في العام الدراسي 1995/1996 كنت أُدرِّس في مدرسة الصباح بكدرة قدس، وأثناء انقطاعي عن تعز المدينة جاءني خبر موت “خيرية القدسي” في البحر غرقا، أثناء ذهابها في رحلة طلابية. كتبت حينها نصا نثريا عن خيرية في ملحق الثقافية الصادر عن صحيفة الجمهورية، كان يشرف عليه حينها الصديق العزيز سمير رشاد اليوسفي، النص بعنوان “لماذا خيرية أيها البحر” نشر أثناء وجودي للتدريس في كدرة عزلة قدس، لهذا لم أستطع الحصول على ذلك العدد من الملحق الثقافي.
“خيرية” كانت وقتها على مشارف التخرج من كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، ربما كان من زملائها الصديق العزيز “عبد الرقيب الغانمي”، وكلاهما كانا عضوين مؤسسين في “الجماعة الأدبية” التي أسسناها بداية عام 1993م.
في أربعينيتها كنت حريصا على السفر إلى المدينة والمشاركة ، في ذكرى من كانت تملأ محيطها بالحياة والابتسامة والتفاؤل والأمل.
أسامة الخواض وتناصه مع لحى الإخوان:
في ذات العام 1996 وأثناء وجودي في تعز رتبنا باسم فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين لفعالية شعرية في قاعة الثلايا، بكلية الآداب، شارك فيها الشاعر والناقد والمترجم أسامة الخواض، وأحمد الشلفي كان حينها في بداياته المتماهية مع شعر محمود درويش، محتذيا ومستمدا على طريقة وضع الحافر على الحافر.
“أحمد الشلفي” حرص يومها على أن أقدمه ليلقي قصيدته في بداية الفعالية. كانت القاعة مكتضة بشباب الإخوان المسلمين من طلبة كلية الآداب وكلية التربية، شعرت بالريبة من هذا الحضور، فهذا الجمهور لا يحضر إلاّ ضمن التحشيد الجبهوي الإسلامي؛ أي للتخريب، لكنني أقنعتُ نفسي أنّ هذا الحشد ربما اجتمع نصرة لأحمد الشلفي المنتمي للإخوان المسلمين.
قرأ الشلفي نظمه المستمد من محمود درويش فتجاوبت القاعة بالتكبير والاحتفاء، وما إن انتهى من إلقائه حتى قمت بتقديم الشاعر والناقد أسامة الخواض.
قرأ الخواض قصيدته وحين وصل إلى بيت شعري فيه تناص مع البيت العربي المشهور “ألا ليت اللحى كانت حشيشا فنعلفها خيول الإنجليز” فإذا بقنينات المياه المعدنية تهوي على رأسه ورأسي.
ظل “الشلفي” بعد إلقائه لنصوصه مبتسما، ولم افهم مغزى ابتسامته إلاَّ بعد أن تهاوت قنينات المياه على المنصة، لقد ألقى شاعرهم نصوصه وحان وقت تخريب الفعالية، وكان لهم ذلك.
من شباب الإخوان الذين كانوا يرموننا بالمياه المعدنية محمد اللطيفي، الكاتب فيما بعد، كان طالبا حينها.
ظل أسامة الخواض مختبئا لا يخرج إلى الشارع، وكنت أتابع له ما ينشر من تضامنات وبيانات عمل على تجميعها، ويبدو أنها خدمته في طلب اللجوء.
بعد سفره ربما للولايات المتحدة أو أوروبا انقطع تواصلي معه.
أسامة الخواض يساري من السودان الشقيق،
كان شاعرا ومثقفا ومتكلما متميزا.