- نجلاء القصيص
بدأتْ في إعدادِ الخبز، وأباريقِ الشاي الساخنة، الذينِ تسللتْ رائحتُهُما لتصلَ إلى آخرِ الشارع.
نظرتْ من النافذةِ إلى البعيد، حيث الشمس بدأتْ من توّها تغسلُ المدينةَ من نومِ البارحة.
استيقظَ في نفسِها بركانُ أوجاعِها الأزليّ.
ماضيها، وأحداثه التي لا تفارقها.
رغمًا عنها تسحبُها الذكرياتُ إلى عمقِ الألمِ، وتتركُها تصارعُ سقوطَها بضعف. فهي عاجزةٌ كشجرةٍ تعرّتْ من أوراقِها في خريفٍ معتم.
اختفتْ قوّتُها مع أولِ إشاعةٍ لاكتها ثرثرةُ النساءِ في مجالسهنّ، وبعينٍ دامعةٍ انهارَ صوتُها ليبتلعَها الخوفُ، فتنهال سياطُ الظُّلْمِ عليها من لسانِ والدها:
المرأة زوجها أو قبرها.
فمن العار (كما يقولون) أنْ تنسلخَ عن ظِلّ رجلٍ أشبعَها ذُلًّا، وأدمى جسدها ضربًا.
هربتْ إلى الصمتِ في عينِ والدتها حاسمةً أمرَها بأنْ تثأرَ لكرامتها.
عادتْ للحظاتِ الشروقِ مع صوتِ السجيناتِ وهنَّ يطلبنَ المزيدَ من الخبزِ السّاخن…