- قادري أحمد حيدر
3-مرة ثانية: “المواطن” و”الوطني” و”الوطنية” في خطاب عبدالباري.
أتصور أن هناك فارقاً نوعياً بين كلمة ولفظة “مواطن”، و”وطني” ، و”وطنية”. فكلمة “مواطن” صفة عامة تنطبق على جميع سكان أو أبناء هذا البلد أو ذاك بحكم المولد، والجغرافيا/ المكان، أو عبر رابطة الدم كما هو عند بعض الجماعات. أما “الوطني” و”الوطنية” فهي صفات لا تكتسب بالمولد، ولا بالجغرافيا/ المكان، هما صفتان تكتسبان بالممارسة، وبالعمل السياسي المدني والديمقراطي، وليس بالفطرة. وسبق أن عرضت لهذه المسألة في فقرة مستقلة (الحلقة الثانية)، في موضوع تحت عنوان “طالبان بين العقائدي والعسكري والسياسي”، ولن أكرر ما قلت. فقط، سأقدم إليكم رأي عبدالباري وأناقشه في ذلك من وجهة نظر مختلفة، مع بعض الاضافات التأكيدية للمعنى الذي اريد إثباته.
فالأستاذ الصديق/ عبدالباري يقول في مقالته تحت عنوان "معنى حركة التحرر الوطني"، "والوطني نسبة إلى وطنه، نسبة بقطع النظر عن أي شيء آخر".
فهتلر النازي وطني ألماني ، حزبه النازي “الحزب الوطني”، وقادة حرب التحرر في القارات الثلاث وطنيون بامتياز بغض النظر عن منابتهم الاجتماعية أو مذاهبهم الفكرية أو انتمائهم السياسي. وجل هؤلاء القادة الذين خاضوا أو على الأقل شاركوا في حروب التحرير اصبحوا مفسدين وفاسدين بامتياز، ولن ينفي ذلك وطنيتهم – أي انتماءهم إلى وطن، أو قيادة حرب التحرير الوطني، فكابيلا قائد في حرب تحرير تنزانيا/ الكونغو الديمقراطية حاليا، درس العسكرية في الصين وكان صديقا لجيفارا، وهو وطني تنزاتي (…) إلى أن يصل إلى القول، “وحركة طالبان وطنية أفغانية بامتياز … وذلك لا ينفي ممارستها الارهابية وتدميرها معابد وتماثيل بوذا أو نشرها إرهاباً دوليا (…) وذلك لا ينفي رجعيتها اليوم. وعداواتها للحريات العامة والديمقراطية (…) فطالبان وطنيون وألد أعدائهم وخصومهم السياسيين وطنيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا يحق لأحد أن ينفي وطنية مواطن”.
وسأبدأ الرد على هذه الفقرة من أخر ما ورد فيها، وهنا أسأل الاستاذ الصديق/عبدالباري، وفقا للكلام الذي ساقه والذي جاء فيه قوله:”وذلك لاينفي رجعيتها اليوم” – والحديث هنا عن طالبان- !!فهل يعني ذلك أنها لم تكن رجعية في الأمس!!
إن طالبان -في تقديدي- هي منذ النشأة رجعية وتكفيرية وارهابية ، نشأت ووجدت ضمن صفقة حرب دولية،في فترة الحرب الباردة .. وهي رجعية في الامس واليوم، حتى تثبت العكس، في الفكرة، وفي الممارسة.
