- كتب: محمد ناجي أحمد
حرب فبراير 1979 وتجاوز التوازنات الدولية:
يبدو أن هشاشة الجيش في الشمال، والتي عملت القوى التقليدية على عدم بنائه وتطويره، كي يظل تحت سيطرتها ونفوذها، وكي تظل هي القوة الضاربة في الشمال-قد جعل نتيجة المواجهة العسكرية بين نظام صنعاء ونظام عدن لصالح الأخيرة، بل كان الطريق ممهدا إلى صنعاء، كما يروى ذلك أكثر من شاهد عن تلك الأحداث. وهنا-بحسب رواية جار الله- تدخلت العراق وسوريا والسعودية، لفرض قرار وقف إطلاق النار الذي اتخذته الجامعة العربية، وعملت الولايات المتحدة بطلب من السعودية على أرسال السلاح والمعدات إلى صنعاء على وجه السرعة، ودفعت السعودية ثمن الصفقة. وابلغت القيادة السوفيتية حكومة عدن بأنها تعارض بقوة سقوط حكومة صنعاء. بل أخذ الأمر طابع الصراع الدولي بين أمريكا والاتحاد السوفيتي ، وأن ما حدث يعد خرقا لتوازن النفوذ بين الدولتين العظميين. فكانت النتيجة رضوخ عدن لقرار وقف إطلاق النار.
كان عبد الفتاح إسماعيل وقيادات سياسية في المكتب السياسي مع وقف إطلاق النار، وكان علي عنتر وزير الفاع حينها وصالح مصلح قاسم وزير الداخلية وبعض القادة العسكريين ضد قرار وقف إطلاق النار، لكن بسبب نفاذ الذخائر لدى نظام عدن وتوقف الاتحاد السوفيتي عن إمدادهم بالسلاح، والضغط عليهم لوقف إطلاق النار، وإلحاح عبد الفتاح إسماعيل وافق الاجتماع على مقترح إطلاق النار.
كان موقف قيادات الجبهة الوطنية وفي مقدمتهم سلطان أحمد عمر وجار الله عمر ويحيى الشامي ضد وقف إطلاق النار ” أنا كنت معارضا واعتبرت هذه نكسة خطيرة وأصبت بالإحباط ولكن واضح أن المنطق والحسابات المادية للمعركة عقليا كانت تقف إلى جانب عبد الفتاح إسماعيل والقيادة المدنية ، وأن البديل الوحيد لتجنب هزيمة عسكرية هو القبول بالضغط الدولي العربي لوقف إطلاق النار”ص85.
كان وقف إطلاق النار واتفاقية الكويت لصالح النظام في الشمال، فقد كان يحتاج إلى فسحة من الوقت، وبعدها تلقى دعما من دول الخليج بمئات الملايين من الدولارات، ورتب الجيش وأعاد تنظيمه، وبدأ بتصفية الجبهة الوطنية بعد ان حصل على الدعم العسكري من أمريكا وبعض الدول الأخرى بما في ذلك الاتحاد السوفيتي ، والذي أبلغ سفيرهم في عدن في لقائه مع جار الله عمر بـ”أن الاتحاد السوفيتي يعارض أي نوع من أنواع الصراع مع الجيش في الجمهورية العربية اليمنية، وتواصل الضغط السوفيتي على حكومة عدن كي توقف دعمها للجبهة الوطنية… ولم يكن الموقف داخل القيادة الجنوبية موحدا في هذا الموضوع، حيث هناك من يؤيد الموقف السوفيتي ويرى أن المطلوب بناء اشتراكية في الجنوب مثل المانيا” ص86.
اتفاق تعز 1982م:
” تضمن الاتفاق إطلاق المعتقلين من جانب الحكومة ومن جانبنا، وبقاءنا في المناطق واستمرار إصدار صحيفة “الأمل” في صنعاء والفصل بين قوات الجبهة وقوات الدولة، ونزع الأسلحة من المناطق وتوقف الجنوب عن الدعم. استغلت الحكومة هذا الاتفاق ولم تنفذه واستمرت بضرب الجبهة واعتقال المدنيين من أعضاء الحزب في صنعاء وتعز” ص98.
