- عارف الدوش
مثل ومضة اللمع أشرقت بوجهها الوضاء .. لاحت كأنها شعاع نور أخترق غلاف الظلمة في جنح الليل .. وبعينيها المضيئتين رنت نحو القلب فخفق مترنماً كأن كرمة نبتت فيه للتو .. ومن خفقان القلب أثمر الكرم وطاب وأخدنا نعتصر منه ” الخندريس” الحلال .. فطاب الوقت وطاب السهر في حدائق الأشواق والحنين ..
فكان البسط لسان الحال وأنشد الفؤاد بما جاد به الشيخ العارف بالله إبن علوان ” الباهوت ” :
” – يا صحيح الفؤاد قلبي جريح .. وبسيف الهوى قتيل ذبيحُ
– شهد الحسن والجمال فأضحى .. كقضيب الأراك ثنته ريحُ “
فنسكبت نُسيمات الهوى وصنعت دائرة مكتملة مسيجة بالنور .. وها قد حمانا سياج النور فشربنا من كؤوس بنت كرم فتناثر الران عن القلب وتساقط غبار النفس.. فثملنا و غبنا عما سواه .. صرنا كحُدات العيس ننشد في قافلة السفر .. وصار النشيد عذباً والكؤوس تدار وصاحب الدن كلما دارت الكؤوس ملأءها ليتم كرعها في الأرواح .. فأستمر حال البسط والإنشراح والنشوة … واستمر الباهوت إبن علوان يسكب من دنانه ونحن نشرب فنسقي الأرواح إكسيرها للتجدد والهيام
فيقول إبن علوان :
” – خندريس لنا حلال مباح .. وعلى غيرنا دم مسفوحُ
– هاتها هاتها وخذها وخذها .. وأدرها عَلى الجبال تنوحُ
– وأقم سوقها على كل سوق .. يا لَها متجر وَسوق ربيحُ
– دُلَّها فالكَريم ينفق فيها .. وَيضم اليدين عنها الشَحيحُ “
وتتوالى السقيا من دنان الوجد فتنتشي الأرواح لتبدأ من نشوتها إرتقاء سلم العروج .. فتغيبنا النشوة عنا وترمي بنا في بحر الأشواق المتلاطمة أمواجه . فتهتز سفينة إبحارنا وتضطرب أمواح بحارنا فيتحول الحال من البسط الى القبض والطير المحلق من فوقنا في لجة بحر الهيام يخاطبنا بقوله :
إن السير إليه ليس بالطرب والمسرات ولا بالتمايل والإهتزاز ولا بالبسط والقبض
ولا برماح الإبتلاء والحزن والبكاء ولا بالتزهد والسهر
وفي غمرة اشتداد حال القبض علينا يهمس لنا الطير همس المحبين والعشاق ثم يزغينا سر العروج بقوله :
السير إليه بالقلوب وليس بالأبدان فافرغوا قلوبكم عما سواه وكونوا على فطرتكم
سيهتف بكم الشوق من داخلكم فتسكت أحوالكم .. حينها يكون قد حصل لكم المرام وطاب المقام وتنزلت السكينة وتم الوصول بسلام… والسلام ختام.