إن عدم التمييز والخلط بين مفردة “مواطن”، والتي هي صفة لجميع أبناء أي وطن سواء بالمولد/ بالجغرافيا، أو بالإكتساب القانوني، والدستوري، وبين صفة “الوطني” و”الوطنية”، هي التي جعلت عبدالباري يساوي بين هتلر النازي، وبين المقاومين للنازية في الموطن والوطن الألماني، ويساوي كذلك بالنتيجة بين الإمام يحيى وإبنه أحمد ، وبين علي عبدالمغني، والرئيس عبدالله السلال ومحمد مطهر زيد، والنعمان والزبيري والإرياني ومحسن العيني، وبين الملك فاروق، وبين جمال عبدالناصر…إلخ، لأنه خلط ولم يميز بين “المواطن” (الصفة العامة للجميع)، حسب المعنى اللغوي / القاموسي، أو وفقاً للبطاقة الشخصية والجواز، وبين “الوطني” و”الوطنية” اللتين لا تكتسبان بالفطرة ولا بالمولد في المكان، ولذلك تتساوى عنده، في هذا السياق والمنطق من التفكير، من يقاوم النازية والعنصرية، ومن يقاتل من أجل ترسيخهما في واقع الممارسة . وعند هذه اللحظة، تختلط وتتداخل المعاني والمفاهيم والقيم والمصطلحات في بعضها البعض، وينعدم التمييز في ما بينها وفقاً لمنطق قراءة الاستاذ الصديق/ عبدالباري.
بل إن هتلر وطالبان وغيرهما يتساوون في المعنى “الوطني” وفي “الوطنية”، وليس في صفة” المواطنة”، مع قادة حرب التحرير الوطنية في كل القارات الثلاث، كما أشار عبدالباري في النص السالف ذكره.
ذلك أن كونه عنصري أو نازي أو أصولي/ “جهادي” تكفيري لا تنفي وطنية أي منهم، حسب رأي عبدالباري، وليس حقهم / حقه في “المواطنة” من “مواطن”. والأمر هنا مختلف، فــ”المواطنة،العائدة هنا لكلمة،مواطن،”، حق مكتسب، ولا يمكن لأحد أن يسقطها عنهم/ عنه، لأن مصدرها معطى مسبق فطري، حق قَبْلي.
إن قول عبدالباري “إن الوطني، هو المنسوب إلى وطن، لا يهم أن يكون رجعياً أو تقدمياً عميلاً، أو خائناً، أو مناضلاً. كل هذه الصفات الحميدة أو الذميمة ليست الأساس لاكتساب أو سلب صفة “المواطن”، فهتلر وطني الماني، وروزا لوكسمبورغ مواطنة المانية… إلخ”.
وواضح من سياق كلام عبدالباري، أنه لا يفرق بين كلمة ومعنى “مواطن”، وبين معنى ومفردة “وطني”، و”وطنية”، وهذا المدخل التأسيسي الخطأ في تقديري، هو الذي جعل عبدالباري، يساوي في الوطنية، وليس في المواطنة، بين هتلر، ونقائضه من الاسماء الوطنية، وبين الملك فاروق، وجمال عبدالناصر. ووفق هذا التوصيف والتقييم، سنجد معظم القتلة والمجرمين، والنازيين، والفاشيين، والعنصريين، يقدَّمون ضمن سياقات ذلك التوصيف السياسي والتحليلي، باعتبارهم جميعاً رموزاً وطنية، وليسو مواطنين، بمعنى الولادة في هذا المكان الجغرافي أو ذاك.
إن معنى كلمة “مواطن” شبه مستقر أو ثابت نسبياً، أما معنى “الوطني” و”الوطنية” فهو أبداً معنى أو مفهوم، متحول متغير، بمقدار تدخل الإرادة الإنسانية الحية والفاعلة للناس في الاصلاح والتغيير، في هذا المجتمع أو ذاك. وهنا أجدني متفقا ً مع ما أكتبه الاستاذ الصديق / عبدالباري حول المصطلحات والمفاهيم، وعلاقتها المتجددة بالحياة وبتدخل الفعل الإنساني في تطويرها وتجديدها. كما في مقالة سابقة له – والذي سأتي اليه في سياق هذه الفقرة – ولو طبق هذا المعنى والمفهوم الاصطلاحي السياسي بدلاً عن اللغوي لقربه ذلك أكثر من تقديم حركة طالبان بصورة ، مغايرة.
