- عبدالرحمن بجاش
مرات كثيرة أعود إلى تلك الصورة ، عندما يحن شوقي لقريتي ، أجوس حول الديار، وانفذ من الشقوق ، والمس الجدران ، وأداعب اوراق الشجيرات ، أسمع حفيف الزرع ، ويتناهى إلى مسمعي الأصوات الأثيرة للأبقار والأغنام والخراف، ويصفر الريح بجانب أذني سريعا يذكرني بأيام خوالي ذهبت ولن تعود …
مليا هذه المرة تأملت في تفاصيل الصورة ، فلم أجد شجرتي في مكانها !!!…
” السقمة” – بضم السين وفتح القاف – ، لم تعد واقفة في مكانها الذي ظلت فيه عشرات السنين …
تلك الشجرة تذرذرت عليها طفولتنا وصبانا ، ذكرياتنا وشخبطاتنا الأولى في الحياة ، شهدت فرحتنا ونحن نتسلق عليها ، وانكساراتنا ونحن نعجز عن امتطاءها وقد كبرنا !!!! يبدو أن أطفال هذا الزمن لم يقتربوا منها بمحبة ، إذ لم يعودوا يحبون الأشجار، جاء التلفون السيار وأخذهم من الطبيعة، فقررت أن ترحل بذكرياتها الحنونة …
شاخت هي الأخرى كما شاخ الانسان ، وإن كانت أطول عمرا ….
تسمرت يدي على الصورة وعيني تبحثان عنها بلا جدوى …
تموت الأشجار ولا ينتبه الإنسان إلى أنها جزء من الذاكرة ..
جزء مهم من الحياة …
لله الأمر من قبل ومن بعد .