- نبيل الشرعبي
هناك زملاء نعجز عن وصف لوعتنا إليهم.. حتى يُخال لي أني إذا وجدت أحدهم يمر في شارع ما، قد أضطر إلى صفعه بقوة أو عضه حتى تصطك أسناني ببعضها بعد اختراق الجلد، فيتوسل لي بأن أتوقف من شدة الألم ، وذلك تأكيدا وتعبيرا عن حجم الألم الذي سببه لي برحيله عن جغرافيا تسعكنا فيها كثيرا ولم نأبه لمن حولنا حين كانت تتعالى ضحكاتنا وأصواتنا بكلمات تشبه جُنوننا آنذاك..
كثير ما أعود إلى الغرفة التي اتخذ منها سكن، في أوقات متأخرة من الليل، وتخامرني فكرة مجنونة تقفز من حُلم يراودني بأن زملاء سيكونون في انتظاري بالغرفة، فأقتني شعمة واحدة، وكـ لص أتسلل إلى بهو الغرفة.. ثم أقفز لأفزعهم كما كنت أفعل قبل أن تسرقهم الحرب.. لكن لا أحد يفز ولا أحد يقوم ليركلني وهو غارق في الضحك، ولا أحد يقذفني بقنينات الماء الفارغة..
أووووه.. تنكسر روحي.. أهبط مثقل بالحزن على وسادة مركونة في إحدى زوايا الغرفة.. أسند ظهري إلى الجدار.. أتحسس الشمعة وبيدين مرتعشتين إحداهما تمسك الشعمة والثانية تشعل “القداحة” الولاعة، وما أن تشتعل النار في خيط الشمعة أثبتها على طاولة صغيرة.. تتحشرج الشمعة بصمت أنيق.. وأنا أحصي وجوه الزملاء مغمض عيني.. أُردد في خلدي لا بأس إنهم مثلك الأن كلٍ يحصي وجوهنا..
أغرق في تفاصيل وجوههم.. أتساءل يا تُرى هل ما زالت ملامحهم كما كانت..؟.. أبتسم.. نعم إنها لم تتغيير.. كذلك أرواحهم لم تتغيير، وما زالت بضة كـ إنبحاسة الصبح الأولى..
أغرق أكثر في تفاصيل لقاءاتنا، وروائح الأوراق والحبر والصحف الورقية ونحن نتجاذبها أيا منا يستعرض أولاً.. أغيب تماماً عن حاضري.. أُدخن بشراهة دون وعي.. لا أفيق من غيابي إلا حين تنتهي علبة السجائر المركونة بالقرب مني.. أتحسسها فتكون فارغة..
يطل الصباح بروائح الضوء العابقة بوجوه أطفال ورجال ونساء يحثون خظاهم على امتداد الشارع ولا أحد يأبه لك.. حتى أنا أيضا لا آبه لأحد، فغايتي أن أجد متجر_بقالة لأقتني علبة سجائر أخرى، كي أتمكن من استرجاع وجوه زملائي..
فلتكونوا بخير أيها الزملاء.. كنتم رائعين بوجودكم قريبين مني، وما زلتم كذلك في غياب لا أعرف بأن الغائب فيه هل أنتم أم أنا.. لتكونوا بخير.. لتكونوا بخير..