حكاية فيها الكثير من البوح وقدر من التحيزات
- كتب: محمد أحمد ناجي
كان أفق توقعي قبل قراءتي للكتاب أن المؤلف سينحاز كليا لعلي محسن، بحكم الزمالة منذ أن كانا يقاتلان معا في الصف الملكي ستينيات القرن العشرين، في مواجهة الثورة والجمهورية، لكن الكتاب خالف توقعاتي، فباستثناء شهادته لعلي محسن بأنه كان مقاتلا في الصف الجمهوري، وهو ما لم يكن، فقد حرص المؤلف على أن يكون وسطيا محايدا، ومنصفا وعادلا أحايين، في سرده وشهاداته ومشاهداته لمحطات سياسية عديدة، وصولا إلى تفجر الصراع بين “عيال الأحمر” و”علي محسن” كطرف في مواجهة الرئيس علي عبد الله صالح، حين طالبوا واصطفوا جميعا منذ ما بعد ما سمي بجمعة الكرامة، ملتحقين بحليفهم الأيديولوجي والتنظيمي الإخوان المسلمين، متبنين شعار “الشعب يريد إسقاط الرئيس” و “ارحل يا علي، الكرسي تحتك ذحّل”.
لقد تمسكوا بالنظام ودستوره، وطالبوا بإسقاط “الرئيس” الذي كان “مظلة”، و”راقصا على رؤوس الثعابين”.
الكتاب من وجهة نظري مهم في توثيقه ووثائقه، وفي مشاهداته، وشواهده، بل إن تميزه بالجمع بين ثقافة المجتمع القبلي والسياسي والأدب الشعبي، ممزوجا بثقافة بحثية، نجد فيها أصابع الدكتور حمود العودي واضحة ، في مراجعه الدراسية، وأرضيته الاجتماعية.
المذكرات السياسية بطبيعتها وبنيتها السردية تنطلق من الذات العالمة والمتحكمة والموجهة للحكايات والمسيطرة على الأحداث، تلك طبيعة المذكرات السياسية والسير الذاتية، إلاَّ أن هذا الكتاب متخفف من التضخم في الادعاءات، فهو ذاكرة وكتاب في السياسة والاجتماع والمعرفة في آن…
كان أبو حورية في الصف الملكي، وقاتل معها ضد الجمهورية والثورة طيلة سبع سنوات، وبعد انضمام الفريق قاسم منصر للصف الجمهوري عام 1968م بدأ موسم الهجرة نحو ضفة الجمهورية، فكانت التسوية والمصالحة الملكية /الجمهورية في مايو 1970م، وما سبقها من خطوات في عام 1969، وفي مارس 1970م-استعادة لفكرة “الدولة الإسلامية” أو “جمهورية المشيخ” كتحالف لقوى المشيخ وكبار الضباط والإخوان المسلمين وحزب البعث، تلك التي رسمت خارطة الطريق للجمهورية العربية اليمنية، ثم الجمهورية اليمنية، باستثناء ثلاث سنوات وأربعة اشهر، كانت سنوات استعادة للمسار الثوري السبتمبري، متجهة نحو التنمية والسيادة والقرار الوطني المستقل والسعي بخطى حثيثة لاستعادة اليمن الواحد والوحدوي.
يحكي المؤلف قصة مركز “منارات” وتأسيسه من عشرات الشخصيات اليمنية، فقد كان المركز حلما تبناه المؤلف، رغبة منه أن يكون مركزا للدراسات التاريخية واستشراف المستقبل، وقد ترأس “المؤلف” مجلس إدارة المركز، وسعى وغيره من المؤسسين لإقناع علي محسن أن يكون رئيسا فخريا، إلاّ أن الأخير رفض الرئاسة، واستمر كأكبر داعم مادي ومعنوي للمركز. ومع ذلك فإن “أبو حورية” ينفي تبعية سياسة المركز لعلي محسن، ويشير إلى أن الرئيس علي عبد الله صالح، وجه رئيس الوزراء علي مجوَّر في العام الثاني من تأسيس مركز “منارات” عام 2008م باعتماد 25مليون ريال سنويا دعما للمركز.
