- قادري أحمد حيدر
4-حركة طالبان في بعض الكتابات اليمنية:
لم أقرأ في بعض ما وصلني – على الأقل حتى الآن – من يقول بأن “طالبان حركة تحرر وطني” وحاولت البحث في ما نشر في بعض الصحف العربية، وفي بعض مواقع التواصل ولم أجد أو أصادف سوى مقال للأستاذ الدكتور/ رضوان السيد ، وهو مؤرخ وكاتب اسلامي معروف يذهب إلى تأييد الرأي القائل أن طالبان “حركة تحرر وطني”، أو ما يقارب هذا المعنى.
وكان ذلك في مقالة له في صحيفة “الشرق الاوسط/ السعودية”، وبصورة عابرة، أي غير مكرسة لبحث تفاصيل هذه المعنى ، طبعا إلى جانب الاستاذ الصديق/ عبدالباري، وقد يكون هناك العديد ممن يذهبون ويقولون بذلك الرأي والموقف السياسي، في اعتبار طالبان “حركة تحرر وطنية أفغانية” ، ولا يعني قلة من يذهبون مع رأي أن طالبان “حركة تحرر وطني” ، أن وجهة النظر الأخرى بالضرورة هي الصائبة، فجميعها تبقى وجهات نظر قابلة للبحث والنقاش والاضافة والتعديل، فحن نبحث في مسألة/ وقضية سياسية وتاريخية متحركة، القول فيها خاضع لمنطق التفكير النسبي،أي مسألة جدلية، وليس فينا من يملك القول الفصل/ والمطلق فللا حقيقة أكثر من وجه.
على أن المهم هو أن يستمر الحوار والنقاش بعقل نقدي مفتوح على الاختلاف مع وجهة النظر المغايرة من موقع التقدير والاحترام للرأي المختلف، ولست بالمطلق مع القول، القائل : ” إن الإختلاف لا يفسد للود قضية”،بل أنني أرى أن من المختلف والمغاير، يتولد وينتج اجمل واعظم مؤتلف، وأن الاختلاف يضيف ولاينقص، والصيرورة المعرفية / الفكرية الانسانية، تتقدم وتغتني بالمغايرة، وليس بالوحدة المصمتة/ القاتلة، ويقول الله سبحانه وتعالى، في سورة هود، 118-119″ ، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين”، صدق الله العظيم، وتباين رؤانا، حول، طالبان، ” وحركة التحرر الوطني”،وحول غيرها من المفاهيم، والقضايا، هو طريقنا الوحيد لإثراء الحوار بالرؤى المختلفة حول هذه القضية / المسألة، التي أتصور أن لها تداعيات سياسية وحوارية في أكثر من حالة عربية، “فالحشد الشعبي العراقي”، وميليشيات “الولاية/ الولائية”الأثنا عشرية المختلفة” في العراق ترفع لواء “مقاومة الاحتلال الأمريكي”، ومن أنهم “حركة تحرر وطني”: !! وهي التي قدمت ووصلت إلى السلطة في العراق، مع الدبابة الامريكية، وبدعم مادي وسياسي وعسكري امريكي، بعد أن سلمت امريكا العراق هدية سياسية مجانية لايران.
وهناك من يقول إنه يدافع عن القضية الفلسطينية ويقاوم الكيان الصهيوني والعدوان الأمريكي، ولكنه يعطي ولاءه السياسي لدولة أجنبية “ولاية الفقية”، في ايران”، أي أنه يقدم انتماءه المذهبي/ الديني، على ولائه السياسي والوطني والقومي، وهي إشكالية من المهم أن تبحث ونحن نتحدث عن “مقاومة العدوان”، وعن “حركة التحرر الوطني”، ولدينا في اليمن من يقول أنه يقاوم “العدوان الاجنبي” ومن أنه بالضرورة “حركة تحرر وطني”. وكل هذه المعاني لها تداعيات، تدخل في صلب حوارنا السياسي والتحليلي النقدي، حول هل أن طالبان “حركة تحرر وطني” أم لا “؟
هناك من الباحثين من يرى أن ” حركة التحرر الوطني”،كتسمية وكمعنى ومفهوم، قد انتهت، والمطلوب البحث عن بدائل نظرية ومفهومية وفكرية وسياسية جديدة، وتقديري أن هذه قضية بحاجة للوقوف أمامها بعقل نقدي مفتوح، ونعمل اذهاننا في البحث في ذلك، وحتى تتبلور مثل هذه القراءات والاجتهادات، سأظل ابحث المسألة من وجهة نظر أن ” حركة التحرر الوطني”،ما تزال حتى اللحظة في حالة صيرورة معاصرة، مرتبطة بجوهر الصراعات الاقليمية والدولية الجارية، للخروج من ٱسار وحشية ” نظام القطبية الٱحادي”،الذي يرفض المغادرة والانسحاب من المسرح العالمي، لصالح عالم ” متعدد القطبية”،ويصر على الإبقاء على ظاهرة استعمار الدول والشعوب، التي بدأت بغزو افغانستان، وغزو واحتلال العراق، تحت ذريعة” اسلحة الدمار الشامل الكاذبة، و”الاسلاموفو بيا”،وشعار” محاربة الارهاب العالمي”، حتى احتلال ليبيا، وما يحصل اليوم في العديد من دول المنطقة، وفي تقديري أن كل ذلك يقول ان ” حركة التحرر الوطني”،لم تنته بعد، وتتخذ اليوم اشكالا ومعان جديدة، مرتبطة في الجوهر ببناء دولة المواطنة والحقوق، وذلك لايختلف عليه اثنان، على ان دولة المواطنة هذه لن تقام، دون الدفاع عن السيادة، ودون استقلالية القرار السياسي الوطني، وبناء الاقتصاد الانتاجي على أسس تنموية معاصرة.
