- عبدالكريم الرازحي
كان دكان سيف الطُلِّيس قد راح يستعيد مكانته. وكان ذلك بفضل ذكاءموزة التي راحت
تشارك زوجها في ادارة الدكان. صحيح بان زوجته علوم كانت اقدم منها لكن المسكينة علوم لم تكن تمتلك الذكاء والخيال اللذين تمتلكهما موزة .ولم يكن بمقدورها ان تتدخل وتقترح على الطليس ادخال هذه البضاعة اوتلك. كانت تكتفي بالبيع اثناء غيابه .اما موزة فكانت تتصرف كشريك في الدكان وليس فقط كشريكة له في السرير .
لكنها بعد مرورست سنوات على زواجهما اكتشفت بأن صلاحية سيف الطليس انتهت وبات عاجزا عن ممارسة وظيفته كزوج ومشاركتها مباهج ولذائذ الحياة الزوجية.ولحظتها شعرت موزة بأنها وضعت مستقبلها كأنثى ومستقبلها كامراة في يد رجل لم يعد يمتلك سوى ماضيه . وكان ان راحت تتحسّر على نفسها وعلى شبابها وشعرت بأن الطليس التاجر قدخدعها وغشها بنفس الطريقة التي يخدع ويغش بها زبائنه . كان في اعتقادها حين تزوجته بأن الزوج يظل يمارس وظيفته كزوج للابد ولم تكن تعلم بأن الرجل الذي تزوجته على وشك التقاعد .
كان مادفعها للزواج بالطليس هو شهرة دكانه وعشقها لكل تلك الحلويات المعروضة بالدكان .ايامها كانت لم تزل طفلة تعشق الحلوى والطحينية والهريسة والشوكولاتا والبسكويت حتى انها لم تلاحظ فارق السن بينه وبينها. وانما لاحظت كم هي قريبة من جنة الحلويات . ثم ان امها لم تنبِّهها ،ولم تقل لها شيئا عن فارق السن، وانما كانت فرحة بزواجها من سيف الطليس اكثر منها.
كان عمرها اربعة عشرة عاما حين تزوجته وعمره اربعة وخمسين عاما وبعدمرور ست سنوات على زواجهما كانت هي في العشرين من عمرها وفي ذروة شبابها وكان الدكان قد اصبح في ذروة مجده فيما الطليس الذي بلغ الستين كان قد دخل في طور التدهورحتى انه كان يتهرّب من اداء واجبه كزوج مثله مثل تلميذ يتهرب من المدرسة.
كانت موزة قدبدات تلاحظ ضعفه وتلمس عجزه عن احتضان اشواقها وعن تهدئة فوران جسدها العشريني الذي يتغذى بالحلويات ،ويمور بالرغبات.وكانت كلماازداد ضعفا وعجزا ازدادت تنمرا وتذمرا وذات ليلة وقد فشل فشلا ذريعا في ان يلجها قالت له :
-” بالدكان ياطليس تقتلب اسد وفوق القعادة كسبي من جيز الكسب”
وكان الطليس اذا دخل دكانه يتملكه شعور الاسد وهو يدلف الى الغابة . كان يزأر ويصرخ فوق الزبائن ويغضب وصوته هو الاعلى والكل يخافه ويهابه ويتملّقه ويتّقي غضبه وحتى موزة كانت تهابه وتخشاه ولاتجرؤعلى مراجعته إن هو غضب على زبون من الزبائن .
كانت امها حمامة قلقة بشأن تأخر حملها وكان مايقلقها هو ان يموت الطليس قبل ان يُحبّل بنتهاوذات يوم قالت لها:
- “يابنتي ياموزة لك ست سنين وانتي سارح راجع للدكان ايحين شتحبلي!!”
ونبّهتها الى ان الدكان حتى لوافنت عمرها فيه هوفي الاخير دكان الطليس وليس دكانها اما لوهي حبلت فسيكون الابن ابنها والدكان دكانها .
قالت موزة وقد سرت في جسدها قشعريرة لذيذة : - “يمّا نفسي احبل لكن مِنُو اللي شحبِّلني” !!
قالت لها امها :” منو شحبلك يابنتي غير الطليس زوجك”!!
لكن موزةضحكت من كلام امها وقالت لها : - كيف شقدر يمّا يحبلني وهوشيبة دُقّةْ!!
قالت لها امها : - “كل شي سهل يابنتي الجماع سهل والحمل سهل والطليس يقدر يحبلك ولوهو شيبة ”
قالت موزة وهي مستغربة من كلام امها : - ناهي قولي لي يمّا مُوْاعمل على شان يحبلني!! اركع له !!اسجدله!! مواعمل!!
قالت امها حمامة :
-لاتركعي له ياموزة ولاتسجدي.. ادخلي لاعنده وانتي مبخر ومعطر وقولي له :
-“ياطليس حبلني ” وعليّ لو ماحبلكش
قالت موزة وهي تضحك من كلام امها : - آوة يمّا وبعدما اقول له: “ياطليس حبّلني” بمو شحبّلني؟ وحقُّهْ مثل أُذن العَنز ناطل!! ونكاحه كله باطل!!
وراحت امها توبّخها وتقول لها بأن غرورها بنفسها وشعورها بانها شابة وصغيرة وجميلة مقارنة بالطليس زوجها هو الذي يُبطِلُ الجماع ويُفسدُ المتعة. ونصحتها بأن تنسى فارق العمر بينها وبين زوجها، وتنسى نفسها ،وتنسى كل شيئ حين تكون معه. وراحت امها حمامة تحكي لها كيف انها عندما كانت ترغب في الحمل تدخل على زوجها غانم المُوَسِّح وهي بكامل زينتها وتطلب منه ان يحبلها وكان هو يلبي لها طلبها ويحبلها بسهولة .
