- كتب: غسان خالد
عن وزارة الثقافة القطرية صدر كتاب بعنوان بحوث في الرّوَاية الجَديدة لمؤلفه ميشيل بوتور، ومن ترجمة فريد أنطونيوس.
ينطلق الكتاب من فكرة التفتيش عن أشكال خيالية يمكنها استيعاب التغيرات الجديدة, واِنتاج صورة عن الحقيقة لا تناقض حقيقة الواقع الذي أنتجها.
رمزية الرواية
في هذا السياق يأتي دور الناقد حاسماً, إذ أن هناك روايات على الرغم من روعتها, تأتي معاكسة للأوضاع التي انتجتها, ذلك غش واضح يجدر التنبه له, غير أن المؤلف لم يوضح الطريقة الفعالة لذلك. وفي اعتقادي أن دراسة الانساق الثقافية التي تختبئ في الرواية هي الطريق الأسرع لفهم ذلك.
شعرية الرواية
يستعرض المؤلف التطور الحاصل للشعر من علم العروض, إلى النثر, من الاوزان إلى الصور الشعرية والتراكيب اللفظية, على اعتبار أن العروض والاوزان والتراكيب والالفاظ ماهي إلا ضوابط حاكمة للشعر, فتناوله لشعرية الرواية, ينبع من وجود ضوابط, فكل ماله ضوابط محددة هو شاعري. ومن الضرورة أن الشعر الخيالي ايضا يبرر نفسه ويعي ذاته. وذلك ايضا ما يجب أن تفعله الرواية.
مسلك المؤلف هذا لا تتناسب والطبيعة الشعرية التي افسدت الكثير من السرديات العربية, من ناحية استعمال المجازات والاستعارات والتراكيب التي يصل معظمها إلى مستوى السريالية. ذلك يظهر عدم اكتمال هذا العنوان الذي كتب تحته المؤلف.
أبعاد الرواية كفن
هناك علاقة وثيقة بين فن الرواية والفنون الموسيقية في التداخلات الزمنية والتطبيقات الخيالية, و علاقة بين فن الرسم والرواية. يجب أن يطلع الروائي على فنون الموسيقى والرسم. كذلك تتأثر الرواية بالمكان الذي تتواجد فيها, والمكان الذي تتوجه له. و يمكن أن تأخذ الرواية تشعبات الأمكنة والشوارع في المدن في بنائها الهندسي.
استخدام الضمائر في الرواية
أن استخدام الضمائر يتيح وضع الحقيقة البشرية على لسان مجموعة من البشر, ويلقي الضوء على المادة الروائية بصورة عامودية, أي من ناحية علاقتها مع كاتبها وقارئها ومحيطها, وبصورة أفقية من ناحية العلاقة بين الاشخاص الذين يقومون بتأليفها وخباياهم النفسية. تلك المسافة التي تقع بين الكاتب, الراوي/السارد, البطل, القارئ, مهمة جداً. وفي اعتقادي أن تلك المسافات هي التي تتيح دراسة النص الروائي من داخله بعيداً عن الكاتب, كما إنها تتيح معرفة مدى التدخل من قبل الكاتب وتوجيهه للرواية.
مسلك الفرد في الرواية.
تروي الرواية حكاية مجتمع ما من خلال الفرد. ينظر المؤلف إلى أهمية وجود الفرد في المجتمع, باعتباره مساراً يبين عملية ارتقاء الانسان, داخل المجتمع, وذلك ما اسماه بالفرد الوصولي, أي المسافة التي يقطعها الفرد في المجتمع للوصول إلى مراتب عالية, أياً كانت عوائق البيئة وموانعها الاقتصادية والاجتماعية. وينبغي على الرواية عكس ذلك الأمر بطريقة لا تقيم معها انفصالاً في هيكل البناء الروائي.
تقنية الرواية
ينظر المؤلف إلى الرواية بكونها عملية إخبارية, تستطيع التمييز ما بين الواقع والخيال, في حدود يجب أن تبقى متقلقه وغير مستقرة, ضمن تسلسل تاريخي, و نظام زمني متقطع, و له ما يبرره, ويمكن أن تحتمل صوتان على غرار الخيط الزمني في الموسيقى.
وكثيراً ما يتم التفكير بالاستخدام القياسي للزمن, وهو ما يحيلنا إلى تفهم المدى الزمني. وتحديد نقاط التقائه المختلفة, غير أن الشكل الحالي للكتاب يقف عائقاً أمامه. لذلك نصح المؤلف لدراسة الشكل (الكتاب كمادة) قبل فرض رؤى يصعب تجسد المدى فيها.
الكتاب كمادة
يثير المؤلف مسـألة نقاش الكتاب كمادة, ذلك للبحث عن أشكال جديدة للكتاب, ويورد المؤلف أشكال تطور الكتاب تاريخياً حتى وصوله إلى ما هو عليه الان. يعتقد المؤلف بأن الخيال يمكنه ابتكار طرق جديدة للكتابة, تكسر الطريقة النمطية المعتادة, للحصول على فهم المدى الزمني بشكل أفضل. غير أن المؤلف لم يناقش أثر معطيات التطور التكنولوجي على الكتاب, وهو متحمس في الغالب على بقاء الكتاب ضمن طرق صناعته العادية. بيد أن فتح الباب نحو حرية الكتابة بأوضاع مختلفة سيفرغ الكتاب من معناه, وستتحول المعرفة إلى مساحة للتكهنات خلال محاولات فك شفرات الكتاب.
الناقد والكاتب وجمهورهما
ان الفخ لذي يقع فيه الكاتب هو فخ “التحديد”, أي توجيه الكتابة, يقابل ذلك قيام الناقد بكتابة نقده بما يمليه عليه الجمهور الذي يقرأه, وليس بحسب الموقف الواعي للرواية. في كل الاحوال ينبغي على الكاتب أن يتجاوز الزمن أو البيئة ويذهب نحو الجوهر الإنساني, ويفكك كل المظاهر والامتيازات الحالية لأنها في حالة تغير دائم, ويوضح روايته في سياق الفكرة أو الأفكار الصحيحة التي ارادها. في حين أن على الناقد أن يفسح الطريق لعبور كل الروايات, ولا يكتفي بكلام قليل أو كلام سلبي في معرض نقده لأي رواية. حتى لا يقتل أشياء كثيرة في طريقها نحو الجمال.