- عبدالكريم الرازحي
كان خبر عودة الرجل الميِّت قداثار عاصفةً من الرعب حتى ان القرية من حين عودته عاشت حياة اشبه ماتكون بالكابوس.
كانت فازعة اول من ابصر الرجل الميّت، واول من اعلن الخبر .كانت في سقيفة بيتها قبل أذان المغرب عندماشاهدت رجلاً فوق حمار يقترب من ساحة القرية.
وعندما سالته من يكون رد عليها قائلا:
-” انا سلطان الملح “
قالت له فازعة وهي تغالب خوفها بأن سلطان الملح غرق في البحر ومات
لكن الرجل الميت سالها ان كانت غصون زوجته تزوجت بعد ان وصلها خبر موته !!
وبدلا من ان ترد فازعة على سؤاله قالت تسأله:
- اول قل لي ياسلطان : انت حي والاميت؟
قال لها سلطان الملح : انا ميت يافازعة ميت
قالت له فازعة : - كيف ميت وانت راكب فوق حمار !!
قال لها : “اناميت والحمار اللي راكب فوقه حمار ميت” وقيل بأن فازعة افاقت من نومها في صباح اليوم التالي وقد فقدت نصف صوتها ،ونصف عقلها، ونصف جسدها. حتى انها لم تستطع ان تغادر سريرها بعد ان اصيب النصف الاسفل من جسدها بالشلل. لكن الرعب الذي احدثه الرجل الميت بعودته لم يمنع اهل قريته من الخروج لاستقباله.
قال الذين اقتربوا منه وصافحوه بانهم صافحوا رجلاميتا وقال الذين تكلموا معه بان الكلمات وهي تخرج من فمه كلمات ميته لاحياة فيها
وكان ان اجمع اهل القرية على ان سلطان الملح عاد من البحر ميتا : - “رجع سلطان الملح من البحر وهو مملوح جسد بلا روح “
ومن سقف بيتها راحت سفرجلة تذكِّر نساء القرية بدعوة صافية ام غصون وتقول لهن : - “صافية الله يرحمها دعت على غصون ودعوتها تحققت”
قبل خمس سنوات من عودة الرجل الميت وصلت اخبار تفيد بان السفينه التي يعمل فيها سلطان الملح غرقت في البحر وغرق معها سلطان والقبطان وطاقم السفينه .
ومن حينها راح الخطاب يتقاطرون على زوجته غصون و كان جمالها هو الدافع الذي جعل كل هؤلاء الخطاب يتقدمون لها ،ويحومون حولها ،ويتطلعون للزواج بها. و كانت غصون تردهم، وتصدهم، وتقول لامها صافية التي ماانفكت تنصحها بالزواج بأن زوجها سلطان لم يمت وانه حي وسوف يعود .
وكانت امها تنزعج من قولها ذاك وتقول لها:
- ياغصون سلطان غرق في البحر ومات وما فيش ميّت رجع من الموت ولورجع سلطان شترجع بقرة جَودَلة اللي غرقت بالبركة !!
لكن غصونا كانت تصغي الى قلبها وتصدق مايقوله لها :
-“سلطان حي يمّا قلبي يقول لي انه حي وقلبي مايكذبش”
قالت لها امها :
-“قلبك يوسوس لك يابنتي ولوانتي صدقتي قلبك شجزع عمرك كله فطيس”
واخبرتها امها بان القاضي شاهر تقدم لخطبتهاونصحتها ان تقبل به زوجا :
-“ياغصون يابنتي القاضي شاهر تقدم لك
ولوانتي تزوجتي بالقاضي يوم ثاني وانتي واحم”
وكان القاضي شاهر الذي اشتهر بأنه يحبل زوجاته من اول ليلة قد وعد امها صافية بانه سينجب لها حفيدا ويجعل منها جدة. ولشدة فرحتها بالرجل الذي سيحبل ابنتها ويحقق امنيتها بحفيد تكحل به عيونها قبل موتها راحت تضغط على غصون وتعيد على مسامعها تلك العبارة التي سمعتها من القاضي شاهر نفسه وهي ان “الموتى لايعودون من الموت” .
لكن غصوناً اتهمت القاضي شاهربانه وراء نشر خبر موت زوجها وقالت لامها : - القاضي شاهر يما كذاب وكلما يلقاني بالطريق يكلمني على الطلاق ويقول لي والشهوة تقطر من عيونه :” اطلبي الطلاق ياغصون من سلطان وانا اتزوجك واقلبك سلطانة “
ولم تستطع امها ان تحتمل ماقالته ابنتها عن الرجل الذي تحترمه فقالت لها :
-“يابنتي القاضي شاهر يحبك من زمان لكن مش هو كذاب الخبر صدق سلطان زوجك مات وكلهم يقولوا انه غرق بالبحر “
قالت غصون وقدراحت تتشبث بموقفها : - “سلطان شرجع لي يمّا لانه يحبني “
وللمرة الاخيرة راحت امها صافية تترجّاها وتتوسّل اليها وهي تبكي ان تتزوج وتنجب لها حفيدا يحيي ماتبقى من ايامها.لكن غصونا لم تكترث لدموعها وقالت ترد على امها :
-” احبه يمّا والحب شرجِّعه لي حيّ والاميِّت.”
وبعد ان وصلت امها معها الى طريق مسدود وعجزت دموعها عن اقناعها بالزواج قالت تدعو عليها وهي متألمة ومجروحة منها : - “إنشاء الله ياغصون يرجع لك سلطان وهو ميت”
ليلة وصوله نام الرجل الميت نوما عميقا وفي الصباح وقد اشرقت الشمس ذهبت غصون تناديه ليتناول افطاره لكنه كان مازال يغط في النوم .وفي الظهر وقد حان وقت الغدا راحت تناديه بصوتها المفعم بالشوق والرغبة والحنين كيما يستيقظ من نومه ويتناول طعام الغدا لكن سلطان كان اشبه بالميت . وفي العصر عندما خرجت لتجلب الماء من النبع لاحظت غصون بأن نساء القرية يتجنبنها، ولم يباركن لها بعودة زوجها. وعندما كانت تقترب منهن يهربن منها. وكن يتهامسن عند مرورها من امامهن ،وحين تسلّم عليهن يرفضن رد السلام. وكان ذلك يقلقها. وعند رجوعها من النبع استوقفتها خالتها قبول وقالت تسالها:
-كيف حاله سلطان ياغصون؟
قالت لها غصون : سلطان راقد ياخالة
قالت لها خالتها قبول :”زوجك ميّت ياغصون رجع ميّت ” وراحت تحذرها منه
قالت غصون وقد ساورها شعور بالرعب :
-مودرّيْك ياخالة انه رجع ميِّت ؟
قالت لها خالتها قبول : - القرية كلها داري ياغصون كلهم الرجال والنسوان يتكلموا ويقولوا انه رجع ميت والسبب دعوة امك الله يرحمها وراحت تذكرها بدعوة امها صافية.
قالت غصون- وقدراحت ركبتاها تصطكان والماء ينساب من جرتها- :
-كيف عرفوا انه رجع ميت ؟
قالت لها خالتها قبول : - سلطان بنفسه خبّر فازعة وقال لها إنه رجع ميت والحمار اللي راكب فوقه حمارميت
واخبرتها بأن فازعة اصبحت مشلولة بنصف جسد ونصف عقل ونصف صوت .
وبعد ان فارقت غصون خالتها قبول وصعدت الدرب المؤدي الى بيتها صار خوفها من رجُلها الميت اشبه بغيمة سوداء تتقدمها وتسير امامها وتفسد فرحتها بعودته .