- ضياف البراق
شُلّة من أصدقائي بدؤوا مسيرتهم حداثيين ثائرين على كوابيس الدنيا والدين ومنتجات مصنع السمن والصابون وإعلانات شاي الكبوس وكل مخلَّفات الدعارة التاريخية.
وكنتُ أقول لهم: لستم على حق، فيسخرون مني. طبعًا، أنا الأحمق بينهم والمسكين الوحيد في ذلك الحين، فأقنعوني بأن تلك مجرد خرافات يتوجّب رفضها حالًا. وإلّا فلا قيمة لثقافتي عندهم ولا مكان لوجودي بينهم. فصدّقتُهم كعادتي وصرتُ ثائرًا أشد منهم!
ثم اختفوا مدة من الزمن وعادوا بعدها متدينين بحماس عجيب، قابضين على دسومة السمن ورغوة الصابون، ومخمورين بنكهة الكبوس. عاد المتمردون سُكارى بالخرافات حتى مؤخّراتهم، فزغرطي يُمَّه!
لمْ أصدّقهم وإنما انقلبتُ ثائرًا عليهم حتى تمزّقت تلك الوشائج التي كانت تربط بعضنا ببعض وتؤلّف بين قلوبنا. ومرة أخرى اختفوا لمدة أطول ثم عادوا متحوِّثين صارخين ضد الحداثة بحذافيرها، بعد أن كانوا من أشد الرافضين للحركة الحوثية الرجعية، بحسب توصيفهم الدقيق.
نكستهم الأولى حاولوا تبريرها بهذه الرقصة القديمة: الدين حق ولكن العيب والباطل في رجال الدين. فلمْ أرقص معهم، فنفروا عنّي خِفافًا، ويحفظ الله المؤمنين النافرين عن الكُفْر. ولمّا كانت نكستهم الثانية أبشع من الأولى، ولمْ أسكت عليها، سخروا مني وأخمدوا غضبي وحزني، بباقة كبيرة من القات الصعدي والسجائر الشملان البيضاء، مغلّفةً بصرخة من عسل: العيب في المتحوّثين وليس في الحوثيين الأقحاح!
طوال تلك الليلة اللعينة صدَّقتُ خرافتهم الجديدة من أجل لحظة سعيدة، وطارت بي النشوة إلى قُبَّة السماء وتلاشت بعد النوم. تلك هي البالونة المثقوبة التي ينفخونها أمامي كلما تلاقينا عبْرَ المصادفة في أي مكان، ولكني أصدّقها فورًا كي لا ينفروا خِفَافًا هذه المَرّة ضدي رأسًا، بل وأعانقهم بحنية عميقة مصحوبة بجزيل الشكر للبالونات المثقوبة التي خلّفتهم!
كانوا طيّبين ولمّا آمنوا ساءت أخلاقهم!