وفي تقديري، أن المقدمات الخطأ في عدم الفصل والتمييز بين مفردات “المواطن”، و”الوطنية” و”الوطني”، هي التي قادت منطق تفكير عبدالباري إلى ذلك الاستنتاج، أو إلى تلك النتيجة من المساواة بين النازي والعنصري والتكفيري والإرهابي، وبين قيادات حركات التحرر الوطني،حتى وصوله للقول أن طالبان” حركة تحرر وطني”.!!
لا أحد منا يستطيع أن ينفي هوية انتماء أي مواطن إلى وطنه / أرضه جغرافيتة، المكانية التي ولد فيها، ولكننا نجد صعوبة بأن لا نفرق بين صفة “المواطن”، وصفة “الوطني” و”الوطنية” لدرجة أن تتساوى فيها المتناقضات في الكلام وفي المعاني، وفي الاسماء والادوار، فنجد أنفسنا نضفي أو نسقط صفة الوطنية والتقدمية والثورية والوطني على اللصى والفاسد ومجرم الحرب …إلخ .
أما كون أن انظمة فاسدة، وحكام طغاة (طائفيين/وزعماء مشايخ)، نزعوا عن الوطنيين وعن المدافعين عن صنعأء- وعن غيرهم في اماكن مختلفة – في فترة الحصار صفة الوطنية، وعرضوهم للسجون وحتى للسحل في شوارع المدن التي دافعوا عنها، فذلك أمر وظرف استثنائي في التاريخ السياسي، ظرف عابر .. فاليوم ،احمد النعمان(الصانع الأول لحركة الاحرار حسب تعبير الزبيري)، وهو في الأمس واليوم وغداً في المرتبة الرفيعة من الشرف الوطني، ليس باعتباره مواطناً يمنياً، وإنما لكونه في الرؤية والموقف وطنياً يمنياً، وذات الامر والموقف والتقييم، مع بطل حصار صنعاء في السبعين /عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان، وعلي مثنى جبران المرقب، المخفي قسرياً حتى اللحظة، ومع جميع ابطال الحصار الذين سجنوا وشردوا في الداخل والخارج، جميعهم اعيد الاعتبار لهم، وعلى رأسهم الرئيس/قحطان الشعبي، والقائد الوطني الكبير/ فيصل عبدالللطيف الشعبي، ومحمد صالح مطيع، ومن تبقى منهم سيعاد الاعتبار لهم بعد أن تنقشع الغمة التي تعيشها البلاد، فلا نخلط بين الاصطلاح السياسي واللغوي، في هذا المجال، فأنت، وأنا،
لا نستطيع في كل الأحوال وتحت أي ظروف أن نصنع أو نجعل من اللص والخائن ومجرم الحرب والقاتل لشعبه وطنياً . . وهنا علينا أن لانحول العابر، والاستثنائي في بعض تمظهرات التاريخ السياسي، إلى قاعدة.
مرة ثانية وثالثة، نؤكد أن لا أحد ينفي مواطنية، مواطن ، في انتمائه المكاني/ الجغرافي لهذا البلد أو ذاك، على أننا لا نستطيع أن نضفي عليه صفة الوطني والوطنية، فهذه صفات تكتسب بالممارسة السياسية، وليس بفطرة الوجود والولادة في هذا المكان أو ذاك.
إن الخلط بين المعاني اللغوية، على قاعدة التفسير اللغوي للتاريخ السياسي والاجتماعي، وبين الدلالات الاصطلاحية السياسية لمعنى المواطن والوطني والوطنية، هي التي أدت بالاستاذ الصديق / عبدالباري إلى ذلك الخلط والتوحيد بين النازي والعنصري، وبين المقاوم لكل تلك المعاني والمفاهيم السلبية المدمرة والقاتلة للحياة.