وسالتها موزة : من صدق يمّا والاتكذبي!!
قالت امها : من صدق يابنتي لمو شاكذب!!
وطلبت منها امها حمامة ان تجرّب وتطلب من زوجها سيف الطليس ان يحبلها.
وليلتها دخلت موزة على الطليس وهي بكامل زينتها وانوثتها وقالت له بصوت حلو يخلو من ذلك الشعور بالتعالي وبالتفوق :
- “حبلني ياطليس “
وتفاجأ الطليس بكلامها وقال يسألها : - موقلتي ياموزة ؟
قالت له موزة :” أشأَكْ الليلة تحبلني”
وشعر الطليس لحظتها بحالة إلهام تخرجهُ عن طوره حتى انه نسى نفسه، ونسى الدكان، وفرغ عقله من كل شيئ ،ومن كل هم ،وقام ليلبي طلبها .ولاول مرة منذ زواجهماشعرت موزة بأن الطليس جامعها بقلبه وروحه وبكل جوارحه وليلتها حبلت موزة من الطليس وكان ان شاع الخبر وراح الكل يتكلم عن معجزة الطليس :
-” الطليس حبل موزة “
وراح البعض يشكّك ويقول بأنه يستحيل لرجل في الستين ان يحبل فتاة في العشرين .
لكن الاغلبية حين سمعوا بحمل موزة عزوا حملها الى مشروب الفيمتو وهو المشروب الذي كان دخوله للقرية علامة فارقة في تاريخها حتى انهم سمواسنة دخوله :” سنة الفيمتو”
ايامها كان الناس يعتقدون بان الفيمتو مشروب سحري ” يشربه الكبار فيصغرون ويشربه الصغار فيكبرون ” وكان الشائع في اوساط كبار السن بانه” صَليط الرُّكَب ” وكان لديهم مايشبه اليقين بأنه يقوي الباءة ويساعد على الإنعاظ. وكانت النساء يعتقدن بأنه دواء للعقم والعجز الجنسي اكثر من كونه مشروباً لذلك كن يحرصن على ابقاء زجاجة الفيمتو بعيدة عن متناول الاطفال. ومثلما نهى الله أبانا آدم وامنا حواء من الاقتراب من الشجرة المحرمة كانت الامهات ينهين اولادهن من الاقتراب من زجاجة الفيمتو ويقلن لهم : - “الفيمتو للمزوّجين”
وبعد ان حملت موزة من الطليس شاع بين النساء بأن شراب الفيمتو هو الذي مكن الطليس من اجتراح معجزته وراحت(شمس الحكومة) زوجة حاكم حيفان تعيَّر زوجها القاضي غالب التنكة وتقول له : - “الطليس اكبر منك وقدر يحبِّل موزة وانت تِزْجَحْ باليوم قارورة فيمتو وماقدرتش تحبلني!!
وكان القاضي غالب باعتباره رئيسا لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قد افتى بتحريم الفيمتو في اول الامر وقال للطليس : - “هذا اعظم من الخمر “ومنعه من بيعه .
لكنه فيما بعد عندما رشاه الطليس ببضعة زجاجات واراه الطريقة التي يُشربُ بها تراجع عن فتواه وسمح للطليس ببيعه وقال وقد اعجبه طعمه : - “هذا مشروب الجنة “
وكان الحاكم قد ادمن على الفيمتو وصدق كل مايقال عن فوائد هذا المشروب وعن المعجزات التي يحققها في السرير .ولشدة ماكان مقتنعا بصحة الإشاعات المتداولة عن زجاجة الفيمتو وعد زوجته شمس (شمس الحكومة ) بأنه سوف يحبلها بقوة الفيمتو
وكانت هي تعيش على هذا الامل لكنها وقد بلغها حمل موزة راحت تتذمّر وتتنمّر وتعيِّره وتتهكّمُ عليه. ولكثرة ماراحت زوجته شمس تعيره بالطليس حقد على الطليس وزج به في الحبس بتهمة انه يبيع اشياء غير مرخّص بها.
بعد دخوله الحبس كانت موزة تدير الدكان في غيابه وهي حامل وفي الدكان فاجأها المخاض وولدت بنفس السهولة التي حَبِلَت بها لكن موزة بعد مرورها بتجربة الحمل والولادة تغيرت ونضجت ولم تعد تلك الفتاة الغرّة المغرورة بجمالها والمتعالية على زوجها كانت قد غدت امراة بسيطة تميل للبساطة وتؤمن بالسهولة ولديها يقين بان كل شيئ سهل ولايوجد ماهو صعب في الحياة . وكان ان شعرت بعاطفة قوية تجاه الرجل الذي احبّها وحبَلها وجعل منها أُمّاً . وعندما قيل لها بان خروج زوجها من الحبس امرٌ صعب كان ردها :
- “سهل سهل كل شي بالسّهالة “
وبسهولة خرج الطليس من الحبس وعند خروجة انفجرت الحرب العظمى
،( الحرب العالمية الثانية )واغلقت البحر ،وتوقفت الصادرات، وحوالات المغتربين، ولم تعد الاموال والسلع والبضائع تنتقل بنفس السهولة وشحّ وجودها في الاسواق، واختفت معظم السلع، وارتفعت الاسعار واغلق البعض دكاكينهم ،وخسروا تجارتهم وبعد انفجار الحرب كاد الطليس يُجنُّ وكان المسكين يظنُّ بان الحرب تُشنُّ ضده وضد دكانه بهدف افقاره وكثيرا ماكان ينفعل ويغضب ويشتم ويلعن الحرب ويصرخ محتجا : - ” الكفار الزنوات اولاد ابليس نيتهم من هذي الحرب إفقار الطليس”