القلب ساكن وانا لوحدي غريب
قد كنت عازم ولكن هذا القدر والنصيب
(يا ليتني طير وا حن ) ليتني كنت طائرا ؛ لأطير لمعرفة حال الحبيب ، وتقصي أخباره ، وهل لا زال على عهده باقيا.. أم قد ( مراده يعيب ) أي أن نيته يتخذ من العيب ( المقصود به الهجر) سببا لبقائه بعيدا :
ياليتني طير واحــن واعرف بحال الحبيب
هل هو على العهد باقي ام قد مراده يعيب
(يا اهل الهدا خبروني ) يتوجه النداء لأهل (الهدا) وهي إحدى المناطق التي تتبع الطائف ، أن (يخبروه) يجيبوه عن سؤاله هل (ترحمون الغريب؟!) ( الذي هو أنا ) فقد مر عليّ شهرين في الشكى وقلبي( المقصود به الحبيب ) سليبا عندكم:
يا اهل الهدا خبروني هل ترحمون الغريب
اليوم شهرين شاكي والقلب مني سليب
ولتشهدوا أنتم يأهل مكة ( لأنكم أقرب إلى الطائف ، أولا ، وحاضري المسجد الحرام ثانيا )على الذي قد هجر ( ترك أهله .. أرضه وأحبابه ) :
بالله اشهدوا ياهل مكه على الذي قد هجر
و كعادة من يهاجر يختار وكيلا له يقوم بأعماله ، فها هو الذي هجر ، قد ( وكل العين ) تركها بمثابة وكيلا تسكب (أدمعي ) كالمطر.. كما يقول الشاعر عن نفسه:
ووكـــل العـــــين تـــــسكب دمعتــــي كالمطر
إنها حكاية ( هجر ، غربة ، اغتراب )في أغنية تتركنا في حيرة من أمرنا معها بأبعادها المكانية والزمانية، فهل يمكننا إزاء حيرتنا هذي ، أن نستشف ملامح توجها سياسيا ما ، مع التأكيد أن هذه الملامح ليست موضوعنا ؟!