لحن وغناء: عبدالباسط عبسي
- كتب: د. عبدالعزيز علوان
تساؤلات لا حصر ، أستوقفتني ، قبل البدء في وضع مخطط عام لقراءة القصيدة الاأغنية طائر الدان أهمها :
هل لطائر الدان وجود حقيقي ؟! ، تم توظيفه مجازا في القصيدة الأغنية ؟
أم هو كائن متخيل ؟! إنبعث من الدان ، ليدغدغ مشاعرنا الإنسانية ، شعرا ولحنا واداء؟
وهل للدان الذي أضيف للطائر، وظائف اخرى* ؟! ، غير تلك الأنغام التي تحلق بنا في سماوات الروح ، وتعود بنا إلى الذات بتجليها في عوالم الكينونة الإنسانية؟
- عادة ما يرتبط القلب بالحب بسبب الخفقان ( زيادة النبضات ) الذي يحدث لقلوب المحبين، وقد أرتبط القلب بالرسومات والهدايا بإعتباره المحرك الأساسي للحبِ.(١)
- إن خفقان القلب الذي يحدث عند رؤية الحبيب أو لقاء الطرفين، يكون بسبب إشارات المخ التي ينتج عنها إفراز هرمون الأدرنالين لفترة قصيرة ما يؤدي لتوتر مؤقت من النوع الإيجابي ويمنح شعور بالفرحة.(٢)
فلنبدأ معا ، مع الكلمة/ الصوت، وهما يتعانقان مع المستحيل ، (كبوحين عبسيين) ينبعان من أعماق الوجدان ، حين بدأ الجفاف السطحي يشل معظم المشاعر الإنسانية..
(دقيت أبواب قلبي) طرقت أبواب قلبي ، والطرق ( زيادة سرعه نبضات القلب ، وقوعا في الحب ، أو إستئناسا للغوص في أعماق المشاعر القلبية )، الغَرف يتطلب النزول إلى الأعماق ، بينما انتزاع الماء من الأعلى يسمى (دلاء.. يستخدم فيه الدلو ).
قبل شهر نيسان تجف معظم الآبار مما يجعل النزول لغرف الماء أمرا معتادا في وقت بعد الفجر.. نرى هنا بأن النزول إلى أعماق القلب بعد فتح أبوابه، يدل على أن المشاعر الإنسانية السطحية المحيطة.. قد بدأت تجف من المحبة ، ولم يبق أمام طائر الدان / الحبيب المخاطب،( بإسناد الضمير المتصل بتاء الفعل إليه في محل الرفع ) سوى النزول إلى أعماق القلب الإنسانى ليغرف منه ما شاء من المحبة و يقطف ما تفتح من أزهار نيسان:
دقيت أبواب قلبي
نزلت الى القاع تغرف
ماء المحبه وتقطف
أزهار نيسان
يا طائر الدان
(الغنج ) مُلاحة الصوت المندغم مع دلال الحركة في المشي ، هو أحد فنونك.. ( حبات الندى ) في خدودك بقطراتها اللولؤية اللون ، تعكس ببياضها أشعة الفجر الساقطة عليها ؛ لتضيئ عينيك ، وتفتح أزهارها في وجنتيك ( تزهر بالأوجان ):
كل الغنج من فنونك
لول الندى في جبينك
تلمع تضوي عيونك
تزهر بالاوجان
يا طائر الدان
الكتابة بين ريش الطائر ، كأنها هي الكتابة بريشة المبدع في لوحاته الفنية ، إنها كتابة القلب الذي (لك أحب) ، فأنت المنى بكل تمنياته ، ومطاليبه . فمرحبا بك بالأحضان كحقيقة مثلى في صورتها المتخيلو ، تتمثل فيك يا طائر الدان:
ما بين ريشك كتب
قلبي الذي لك أحب
انت المنى والطلب
ارحب بالاحضان
يا طائر الدان
الذوبان ( فيزيائيا ) هو عملية التموقع البيني لذرات المذاب بين ذرات المذيب ( السكر مذاب والماء مذيب)، ولكننا نرى في المقطع التالي بكل وضوح ذوبان شاعري آخر ( غير الفيزيائي ) وهو ذوبان شوق العاشق، الغارق في الحب في نظرة المحبوب ( الشوق مذاب النظرة مذيب ) ، وكأننا أمام لوحة تأملية بديعة تنهمر من حيوية الذوبان ، كشلال حب يتدفق ، ألحانا ومعنى:
بنظرتك شوق عاشق
ذائب وفي الحب غارق
والحب شلال دافق
معنى وألحان
من كل هذا الذوبان ، والحب المنهر بشلالات المعنى والألحان ، بدأت دورة أخرى ، بتلاقي الإنسكاب الكلي للمحبة مطرا من قلب الشاعر / النص / الأغنية إلى قلبك أيها الحبيب الطائر الدان.. متخذا من تبخر قطرات المطر في جو السماء ، إطارا اسناديا له ، في تجميعه لقطرات الحب ، فـ (الغيث يتجمع أمزان = ج .مزنه) وهي السحاب المحملة بالماء ) ..ِ( الغيث أمزان ):
قلبي بقلبك سكب
كل المحبه مطر
والحب يبدء قُطر
والغيث امزان
يتحول طائر الدان / الحبيب ، إلى آسر ، والأسر يتعدى الصفات البشرية إلى أسر القيم الجمالية التي تأسر بها الخدود الوردية المتأمل فيها ، وتفيض عليه بالأنداء التي تمنح القلب برود حيويتها، وبين أحضان الندى والخدود ، يطوف( وردي ) بمعنى توردي في رحاب الوجود:
يا آسري ياللي خدودك ورود
نداءها على قليبي برود
وبين احضان الندى والخدود
يطوف وردي في رحاب الوجود
في هذا الوجود يصبح القلب رفيع المقام ، وكأننا إزاء لمسات بيانية ، نلتمس من بعض مفرداتها الدينية ( شعيرة الحب كدين أسمى) التي تهدى القلب في ظلام الوجود المحيط به إلى نور القلب الرفيع المقام ، وبا( التكامل الكلي ) تحتوي هذا القلب ، بالوفاء والتمام:
الحب في قلبي رفيع المقام
مثل الهدى والنور بعد الظلام
يضم روح الفاتحه والختام
ويحتويني بالوفاء والتمام
هذا هو (طائر الدان ) الذي تنزل ولا زال يتنزل على قلوبنا ؛ معنى دافقا بألحان المحبة والسلام.
- (١) ، (٢) : منقول بتصرف