عملت الانقسامات داخل قيادة الحزب على إضعاف وتراجع الجبهة الوطنية/ إضافة إلى دخول الإسلاميين في الصراع، واستمرار الدعم الخليجي لعلي عبد الله صالح، كل ذلك أضعف الجبهة الوطنية، وجعل النظام في صنعاء لا ينفذ الاتفاق الذي بينه وبين قيادة الجبهة، بل وجد في الاتفاق فرصته في الاغتيالات وتوسيع الاعتقالات داخل صفوف الجبهة الوطنية، التي التزمت باتفاق صنعاء عام 1982م، وسلمت المناطق والسلاح الذي كان بحوزتها للنظام في صنعاء “أثناء تواجدنا في صنعاء تم استدراج الدكتور عبد السلام الدميني واثنين من أقاربه، أخيه وابن عمه، إلى الأمن الوطني، وقتلوهم خنقا في الليل ثم حملوا جثثهم ورموهم من رأس “نقيل يسلح” على أساس أنه حادث مروري بواسطة انقلاب سيارة، ولكن البعثة الصينية في المستشفى بذمار قالت إنهم ماتوا خنقا ولم يقع حادث سيارة. حصلت هذه الحادثة ونحن موجودون في صنعاء للتفاوض مع الحكومة. تأزم الموقف من جديد بيننا وبين النظام.
كنت والأخ يحيى الشامي موجودين في صنعاء والتعليمات تقضي بتصفيتنا أيضا نحن المفاوضين. وكان بعض قادة الجبهة قد بدؤا بالعودة إلى الشمال فتمت تصفيتهم عن طريق الاغتيالات.” ص98-99.
فيما يتعلق باستدراج الدكتور عبدالسلام الدميني أثناء التفاوض مع السلطة في صنعاء، يشير تضمينا القيادي في الحزب الاشتراكي/الشيخ يحيى منصور أبو اصبع، في مذكراته إلى أن الاستدراج تم بخيانة عضو الحزب عن الطليعة الشعبية غالب القمش، ,وان ضابطا ممن رفض المشاركة في المهمة في جهاز الأمن أخبرهم بذلك، ربما كان الضابط عضوا في الحزب، لأنني أكتب من الذاكرة، فمذكرات يحيى منصور أبو اصبع نشرت على حلقات في مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ولم يضمها كتاب بعد.
كانت الجبهة الوطنية الديمقراطية في عدن ترسل مقاتلين إلى جنوب لبنان ” وهنا أريد أن أقول نحن كنا نرسل مقاتلين من الجبهة الوطنية إلى جنوب لبنان بصورة دائمة. كانت لدينا أعداد كبيرة من المقاتلين في عدن ومنذ منتصف السبعينيات كنّا نرسل مقاتلين إلى جنوب لبنان حيث قاتلوا في العديد من المناطق بما فيها قلعة الشقيف والنبطية، إلخ” ص105.
نصيحة البطل التحرري الفيتنامي “جياب” لجار الله عمر:
“جياب” هو أبرز قادة التحرير في الثورة الفيتنامية، ثم وزيرا للدفاع، نصح جارالله عمر أثناء الاحتفال بمناسبة ذكرى الثورة الفيتنامية، وخلال الكفاح المسلح في المناطق الوسطى.
كان هناك نقاش في عدن حول إيقاف الحرب في الشمال أو عدم إيقافها.
قابل “جياب” قيادات الجبهة الوطنية، وحاول إقناعهم بان الحرب في اليمن تختلف عن حرب التحرير في فيتنام، فهانوي إمكانياتها كبيرة، وفيها غابات، ومدعومة من الصين والسوفيت،، أما عدن ففقيرة، والسوفيت والصين ليسوا مع الحرب في اليمن الحرب في فيتنام كانت حربا تحريرية ضد الولايات المتحدة، فيما هي في اليمن حربا أهلية.
يقول جار الله عمر “كم ظننت أنهم سيؤيدوننا من دون شرط وسيخبرنا جياب بأننا على حق. وللحقيقة أثّر كلام جياب والمناقشات مع المثقفين في العالم العربي والسوفيت كثيرا على أفكاري وعلى رأيي. وبالمناسبة، اثناء الصراع في المناطق الوسطى كان السفير السوفيتي يقابلني شهريا بل اسبوعيا في مكتبي يبذل الجهود كي نغير رأينا في هذه المسألة [إسقاط النظام في الشمال بالكفاح المسلح].”ص167.
طيلة حروب المناطق الوسطى لم تتغير وجهة نظر جار الله عمر في ضرورة إسقاط صنعاء عن طريق الكفاح المسلح، بل كان في هذه المسألة من الصقور الذين يتجاوزون موقف سلطان أحمد عمر تشددا في هذه المسألة.