وهنا يناقض الاستاذ الصديق/ عبدالباري نفسه، حيث يقول في مقالة له منشورة على “منصة خيوط” عن “الانقلاب والثورة”- سبق أن اشرت إلى ذلك- حول ضرورة التفريق بين المعنى اللغوي وبين الدلالة السياسية الاصطلاحية ،يقول : “.. صحيح أن الالفاظ تستمد صحتها من التداول وشيوع الاستعمال أكثر مما تستمده من المراجع مهما تكون دقتها -والكلام لعبد الباري – فقد اصطلح اللغويون على القول بـ”خطأ مستعمل ولا فصيح مهمل”، فما يعطي الألفاظ الصحة هو شيوع الاستعمال” فالفنان في الأصل اللغوي: حمار الوحش، والسيد: الذئب، والكافر ـ حتى قوله ـ “التداول اليومي والاحداث الكبرى والتطورات هي من يصنع اللغة، ويصنع الالفاظ والمصطلحات ، فمئات وآلاف الالفاظ تغيرت معانيها ودلالاتها..”. وقول عبدالباري السالف يعني أن الممارسة الواقعية والحياتية، ودور الناس في الواقع باتجاه التقدم، أو العكس هو ما يعطي للكلمات وللألفاظ معانيها ودلالاتها، الإيجابية، أو السلبية، وليس ما تحتويه القواميس والمعاجم اللغوية.
إن ” الطائفة”، مكون ثقافي/ اجتماعي، و”الطائفية”، تعبير ومفهوم سياسي، قد يستخدم سياسياً من قبل قطاع معين من المجتمع، أو من المواطنيين، ضد بعضهم البعض، في ظل اوضاع سياسية معينة، سواء من ناس في قمة السلطة، أو من جماعات في قاع المجتمع عموما، والوطني، – لاحظوا معي أقول “الوطني”- وليس “المواطن”، نقيض جذري للطائفية والعنصرية والسلالية، – كما هي الوطنية- ولم أقل ” المواطن”، ذلك أن المواطن في الخصوص أو في العموم، قد يكون ” طائفيا” أو ” عنصرياً”، أو سلالياً،وقد لايكون، وفقا، لخياراته الايديولوجية/ السياسية، ومن هنا تفريقنا بين كلمات ومفردات، المواطن، والوطني، والوطنية، حتى لايختلط الحابل بالنابل.
وبهذا المعنى والتفسير نقول: إن كلمة “مواطن” كمفردة، أو كمصطلح لغوي، معطى مسبق يكتسب بالفطرة، أما صفة ومعنى “الوطني” و”الوطنية” فهما تكتسبان بالعمل السياسي، صفتان تستحقان عبر الممارسة وليس عبر الولادة في المكان / الجغرافي . ومن هذه المقدمات الخطأ وصل الاستاذ الصديق، عبدالباري إلى هذه النتائج الخطأ، في اعتبار هتلر النازي وطني ومساويا في المعنى وفي الموقف لجميع أضداده.
كلنا يكتب ويخطب ويعلن، أن مقاومة الإستبداد لا يمكن أن تتم دون وحدة الصف الوطني -لاحظوا القول/ وحدة الصف الوطني- وكذا نكتب ونقول أنه يصعب القضاء على الفساد دون موقف سياسي وطني جامع .. فالوطنيون، وليس المواطنون بالجمع وفي العموم- حسب المعنى القاموسي اللغوي- هم من يدافعون عن الاوطان.. فقط الوطنيون من المواطنيين، من يقومون بهذه المهمات السياسية/التاريخية، وهم في الغالب بناة الدول وصناع التقدم السياسي والوطني والحضاري.. وعند هذه اللحظة يقف عبدالله السلال، وقحطان الشعبي، وفيصل عبداللطيف الشعبي، وسالم ربيع علي، وعبدالفتاح إسماعيل،وابراهيم الحمدي، وعبدالله باذيب، والدكتور/ عبدالغني علي، والدكتور/ حسن مكي، وعلي باذيب، وعبدالغني مطهر، ويوسف الشحاري، ومحمد الربادي، على طرفي نقيض مع الاسماء التالية : الشيخ / عبدالله بن حسين الاحمر، والغادر، وقاسم منصر، ومحمد البدر، ومحمد بن الحسين، وكافة السلاطين الذين ارتبطوا بالعجلة الإستعمارية،في العداء لشعوبهم واوطانهم …. إلخ.
