حكاية فيها الكثير من البوح وقدر من التحيزات
- كتب: محمد ناجي أحمد
العمالقة وأبو حورية والسحرة:
في عام 1973م تم تعيين “ابو حورية” قائدا للقطاع العسكري في قعطبة وعاملا؛ أي مدير مديرية.
ولأن القعطبيين “ميالون في الأغلب إلى المدنية، وينصب اهتمامهم على أعمالهم (تجارة، زراعة وحرف ومهن مختلفة) لهذا فقد كان موقف ضباط العمالقة من السحر والمس و”الربط” أقرب إلى عدم الإيمان بها، فعندما قام “أبو حورية” بحبس من يمارسون السحر “حين قمنا بتوقيف من اعترفوا أمام الحضور (وأهمهم الحاكم الشرعي) وثبت ضلوعهم بممارستهم لأعمال السحر واحتجزناهم في الدار التي نتخذ منها مقرا لقيادة القطاع العسكري ولـ(العامل) معا إلى أن يصدر حكما شرعيا بحقهم … لم يلق توجهنا هذا هوى بنفوس الضباط في اللوائين من العمالقة الذين يتبعان للقطاع فتدخلوا لحماية السحرة وإطلاقهم من مكان احتجازهم” صـ176.
يبدو لي ان ضباط قوات العمالقة بقيادة عبد الله الحمدي ما كانوا يومنون بالسحر والمس والربط؛ أي أنهم لم يكونوا يعتقدون بقوة خارقة تتحكم بمصير الناس، في حين أن “أبو حورية” بثقافته ومعتقداته الشعبية والدينية كان مؤمنا بالسحر والسحرة، وقدرتهم على تحديد أقدار الناس ومصائرهم، لقد صور لنا في كتابه هذا أنه كان يحمي الناس من السحرة والسحر، فيما ضباط العمالقة يحمونهم لمصلحة مشتركة بينهم! صـ173-176.
وهم الأنساب:
الكثيرون في اليمن يعيشون داخل النسق البدوي في تفكيرهم ومعاشهم، ولهذا تأخذ الأنساب حيزا كبيرا من اهتمامهم، و “أبو حورية” كغيره يخضع لهذا النسق الاجتماعي.
من هنا يأتي اهتمامه بمسألة “الجذور” فهو ينفي انتماءه للهاشمية والمسيدة، مؤكدا بأنه ينتمي إلى قبائل عرب، وكلمة عرب كانت مرادفة في التعريف للقبائل اليمنية، ففي القرون الماضية وإلى عقود عديدة من القرن العشرين كانت القبائل اليمنية تعرف نفسها بـ”العرب” فعلى سبيل المثال فإن أول تعداد سكاني في مدينة عدن في عهد الاستعمار كان يحدد سكان عدن بـ:
الهنود، الصومال، والعرب، المصريين، الشوام، الأوروبيين.
والمقصود بالعرب اليمنيون.
يؤكد “أبو حورية” بأنه قحطاني حميري وليس بهاشمي، وأن الرئيس علي عبد الله صالح هو من بدأ يشيع في السنوات الأخيرة بأن “أبو حورية” هاشمي، “وبدأ يشيع ويروج منذ أعوام بين “حوارييه” وبطانته وأصحاب الحاجات المترددين عليه (لفكرة أن آل أبو حورية أصلهم سادة-يعني من الهاشميين) … فقد فوجئت به في الآونة الأخيرة يرسل أفرادا من الهاشميين إليَّ بدعوى أنني هاشمي مثلهم، وآخر من جاءني (حتى الآن) منهم شخص اسمه (عبد الغني حُورية) من صعدة، أخبرني بأنه مرسل من علي عبد الله صالح، وان الأخير قال له: روح عند ابن عمك. وذكر له اسمي، فقلت للأخ عبد الغني أنتم هاشميون ونسبكم يعود إلى السيدة (حُورية) ابنة الإمام الهادي، وأصولكم من صعدة، ونحن قبائل عرب، ومن العيب أن أتنكر لأصلي العربي، وأدعي نسبا غير نسبي! فلم يقتنع بما قلته له وما زال يتردد عليّ من حين لآخر.” صـ19-21.
كان ما أشاعه الرئيس علي عبد الله صالح عن هاشمية “ابو حورية” دافعا للأخير للبحث والتقصي في شأن نسبه، والبحث عن الجذور في الوثائق القديمة حسب قوله، ومن ذلك البحث وجد أن جده كان يعرف حتى سنة (1010هـ) بلقب (ابو عشال) ومن سنة 1077 وحتى سنة 1081هـ عرفنا بلقب (الحاج) ومن سنة 1081هـ وحتى الآن حملنا لقب(أبو حورية) ص21-22.