متى حدث التغيير؟
من الواضح أن اتفقا تعز بين الرئيسين علي عبد الله صالح وعلي ناصر محمد عام 1982م هو الذي أحدث التغيير، وهو تغيير جاء في سياق التسليم، فقد تم التضحية بكوادر وقيادات ميدانية للجبهة الوطنية، قتلا واعتقالا وإخفاء، تم تسليم السلاح والمناطق التي كانت الجبهة مسيطرة عليها، وتسليم العشرات والمئات للمعتقلات والاغتيالات، سواء الذين عادوا من عدن بناء على اتفاق بين الرئيس علي عبد الله صالح والرئيس علي ناصر محمد، وتم استقبالهم في معتقلات صنعاء وتعز، أو من عاد إلى منطقته وسلم سلاحه، الجميع كان مصيره ما بين اعتقال وإخفاء وقتل واغتيال.
ومما يشكوا منه كوادر الجبهة الوطنية الذي قدموا كلفة هذا الاتفاق من دمائهم وأمنهم أنه في الوقت الذي كانوا فيه بالمعتقلات كانت هناك قيادات في الجبهة وحزب الوحدة الشعبية تجوب أوروبا وموسكو والصين إما سياحة أو تعيينا في السفارات!
لقد كانت الجبهة الإسلامية المتحالفة مع النظام في صنعاء أشد تطرفا في قيامها بالاختطافات والإخفاء والقتل والاغتيال بما يتنافى مع بنود الاتفاق بين الجبهة والنظام في صنعاء.
كان نظام صنعاء يتحاور مع جار الله , وأحمد علي السلامي ويحيى الشامي، وكان الإسلاميون يرتبون لاغتيالهم بذات الطريقة التي تم بها اغتيال الدكتور عبد السلام الدميني وأخيه وابن عمه، أي اختطافهم وخنقهم داخل جهاز الأمن الوطني، أداتهم في الاعتقال والإخفاء والقتل. وهو قبل ذلك وبعده جهاز السلطة في صنعاء برؤوس ثعابينها المتعددة.
هنا تدخل علي ناصر محمد واتصل بالرئيس علي عبد الله صالح مطالبا بعودة جار الله ويحيى الشامي، وإصراره على سلامتنا وعودتنا إلى عدن.
الوحدة أيديولوجية الحزب الاشتراكي:
يُفَنِّد وينفي جار الله عمر ما يطرحه البعض من أن الوحدة كانت بالنسبة للحزب الاشتراكي هروبا وضرورة حتمتها التحولات في المعسكر الشرقي والاتحاد السوفيتي، فالمعسكر الاشتراكي كان على وشك الانهيار. ينفي جار الله هذا التفسير، ويراه ضمن الإشاعات التي تستهدف العقيدة الوحدوية للحزب. فالحزب الاشتراكي هو صانع السلطة في الجنوب ولم تصنعه السلطة كالمؤتمر الشعبي العام، وهو نشا وحدويا، وكان نضاله في مواجهة دعاة “الجنوب العربي” كالرابطة وغيرها، الوحدة في مسار الأحزاب والفصائل التي شكلت الحزب الاشتراكي “بمثابة ايديولوجية واستخدمت الأحزاب التي أنشأت الحزب الاشتراكي الوحدة في صراعها مع الآخرين. على سبيل المثال، أسقطت الجبهة القومية في الجنوب الأحزاب المنافسة لها كـ”رابطة أبناء الجنوب” و”جبهة تحرير الجنوب العربي المحتل” باسم الوحدة اليمنية. وقد رفعت الجبهة القومية شعار الجنوب اليمني فيما أولئك قالوا بالجنوب العربي. ثم الصراع السياسي بين الشمال والجنوب كانت الوحدة سلاح الحزب الأساسي التي استخدمت في حربه مع الشمال، لكنه سُلِب منه هذا السلاح، في حرب 1994. لتلك الأسباب أراد الحزب بعد حرب العام 1979 تحقيق الوحدة الفورية. وبالطبع كان الحزب يعتبر نفسه ممثلا للقوة العسكرية النامية للأيديولوجية المعاصرة.” ص168-169.
أحداث 13يناير وما سبقها من صراع:
في سرده لأحداث 31يناير وما سبقها يرى جار الله أن الصراع على السلطة كان هو العامل الرئيسي الذي أدى إلى مقتلة 13يناير 1986، ,انه وصالح مصلح وحيدر أبو بكر العطاس كانوا يمثلون طرفا ثالثا، لكن العطاس تغير موقفه في الأخير، وصالح مصلح كذلك، فهم لم ينحازوا إلى علي عنتر وعبد الفتاح إسماعيل إلاّ كأمر واقع، مع تدافع الأحداث والصراعات التي كانت لاحقة للمؤتمر العام الثالث المنعقد عام 1985. والذي أفضى إلى توازن حرب داخل الحزب، مما جعل طرف علي عنتر وعبد الفتاح إسماعيل يحرصان على المطالبة بانتزاع الدائرة التنظيمية في اللجنة المركزية، والمطالبة بانتزاع الدائرة التنظيمية لعبد الفتاح إسماعيل بدلا عن أبو بكر باذيب المصطف مع علي ناصر محمد.
