- عبده المحبشي
ثلاث سنوات وأنا في الغربة أو بمعنى أصح في المنفى، لم يتبقى من اكتمالها سوى ثلاثة أشهر بالتمام والكمال.
ثلاث سنوات خارج الوطن بعيد عن الأهل والعائلة والسكن.
لم أستطيع العودة إلى اليمن أبًدا لذات الأسباب التي وقع فيه الضحية عبدالملك السنباني وغيره الكثير والكثير من ابناء الوطن، لا أدري أي نقطة تفتيش سأقع ضحيتها هذه المرة، وايُّ قُطاع طرق سأكون فريسةً ولقمةً سائغةً لهم، لا أعلم ما الذي ينتظرني في طريقي أو عند وصولي مطار عدن أو خلال رحلتي البرية إذا ما قررت العودةِ برًا في الشمال أو الجنوب.
والقصة: أن حادثة السنباني أعادة بذاكرتي التي لن تنسى اصلًا إلى الوراء وقد اشرت إليها بمنشورات سابقة، وكم كنت أتمنى أن اظهر اليوم بمقطع ڨيديو أو بث مباشر لأتحدث عن رأييّ في الحادثة.
ولكن دعوني استعرض جانبًا من فترة مغادرتي صنعاء، اواخر 2018م. وتلك المعاناة التي وقعت فيها.
أثناء مروري بنقطة التفتيش التابعة لسلطات مارب، انزلني قائد النقطة أنا وحقيبتي، بعد مصادرة جوالي وجواز سفري، بينما ترك الرحلة تمضى في سبيلها.
تم ايقافي واستجوابي في غرفته لأكثر من ساعتين تقريبًا، وبعدها تم احتجازي في غرفة مظلمة، قضيت فيها اسوء ليلةٍ مرعبة في حياتي، لم تكن ليلة بل جحيمًا وكابوسًا مزعجًا للغاية.
في اليوم التالي تمام التاسعة صباحًا تقريبًا أو العاشرةلا أتذكر اخذني طقم المسلحين التابع للنقطة، إلى مديرية الأمن في مأرب.
ادخلوني سجن المديرية، وسط ذهول مني ظللت محتفظًا بهدوئي، مع انعدام الشعور أو كأنني في حلم أو علم كما يقال، لعليّ أجد تفسيرًا لما حل بي وما سيحل بمصيري، لم اتمكن من فعل شيء، لحظات صادمة وحرجة.
لم يسبق لي من قبل ان جرتني الأيادي بتلك الطريقة في أي مكان فضلًا أن تسحبني إلى السجون أو المحاكم والنيابات، ولم يسبق ان امسكت يدي عصابات البطش تقودني إلى اوكارها وزنازينها أو دهاليزها.
عشت لحظات من اللاوعي، فأنا أجد نفسي كغيري من بني البشر لستُ أهلًا لذلك الذل والهوان الذي تعرضتُ له، أو النزول إلى ذلك المستوى وتلك الحقارة والنذالة، لم اتخيل يوم من الأيام أجدني سجينًا أو محتجزًا ضمن مجموعة من مرتكبي الجرائم والعِصابات وأصحاب السوابق.
مع هذا وذاك شعرتُ أنني ربما كنت أكثر الناس حظًا في المعاملة والنجاة..واليوم وبهذه المناسبة أريد أن أعيد الإعتبار لنفسي بنفسي، لأنني تأذيت كثيرًا في ظل سكوتي وصمتي، والحفاظ على من تسبب في اذيتي، سواء من نفسي أو من الأشخاص و المسؤولين في جهاز الدولة الوزاري والإداري والأمني..ومازال لدي الكثير لاكتبه وأقوله في حقي.
القصة: تطول وحكاياتها لا تنتهي، جعلتني اعيش في التيه أو ما يشبه الضياع، جعلت مني مريضًا نفسيًا، يعيش في ارتباك وشتات وتبعثر، رغم مهاراتي التي امتلكها، وشخصيتي العاقلة والرزينة كما اسميها، وتوفر الفرص من حولي التي من شأنها أن تحول حياتي إلى الأجمل والأفضل أو على الأقل تمنحني الشعور بالإستقرار والآمان، وراحة البال.
اليوم وبعد هذه المدة الطويلة وصلت لمرحلة قابعُ فيها لم اتحرك ولو لخطوة واحدة، سوىٰ ما ترونه امامكم، من كتابات ومنشورات علها تخفف حِدة الألم والوجع الذي يخيم على رأسي، لم يتغير شيء من حولي ولم يتحرك بشرٍ لأجلي وهذا لا يقلقني، ما يقلقني ويزعجني هو أن الحادثة وأحداث سابقة تركت في روحي منذ ذلك الحين وإلى اليوم جروحًا عميقةً يصعب علاجها أو التخلص منه، ولعلكم تلاحظون ذلك في أغلب كتاباتي ومنشوراتي.
والحقيقة: أنني لا اتوهم أو اتخيل أنا أعيش واقعي وحدي، واقعي الذي وجدت نفسي اسيرًا له ووحيدًا فيه.
أنا بشر أفرح واحزن انجح وافشل، لديّ إحساس ومشاعر والخوف الذي انتابني منذ تلك الفترة وما قبلها ما عادَ يفارقني، لم أعد أريد أن يصنع مني الألم شخصًا عظيمًا ابدًا، أريده أن يرحل، أن يتركني ويرحل، أو أن يعيدني كما كنت سابقًا.
إن ما جعلني أكثر حزنًا وألم، هو مشاهدتي لكثير من المغتربين من حولي يحالفهم الحظ بالعودة إلى منازلهم واوطانهم يمضون في طريقهم من وإلى السعودية ومصر والأردن والخليج وغيرها من الدول بصورة طبيعية رغم الصعوبات التي تواجههم، أشعر بعودتهم وفرحتهم وسعادة عائلاتهم واطفالهم وأفرح كثيرًا لأجلهم، وفي الوقت نفسه اشفق على نفسي وحالي، وأشعر بالحزن والبكاء حين أرى الكثير من اليمنيين العالقين في مختلف منافذ ومطارات العالم، اشفق عليهم واترحم لهم حين اراهم يُذبحون ويُقتلون في طريق وصولهم إلى ديارهم، وممن من أبناء جلدتهم.
اقف واتراجع قليلًا، أفضّل البقاء في المهجر واتحمل الوجع والألم، لأنني اخشى أن يحدث لي ما حدث ويحدث لهم، وآخرها ما حصل من جريمة بشعة بحق السنباني، ولا يسعني إلا أن اعلن تضامني مع نفسي، ومع المشردين أمثالي، كما اعلن تضامني مع قضية المقتول غدرًا عبدالملك السنباني
شهيد السفر والعودة إلى الوطن.