هذه الدقة في التقصي تجعلني أعود إلى ما كتبته في كتابي “المذكرات السياسية في اليمن” عن ذكريات “حسين علي الحبيشي” في جزئه الثاني من محطاته، حين التقاه علي عبد الله صالح أول مرة في رحلة إلى باريس وتونس، مرافقين للرئيس إبراهيم الحمدي، يقول حسين الحبيشي عن صالح “لم يفتأ طوال الرحلة عن توجيه الأسئلة للمعرفة” ويصفه بالمتفرس والقائد العسكري(حينذاك لمنطقة تعز)؛ المتفرس الذي “أراد أن يمتحنني فسألني من أي مناطق حبيش جاء والدي، فأخطأت وقلت: ميتمة بدلا من أريمة، فابتسم غير مصدق. وتلك الواقعة تذكرني بسؤال القاضي الإرياني : كم عمرك؟ فأجبت ولدت في 4-3-1937م، فعلق ضاحكا :هذه هي الدقة في عدم الصدق”.
طموح الغشمي وحكاية زامل:
يروي المؤلف حكاية عن علي محمد أبو لحوم يؤكد من خلاله مدى ثقة الغشمي وطموحه واعتداده بنفسه، أن رجلا رفع إلى الغشمي بمذكرة صدرها بالآتي :
الأخ المقدم أحمد حسين الغشمي
رئيس هيئة تطوير تعاون همدان
شيخ مشائخ همدان
رئيس هيئة الأركان العامة
فكان رد الغشمي مذيلا بالآتي:
أخوكم مقدم أحمد حسين الغشمي
شيخ مشائخ همدان
رئيس هيئة الأركان العامة
رئيس هيئة تطوير تعاون همدان
رئيس الجمهورية العربية اليمنية
ويعلق أبو لحوم :كنا نستهين به، ونستكثر عليه الموقع الذي كان يعتليه، وإذا به طامح متطلع لما هو أكبر!. صـ181-182.
كان الغشمي في كل مناسبة يحرص على أن يكون كبيرا، ففي صرفياته وعطائه كان يمنح الآخرين أموالا أكثر مما يمنحهم الرئيس إبراهيم الحمدي. وفي مناسبة تزويجه لأخيه عبد الله وابن أخيه (شيخ همدان حاليا) علي محمد الغشمي أقام عرسا غير مسبوق في ضِلاع، حرص فيه على دعوة كبار رجال الدولة، عسكريين ومدنيين، ووجاهات اجتماعية وقبلية ومن بعض الأقطار العربية، وقد شاركت سنحان بزامل من تأليف أحمد إسماعيل أبو حورية، يقول فيه:
قال بدَّاع رِبعِه كُل متزمِّل
يا شوامخ غدت بالعز مرهونة
والمعلم لشعبه صار متجمل
عزها مرتبط بالمجد مقرونة
وكان أبرز المتفاعلين المزوملين من سنحان في ذلك الموقف، علي عبد الله صالح، وأحمد فرج، ومحمد العتمي قائد سلاح المدفعية.
ويبدو أن الزامل قد لاقى هوى في وجدان الحمدي أو مس وترا حساسا لديه، فاستفسر في المقيل عن مؤلف الزامل، فادعى محمد العتمي أنه صاحبه! صـ182-183.
المعروف أن علاقة علي عبد الله صالح بأحمد حسين الغشمي كانت قوية منذ بداية سبعينيات القرن العشرين، بل إن الشيخ يحيى منصور أبو اصبع في مذكراته التي نشرها بحلقات في مواقع التواصل الاجتماعي عن “عبد الوارث عبد الكريم والرئيس أحمد الغشمي” يروي لنا بأن الغشمي كان يحب علي عبد الله صالح ويفضله ويراه اقرب إليه من أشقائه. لهذا لا عجب أن يكون تفاعله وزوملته أكثر حماسا من الآخرين.
زامل حيد الطِّيال:
نسب البعض زامل “حيد الطيال…” إلى الشيخ ناجي الغادر، لأن الغادر استشهد به عند لقاء وفد من الملكيين والجمهوريين، وهنا التبس على الكثيرين صاحب الزامل فنسبوه للغادر.
والمؤلف هنا يعيد نسبة الزامل إلى الشاعر ناصر أحمد الفقيه ” فالشاعر ناصر أحمد الفقيه عُرف شاعرا مدراكا سريع البديهة حاد الذكاء، وهو صاحب الزامل المشهور الذي نسبه البعض لآخرين فيما هو للشاعر الفقيه، وأقصد هنا الزامل الذي يقول فيه:
حَيْد الطِّيال اعْلَنْ وجاوب كلِّ شامخ في اليمن
ما با نِجَمْهرْ قط لو نِفْنى من الدنيا خَلاصْ
لو يرجع امس اليوم ولاَّ الشمس تِشْرقْ من عدن
والأرض تِشْعِلْ نار وامزان السَّما تِمْطِرْ رَصاصْ
وقد ظل الشاعر الفقيه على ملكيته، فحين طلب الرئيس علي عبد الله صالح من “أبو حورية” أن يتصل بالشاعر ناصر أحمد الفقيه ليشارك الأخير في أحد احتفالات عيد 26سبتمبر، لكنه رفض، وقد كان سنه آنذاك ما بين(75-80) عاما، وأصر “إصرارا عجيبا على عدم قبوله بأن يقول شعرا يمتدح فيه الثورة والجمهورية، أيا كان العائد المادي أو المعنوي الذي سيناله نظير ذلك (على الرغم من ضيق ذات يده وحالة العوز والفقر التي يعيشها) إلاَّ أنه كان ثابتا في موقفه وراض عما يتخذه ويراه صوابا…” صـ701-702.