لم يكن علي ناصر يريد قتل صالح مصلح، كما يروي ذلك جار الله عمر ويوثقه علي ناصر محمد في كتابه “ذاكرة وطن” لقد بذل محمد علي أحمد جهده يوم12يناير لإثناء صالح مصلح عن حضور اجتماع المجلس السياسي، لكن الأخير حضر الاجتماع فكان قتله مع علي عنتر وشايع هادي ” وقد أكد عبد الغني عبد القادر فيما بعد أنهم لم يكونوا يفكرون بقتل صالح مصلح، وهذا ما أكده أيضا محمد علي أحمد”ص120.
كانت أحداث 13ينايروقبله قتل سالم ربيع علي نتاجا طبيعيا لغياب الديمقراطية، فالتغيير دوما يكون إما بقرارات قيادة الحزب او بالعنف، وفي أحداث 13يناير يلخصها جار الله بنقطتين :”الأولى كيفية إدارة الصلاحيات والسلطة بالإضافة إلى حالة من انعدام الثقة بين الطرفين… والثانية تمثلت في الاختلاف الأيديولوجي حيث تكوّن تيار يساري داخل الحزب يعارض سياسة الانفتاح الداخلية والخارجية التي يمارسها الرئيس علي ناصر محمد على اعتبار أنها أدت إلى فتح المجال أمام عودة البرجوازية وأثرت في الطهارة الثورية لمناضلي الحزب”.
وفي شهادته عن مقتل عبد الفتاح إسماعيل نفى أن يكون علي سالم البيض هو من قتل عبد الفتاح، ثم رجح أنه قُتل داخل الدبابة، وفقا لتقرير اللجنة المشكلة برئاسة السيلي بعد أحداث 13يناير، في حين أن علي ناصر محمد يؤكد في كتابه “ذاكرة وطن” أن من قتل عبد الفتاح إسماعيل هو علي سالم البيض من خلال صاحبه “سعيد صالح”
في موضوع مقتل عبد الفتاح إسماعيل لجأ جار الله عمر إلى صياغة نثر شعري، وليس توثيقا لحدث وجريمة، قفز على الجريمة متحدثا عن أسطورية موت عبد الفتاح، وانه موت تراجيدي :” هناك من يقول إنه هو؛ أي علي سالم البيض ، الذي قتل عبد الفتاح. وهذا غير صحيح، فعبد الفتاح لم يعثر له على أثر، وكان تقدير اللجنة التي تم تشكيلها أنه احترق في الدبابة التي أحرقت بالبترول بين اللجنة المركزية ووزارة الدفاع والبحرية في منطقة التواهي، لكن الشائعات التي أطلقت فيما بعد كثرتْ، بأنه غاب، وهو مات موتا تراجيديا ، موتا مثيرا، موتا أسطوريا وهذا يتفق مع شخصية عبد الفتاح، والأرجح أنه قتل في الدبابة، كما قالت اللجنة التي حققت في الموضوع وقالت إنه احترق مع الدبابة، وبانفجار الذخائر في المكان المذكور” ص128.
في لقاء مع فضائية “العربية” قبل اسابيع ينسب حيدر أبوبكر العطاس قتل عبد الفتاح إسماعيل لعلي سالم البيض. الجديد في رواية حيدر أبو بكر العطاس أنه يرويها من موقع الطرف المنتصر، فقد كان رئيسا لمجلس الشعب، أي رئيسا للدولة بعد أحداث 13يناير.
بحسب حيدر أبو بكر العطاس فإن سبب قتل علي سالم البيض لعبد الفتاح كان السباق على من سيوقع اتفاقية الوحدة، وهو تفسير غير منطقي، فالقتل كان في سياق الصراع على السلطة.
