- عبدالكريم الرازحي
كان غالب القُرَيْطِي في آخر ايامه دائم الحديث عن حوالة سوف تصل اليه من ابنه منصور .وحين كانوا يسالونه عن ابنه منصور واين هو ؟ يقول ردا على سؤالهم :
- منصور مغترب
ويسالونه : - فين مغترب ؟
وعندها يتخبّط القُرَيْطي في كلامه. مرة يقول مغترب في كينيا.. ومرة يقول في الحبشة..
و ثالثة في ايطاليا. حتى اذا راحوا يشككون في كلامه يقسم لهم بان ابنه منصور القريطي مغترب لكنه يستدرك قائلا بانه غير مستقر في بلد بعينه وانما يتنقل من بلد الى آخر
ولايعرف اين هو بالضبط كل مايعرفه ومتأكدمنه هوان حوالة مالية كبيرة سوف تصل اليه .
كان غالبية اهل القرية مقتنعين بكلامه عن الحوالة المالية الكبيرة خصوصا النساء اللاتي كن اسرع من ازواجهن في تصديق الخبر .وكن عندما يسمعن ازواجهن يشككون يدخلن معهم في جدل لاينتهي .
ولكثرة ما كان اهل القرية يتكلمون عن الحوالة يعتقد من يسمعهم بأنه ليس لهم من حديث غيرالحديث عنها وعن القريطي :
- القريطي معه حواله
- حوالة من من؟
-حوالة من ابنه - من هو ابنه ؟
-ابنه منصور - ماقد سمعنا ان القريطي معه ابن !!
- الا معه ابن مغترب اسمه منصور
- اين مغترب؟
وعندها يختلفون حول بلد الاغتراب لكنهم جميعهم يتفقون على الحوالة. اما اولئك الذين لديهم شك فكانوا يصرخون معترضين : - ياجماعة لاتصدقوا القُرَيْطِي هذا خُريْطِي خَرَّاط ايش من حوالة!! وايش من كلام فارغ !!وبعدين القريطي مافيش معه ابن !!
وكان المصدِّقون يتصدّون لهؤلاء المشكِّكين ويقولون لهم : - معه ابن مغترب لكن انتم حاسدين تحسدوه .
كانوا يتكلمون بيقين عن الحوالة المالية التي ستصله وكان مايجعلهم يصدقونه هو ان القريطي رجل جاد وصادق ولايعرف الكذب فضلا عن ان كلامه عن الحوالة المالية التي ستصله من ابنه لم يكن بهدف الإبتزاز اولانه محتاج ويريد منهم قرضا يعيده لهم عند وصول حوالته. فقدكانوا فقراء وحتى لو صح ان فيهم اغنياء فقد كان القريطي لديه كبرياء وعزة نفس ومن عادته عندما يمربضائقة مالية لا يظهر ضائقته ولايتمسكن مثل الآخرين ولايجاهر مثلهم بمعاناته ويجاريهم في اظهار بؤسه وتعاسته وكانوا يقولون مؤكدين :
- اكيد القريطي معه ابن
- اكيد معه حوالة من ابنه
- اكيد ابنه سبق وحوّل له والاايش معنى انه لايشكي ولايبكي مثلنا !!
كان القريطي رجلا فارع الطول قمحي اللون انيقا في ملبسه وكان وهو يمشي في دروب القرية يمشي منتصب القامة كأنه ملك اولكأن القرية ملكه رغم انه لايملك فيها سوى بيته وعلى الرغم من انه كان في العقد السابع من عمره الاانه كان بكامل قواه العقلية ولم يكن ثمة عيب في عقله حتى يتكلم عن شيئ لاوجود له لهذا كان لدى غالبية اهل القرية يقين بان الحوالة آتية رغم كل المحاولات التي يبذلها المشككون لجعل الناس يفقدون الامل .
كان اهل القرية فقراء محبطين ومكتئبين و معنوياتهم في الحضيض وليس لديهم رغبة للفرح والضحك والمرح وكانوا يتسابقون في اظهار بؤسهم وتعاستهم ويتنافسون لكن خبر الحوالة المالية كان قد انعشهم وعدّل مزاجهم واشاع في نفوسهم قدرا من الفرح والبهجة فراحوا يضحكون ويمرحون ويغنون وينتظرون وصول الحوالة ويعيشون على امل بانها سوف تصل.