وساطات أبو حورية ورغبته في لملمة رؤوس الثعابين و مظلتهم:
في تاريخ الأربعاء يناير 2012 حمل “ابو حورية” رسالة للواء علي محسن من الرئيس علي عبد الله صالح، طالبه فيها الأخير بتسليم المشاركين بحادث التفجير في دار الرئاسة، والذي ذهب ضحيته عدد من المسئولين والضباط، وفي مقدمتهم عبد العزيز عبد الغني، واحترق الرئيس صالح بحروقات مميتة، تم إسعافه إلى الملكة السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية ليستعيد ويواصل دوره في الصراع السياسي، الذي انتهى بقتله في 4 ديسمبر 2017 على يد الحوثيين. فما عجز عنه علي محسن وعيال الأحمر والإخوان المسلمين أنجزه لهم الحوثيون…
لقد تم اختيار العناصر المتهمة بتفجير دار الرئاسة من كوادر الإخوان المسلمين بحيث يمثلون عديد جغرافيات وقُبَل يمنية: “محمد حزام الغادر” من عيال سريح ، عمران، و “عبد الرحمن عبده الوشاح” من المحويت، وفضل صالح ذيبان” من رداع، ولبيب مدهش علي حزام من تعز، ومحمد أحمد علوان من تعز. صـ398-399.
يبدو أن “الإخوان المسلمين” كانوا أكثر تطرفا داخل مكونات التجمع اليمني للإصلاح، والتي تشمل عيال الأحمر وعلي محسن وكبار التجار والضباط…
ليس فقط بما يتعلق بانتماء المتهمين بحادث التفجير، وإنما كذلك من خلال التصريحات والآراء داخل قيادات “اللقاء المشترك”.
ففي لقاء بين لجنة الوساطة ومنهم “أبو حورية” و “اللقاء المشترك” بحضور صادق الأحمر، قبل انضمامه لساحة التغيير، قال محمد قحطان بالنص الحرفي: ” علي عبد الله صالح طالق طالق طالق. فرد عليه (صادق) بلهجة زاجرة : يا قحطان ما أحد يطلق إلاّ مرته عند حاكم شرعي، وبعد تداول الآراء واخذ ورد انتهى على أن نواصل عصرا. وبالفعل التقينا عصرا في بيت حميد الأحمر، كان عدد الحضور أكثر ممن شاركوا في حضور اللقاء صباحا إذ كان عدد من حضروا عصرا لا يقل عن ثمانين شخصا جلهم من كبار (الإصلاحيين)، وقد تحدث عدد غير قليل من الحاضرين، فجاءت أحاديث البعض عقلانية، موضوعية متزنة _(ياسين سعيد نعمان كمثال)، فيما البعض جاءت أحاديثه نزقة، طائشة، متطرفة، متجاوزة كل المحاذير والخطوط الحمر (قحطان، صخر الوجيه، علي عبد ربه القاضي كمثال) وأبعد من هؤلاء في الشطط والشخصنة حميد الأحمر، فقد أسمع الحضور كلاما بحق وفي شخص الرئيس مسيئا لقائله دون أن ينال ممن فيه شيئا فيصدق عنه القول الشعبي (من فمه إلى لحيته)” صـ416.
وفيما يتعلق بوساطة “ابو حورية” و “غالب القمش” وآخرين، حين احتد الصراع بين الرئيس علي عبد الله صالح من جهة وعيال الأحمر من جهة ثانية، بما عرف بأحداث الحصبة، يقول المؤلف : بأنه حين نصح البعض أن يخرجوا من بيت الشيخ صادق لينقذوا أنفسهم من الموت، وحمم القذائف، اعترض حميد الأحمر ” وإثر حميد نهض أحد الحاضرين لقبه أبو حاتم من نهم (ربما يقصد حاتم أبو حاتم؟) وبعلو صوته خاطب من كانوا حضورا : لا تصدقوا (أبو حورية) لا تتبعوا كلامه، إلاَّ إذا خرج هو أولا.
وهنا وعلى الرغم من أن الرصاص، والقذائف، كانت تنهال على الشارع وأعدادا غير قليلة ما بين قتلى وجرحى لا يستطيع أحد أن يأخذ قتيلا، أو يسعف جريحا إلاّ أنني عقبت على أبو حاتم بالقول : وأنا مستعد بأن أكون أول من يخرج…” صـ437.