والخلاصة وفقا لمنهج ومنطق تفكير الاستاذ الصديق / عبدالباري، أن من يحدد صفة الوطني والوطنية إنما هي حالة صفة الانتماء للمكان / الجغرافي (مكان الولادة/ وعند بعض العنصريين رابطة الدم أو العرق)، وليس الخيارات الأيديولوجية والسياسية، والمواقف من قضايا وإشكالات الحياة المعقدة، باتجاه التقدم التاريخي، أو العكس، لأنه لا معنى لكل هذه المعاني والقيم والدلالات في تحديد معنى “الوطني والوطنية” عند عبدالباري سوى أنها تؤدي بالنتيجة، للتخوين السياسي، وإلى العنف والقتل والتهجير، وهو ما أشار إليه في فقرة تم إيرادها في ردنا هذا.
ومن هنا يرجع عبدالباري معنى “الوطني” و”الوطنية” وبالنتيجة “حركة التحرر الوطني” إلى الانتماء إلى هذه الجغرافيا أو إلى ذلك المكان (منطقة الولادة).
فطالبان- عنده – كما سبقت الإشارة “حركة تحرر وطني”، نسبة للوطن الأفغاني وكذلك هتلر وطني نسبة للوطن الألماني…إلخ.
إن الخلاف في الحياة دائما يكون حول السياسة والسلطة، وليس حول اللغة، أو حول صدقية هذه الفكرة أو تلك، أي أن الاختلاف والصراع في الواقع، والجوهر، ليس لغويا أو مذهبيا/دينيا، على اهمية ذلك،.
إن الخلافات التي شهدها التاريخ السياسي العربي والانساني قاطبة، لم يكن جذرها وأصلها لغويا أو فقهيا أو كلاميا(علم الكلام)، بل هو اختلاف وخلاف وصراع حول المسألة السياسية والسلطة والثروة، الذي نجد تعبيره في الاصطلاحات السياسية للاشياء والقضايا،(الشأن السياسي السلطوي)، وليس في التعبيرات والتحديدات القاموسية/ اللغوية لمعاني الكلمات، فالكلمات والمفردات تأتي محملة بالمعاني وبالدلالات التي يطرحها ويفرضها الواقع السياسي الاجتماعي الاقتصادي الصراعي، أي شكل ومحتوى الصراع السياسي على السلطة ، والتعبيرات اللغوية، والفكرية، هي تجسيد وتعبير عن ذلك المسار، بهذه الصورة أو تلك، وما نقوله هنا هو خلاصة للمعنى الذي اقتبسناه مما اورده الاستاذ الصديق/عبدالباري، ولم يعمل به ، أو تنكر له ،وهو يبحث عن معاني ودلالات كلمات :المواطن، والوطني، والوطنية ، مفضلا الخلط أو عدم الفصل بين اللغوي، والاصطلاح السياسي، بين المواطن، والوطني .. إن كل ما سبق الاشارة اليه لا ينفي ولايلغي العلاقة الجدلية الابداعية، بين اللغوي/الفكري، وبين السياسي، أي ان العلاقة بينهما ليست انعكاسية شرطية/ميكانيكية، بل هي صلة جدلية ابداعية خلاقة شريطة ان نضع كل منهما في مكانه، ونبحثه في سياقه الموضوعي التاريخي، فبهما معا يكتمل المعنى في نهاية المطاف .