تصفية عبد الفتاح إسماعيل في أحداث 13يناير 1986م، ثم تصفية السلاح السوفيتي والبنية التحتية لذلك السلاح، فيما بعد حرب 1994، واغتيال الكادر الحزبي المدني والعسكري طيلة الفترة 1990-1993، يعطينا سببا آخر لاغتيال عبد الفتاح إسماعيل، وانه يأتي ضمن هذه الخطوات التي رعتها الولايات المتحدة وليس خارجها. لقد كان اغتيال عبد الفتاح ضمن مسار التخلص من تركة اليسار، ايديولوجيا وعسكريا واجتماعيا، لقد كان عبد الفتاح إسماعيل نموذجا عقائديا نصوصيا بالتزامه للماركسية اللينينية، لقد كان مؤمنا، والمؤمن يردد المقولات بعقيدة وتسليم، وكان علي ناصر محمد ببداوة وحنكة يعي حيل السياسة ويبدعها، الإيمان أعمى والبداوة مبصرة بحذاقة نفعية وانتهازية لا ترعوي عن الوصول غلى غاياتها بالدم. من هنا حاول علي ناصر محمد توظيف التحولات الدولية لصالحه، فاتجه نحو الاتفاق مع الرئيس علي عبد الله صالح بتعز عام 1982، ولو كان في اتفاقه تسليم وتفكيك الجبهة الوطنية، واتجه إقليميا نحو السعودية ودول الخليج، ودوليا نحو الولايات المتحدة…
يستخلص جار الله من احداث 13يناير 1986 وحرب 1994 فيقول بأنها صراعات على السلطة “تمت تحت شعارات مقدسة، شعارات كبيرة: الانتصار لليسار عام 1986هو انتصار لقضية الحزب، والانتصار في 1994 تم باسم قضية الوحدة.
والطرف المنتصر يتوهم أنه منتصر وهو مهزوم. لكنه يرفض المصالحة والتصحيح. ولا سماع لصوت العقل، لا سماع للآخر”ص133.
أحداث 13يناير أحدثت هزة نفسية لجار الله وجعلته يتحرر من فكرة المركز الاشتراكي الذي يفكر لك من روسيا. لكنه وهو يتحرر كان يسير على خُطا جورباتشوف؛ أي على طريقة “البروسترويكا” و “الجلاصنست” “المكاشفة” و “وإعادة البنا” “كنت اعتقد أن هذا بديهي. ان الآخرين يفكرون للعالم وأن موسكو هي مركز تفكير العالم الثوري، وان هذا أمر بديهي وأن لهذه الأممية رأسا. كنّا نفكر هكذا وأحيانا نتباين. ولكن في السياق العام كانت هذه الفكرة مقبولة. وعندما أتى غورباتشوف بدأنا نفكر نحن في السياق العام.
لكن نحن كنا شيئا مختلفا. حصل عندنا أحداث لم يحصل مثلها روسيا. فنحن نمتلك خصوصية. بعد غورباتشوف بدأ السوفيت يتصرفون بشكل مختلف: نحن لدينا مشكلاتنا وانتم لديكم مشكلاتكم. وأنّ هذا الذي تعتقدونه مركز العالم الثوري المحض، الذي هو موسكو، مركز قيادة العالم، وانه عالم مثالي، لديه مشكلات كثيرة أنتم لا تعلمونها. قوموا بحل مشكلاتكم.” ص133.
كانت البروسترويكا والجلاصنست، إعادة البناء والمكاشفة لدى جورباتشوف محفزة لجار الله كي يبدع تصوره عن إعادة بناء الحزب وأزمة السلطة في اليمن، أي أعادة بناء للفكر السياسي في اليمن، من خلال تقديم تصورات نقدية تقوم على استقراء للمسار والأحداث، واجتراح حلول وطرق جديدة للتغيير السلمي من خلال الديمقراطية، دون عنف السلطة وفوقيتها. إذ كيف تعارض الاستبداد في الشمال وتنحاز لسلطة الحزب الواحد وممارساته! هكذا بدأ يتساءل جار الله، يقف مكاشفا إزاء هذه التناقضات، بحثنا عن إمكانية البناء. وبالتالي توجه نحو التفكير والممارسة الديمقراطية والتنمية، وبتصورات أساسها التعددية في السياسة والاقتصاد، والمكاشفة والنقد في الفكر والممارسة.
التحرر من شيطنة البرجوازية، وبالتالي التفكير في أهميتها وضروريتها في إحداث التنمية في السياسة والاقتصاد والثقافة، وهو التوجه الذي كان سلطان احمد عمر قد أسهم فيه طيلة أعوام أواخر الثمانينيات وحتى وفاته عام 1993م، من خلال حواراته ومقالاته، بما في ذلك حواراته مع الرأسمالية والبيوتات الصناعية والتجارية بصنعاء وتعز أثناء وبعد التوقيع على اتفاقية الوحدة 1989. وكذلك سار على هذا الدرب يحيى الشامي.