حركة التحرر الوطني بمعناها ومفهومها وسياقها الذي كان، قد يكون تجاوزها الزمن كما يرى البعض،وأنا متفق معهم في ذلك، على أن ما يحصل من محاولات الغرب الاستعماري من محاولاته في محو الحدود الوطنية، باسم الاصوليات الدينية، وشعار” مكافحة الارهاب العالمي”،وغيرها من الممارسات، يجعلنا نعيد قراءتنا المعاصرة لانفسنا، ولما حولنا، ولمستقبل شعوبنا ودولنا.
ولن يكون شعار، أو مفهوم ” حركة التحرر الوطني”، مانعاً لنا في بناء دولنا على ضوء شروط ومعايير انسانية معاصرة.
لأن هناك بالفعل ما يستحق القراءة الموضوعية والسياسية وفقا لكل حالة على حدة.
ومن هذا الباب الضيق والواسع معا للحوار، اتمنى أن تتسع دائرة المشاركة في هذا السجال من قبل المختصين والمهتمين لبلورة وانضاج هذه المسألة من وجوهها المختلفة.
وفي الختام،اورد بعض ما كتب عن طالبان،و” حركة التحرر الوطني في الكتابة اليمنية السيارة ،اضافة لبيان الحزب الشيوعي الباكستاني.
فعلى مستوى الكتابة اليمنية، هناك من يرى من الباحثين والمثقفين والأدباء ، أن ليس كل من يقول إنه ضد أمريكا ويرفع شعار محاربتها و”مقاومتها” من المواقع الأيديولوجية / الدينية المختلفة/ والمتخلفة، بأنه يستحق أن يوصف أو يوضع في خانة “التحرر الوطني”، ورأي الاستاذ / حسين الوداعي “أنه هذه الحركات هي “حركات استعباد رجعية طائفية لا حركات تحرير ,,,” ناقداُ من “يعتبر طالبان حركة تحرر وطني”. وفي ذات الاتجاه رأي العالم الرياضي ، والروائي اليمني/ د. حبيب عبدالرب سروري، عمن يقول إن طالبان “حركة تحرر وطني “، التالي : “لقد استقام شعري عندما اعتبر البعض طالبان حركة تحرر وطني”، لأن طالبان، كما قال “حركة استعباد وطني بامتياز” نقيضا لما ذهب إليه الاستاذ الصديق/ عبدالباري “باعتبارها حركة تحرر وطنية افغانية بامتياز”.
وأشار الناشط المدني/ غسان سلطان الصريمي بلغة بسيطة/ ساخرة/ تهكمية، قائلاً : “أنا رأئي أن طالبان حركة تحرر وطني تسعى إلى تحرير الشعب الافغاني من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة”.
وفي بيان الحزب الشيوعي الباكستاني ، حول طالبان وأفغانستان وتطور الأوضاع السياسية، جاء في فقرات عديدة منه التالي: “تتضح الصورة تدريجيا عن قضية احتلال طالبان لأفغانستان والمرحلة الأولى من اللعبة الأمبريالية الأمريكية ويواجه شعب افغانستان والعالم واقعاً جديداً كل يوم”. حتى يقول البيان: “كيف يمكن لطالبان التي قاتلت لمدة 20عاماً دون احراز نتائج حقيقية ضد قوات الولايات المتحدة أن تحتل كل أفغانستان في خلال 11 يوماً؟! شيء واحد واضح وهو اتفاق الدوحة الذي نظم هذا الحدث ، ودور الولايات المتحدة في نقل السلطة إلى طالبان وأن تسمح لهم بلعب دورهم في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة (…) بل ستستخدم أيضاَ أفغانستان وطالبان لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة ، وبناء خط دفاع ضد الصين وروسيا”. وهذا رأي سياسي استراتيجي لطرف سياسي حاضر في قلب الصراعات الدائرة في المنطقة.
حتى قول البيان”. إن صعود طالبان هو شرارة لموجة جديدة من الأصولية ستعيد استهداف القوى التقدمية والديمقراطية في المنطقة”.
وهي فعلاً موجة وهجمة جديدة من الاصولية التكفيرية والارهابية، التي انطلقت من افغانستان بدعم امريكي، لتعود ثانية، ضمن لعبة سياسية/ استراتيجية امريكية/ غربية، ولا أرى في منطق بيان الحزب الشيوعي الباكستاني، أي رائحة لعقلية “المؤامرة /نظرية المؤامرة”، فأين هي طالبان منذ النشأة حتى عودتها للسلطة ثانية من كل ما يجري، ألم تكن منذ البداية، لعبة في الصراع الدولي، ( فترة الحرب الباردة)، وهي اليوم لم ولن تخرج ، عن منطق اللعبة القديمة/ الجديدة، مع بعض التحويرات، هنا وهناك،وهل بعد كل ذلك، يمكننا القول عنها “إنها حركة تحرر وطني أفغانية بامتياز”؟!!
وهناك العديد من الطروحات والافكار لا يتسع لها المقام وتصب في هذا الاتجاه المناقض لتعريف وتوصيف طالبان بأنها “حركة تحرر وطني “.
المهم أن يستمر الحوار على المستوى المعرفي والفكري والسياسي والتاريخي ليس حول طالبان و”حركة التحرر الوطني”، بل وحول المعاني الجديدة والمعاصرة لحركة التحرر الوطني، وعلاقة ذلك بما يجري في بلادنا اليوم، وفي كل المنطقة العربية.