ولشدة ماتغيرمزاج الناس وتعدل كانت نساء القريةحتى البخيلات منهن يطلبن من ازواجهن ان يعزموا القريطي على غدا او على عشاء و بعضهن يرسلن اطفالهن اليه حاملين الكُبَعْ واللحوح ويطلبن منهم ان يسالوه عن الحوالة ومتى ستصل!!
ولان حديثهن مع بعضهن ومع ازواجهن كان يتمحور حول الحوالة فقد كان الاطفال يصغون بفضول وبانتباه وكان حديثهن عنها يفرحهم ويشعرهم بأن شيئا ما سوف يحدث في القرية بمجرد وصول الحوالة .
وذات يوم راح الاطفال بدافع الفضول يسالون القريطي ويقولون له :
- موشتفعل بالحوالة ياقريطي لماتوصل ؟
قال القريطي يرد على سؤالهم : - موحقي الحوالة !!
قالوا له وهم في دهشة من كلامه : - حق من هي ؟
قال لهم : حقنا كلنا
وكان ان تهلّلت وجوهم فرحاً وبهجةً واسرعوا عائدين الى بيوتهم ليبلغوا امهاتهم بماقاله القريطي .لكنهم وقد ابصروا امهاتهم في سطوح بيوتهن راحو ينقلوا اليهن الخبر قبل وصولهم :
-قال القريطي : زعام الحوالة مش هي حقه
ومن سطوح بيوتهن راحت الامهات يسألنهم عما قاله القريطي لهم : - موقال القريطي ؟ موقال؟ مش هي حقه!!
قال الاطفال باصوات مرتفعة حتى يسمعنهم : - القريطي قال الحوالة مش هي حقه.
قالت الامهات وهن مستغربات : - لوالحوالة مش هي حقه حق من!!
وصاح الاطفال باصوات عالية مفعمة بالفرح : - القريطي قال : الحوالة حقنا كلنا
ومن سطوح بيوتهن راحت نساء القرية يثرثرن عن الحوالة وعما قاله القريطي للاطفال
ولشدة ماافرحهن الخبر ورفع معنوياتهن تشجعنَ وذهبنَ صباح اليوم التالي الى دكان القُطْوِي لشراء مايلزمهن وحين راح القطوي يطلب منهن الثمن رحن يخبرنه بماقاله القريطي لاطفالهن ووعدنه بانهن سوف يدفعن له فور وصول الحوالة .
وكان ان سُرّالقطوي بالخبر حتى انه لشدة فرحه راح يكيل ويوزن ويسرع في تلبية طلباتهن وهن مستغربات من سرعة استجابته لتلبية مطالبهن وهو البخيل الذي يرفض البيع دينا.
لكن القطوي الذي كان اول من صدق القريطي واول من اظهر فرحه بخبر الحوالة كان يشعر
في قرارة نفسه بأن الحوالة التي تتحدث عنها القرية سوف تستقر في جيبه.
كان ثمة جدل يومي حول الحوالة بين سلطان المدخّن وبين زوجته آمنة
كانت هي مصدّقة وهو مكذّب ..هي مؤمنة وهو مشك . وكان الجدل ماينفك يحتدم بينهما وذات يوم افاقت زوجته من نومها وقالت له وهي فرحة ومنتشية بأنهارأت رؤيا في منامها.
وحين سالها عن الرؤيا التي رأتها في المنام!! قالت له بانها رات القرية بعد وصول الحوالة وقد تغيرت وانتقلت من الفقر الى الغنى.
ويومها غضب زوجها سلطان وطلب منها بنبرة تهديد ان تكتم رؤياها وقال لها يحذرها :
- مومن حوالة ومو من هبالة !!والله لوتتكلمي لاتلومي الانفسك .
كان هو اكبر المشككين بوجود حوالة وكان يعرف بان اتباعه وانصاره الذين شككوا بوجودها سوف يسخرون منه ولن يرحموه إن هم سمعوا برؤيا زوجته
غير ان زوجته آمنة لم تكترث بتهديده لها وكان ان اسرعت تصعد الدرج الى سطح بيتها لتخبر نساء القرية بماراته في منامها. وعندها لم يستطع سلطان المدخن ان يتمالك نفسه ولشدة غضبه منها راح يوسعها ضربا ويقسم بانه لن يتوقف عن ضربها إن هي لم تتوقف عن نشر رؤياها لكن آمنة التي كانت تؤمن بوجود الحوالة اكثر من ايمانها بأي شيئ آخر راحت تواصل الحديث وراح زوجها سلطان يواصل الضرب .