وستلاحظون أن الحديث الاختلافي حتى الآن مع الأستاذ الصديق/ عبدالباري يدور ويتركز في وحول حالة الخلط بين المعنى اللغوي لمفردة وكلمة “المواطن”، وبين المعنى الاصطلاحي السياسي لمعنى “الوطني والوطنية”. على أنني هنا سأشير مؤكداً على المعنى والدلالة الموضوعية والسياسية التاريخية للاختلاف مع ما ذهب إليه عبدالباري في أن طالبان “حركة تحرر وطني” مثبتاً ومؤكداً إلى أن معنى ومفهوم “التحرر الوطني”، ومعنى “الوطنية” و”الوطني” اليوم ، ونحن ندخل العقد الثالث من الألفية الثالثة، لم يعد يتحدد فقط ببُعد طرد المستعمر الاجنبي، بل أيضاً وبمن يجسد ويتمثل في الفكر وفي الممارسة (السلوك)، المعاني العميقة لقيم الحرية والديمقراطية والمساواة، والمواطنة للجميع.
ذلك أن مفهوم “الوطنية” و”الوطني” اليوم ، وبعد سبعه عقود من الكفاح السياسي والمدني والديمقراطي، قد اكتسب أبعاداً ومعان ومضامين سياسية وتحررية تقدمية جديدة/ معاصرة، ولا يمكننا قياسها ومحاكمتها بمنطق ما كان من معنى لحركة التحرر الوطني قبل أكثر من سبعة عقود .. اليوم معنى التحرر الوطني يعني الدفاع عن منظومة حقوق الانسان عامة،وعن حقوق الطفل، وعن حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية خاصة، تعني الدفاع عن قيم الحرية والمواطنة، لأننا اليوم أمام معان ودلالات جديدة لحركة التحرر الوطني، مختلفة جذرياً عما كانت عليه.. أي أننا أمام حركة سياسية تحررية ديمقراطية تقرأ في سياق موضوعي وإنساني مختلف / متطور ومتقدم .. هي قطعا بالمعنى السياسي، والتاريخي استكمال لصيرورة سياسية وطنية تاريخية من الكفاح المدني والديمقراطي للناس، وفقاً لمتطلبات وحاجات الناس في مجتمعات اليوم.. فلم يعد مجرد طرد المستعمر الأجنبي، ضمن صفقة دولية، أو بدون ذلك، هو المقياس الوحيد في صورة ما قامت به طالبان من طرد الأمريكان ، كما يذهب إلى ذلك الأستاذ الصديق/ عبدالباري.
وهو ما يعني أن مفاهيم ومصطلحات “الوطنية والوطني والتقدمية”، إنما تتطور وتغتني بالمعاني والدلالات الجديدة/الانسانية، عبر المشاركة الفاعلة والمنتجة للناس في صنع الحياة الجديدة.
ومن هنا استغرابي من توصيف وتقييم عبدالباري لحركة طالبان بأنها “حركة تحرر وطني”!!
مع أن الفارق بين طالبان، والاستعمار الاجنبي يكاد لايرى،إن لم تكن في بعض الجوانب أسوأ من الاستعمار، وهنا اتفق مع رأي المفكر الإسلامي التقدمي الإيراني/علي شريعتي،
في قوله: ” لا فرق بين الاستعمار والاستحمار، سوى أن الأول يأتي من الخارج، والثاني يأتي من الداخل ،وحسب تعبير، بعض كتاب امريكا اللاتينية،بقولهم : “الاستعمار الداخلي”/ في مقابل “.الاستعمار الاجنبي” .
وفي تقديري لو أن “طالبان” بهويتها الأيديولوجية والدينية والمذهبية والطائفية والقبلية، قد وجدت قبل ستة عقود، وهو أمر افتراضي مستحيل سياسياً وتاريخياً، لما تجرأ أحد من المحلليين السياسيين، والمؤرخين على وصفها بأنها “حركة تحرر وطني”، فما بالكم وصفها اليوم بذلك؟!
إن حركة التحرر الوطني الافغانية قبل مائة سنة هي أكثر تقدماً، بالمعنى السياسي والوطني والتاريخي، من حركة طالبان اليوم .
ومن هنا نجد أنفسنا نظلم حركة مقاومة الشعب الافغاني عبر العصور، في اعتبارنا لطالبان “حركة تحرر وطني”.