حكاية فيها الكثير من البوح وقدر من التحيزات
- كتب: محمد ناجي احمد
مؤلف الكتاب “أحمد إسماعيل أبو حورية” ممن التحقوا بالصف الجمهوري بعد انضمام الفريق قاسم منصر عام 1968م، حين التحق معظم مقاتلي سنحان عام 1969م، الذين كانوا في الصف الملكي، واشترطوا يومها أن يجمهروا على يد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، كما يذكر ذلك الشيخ عبدالله في مذكراته، من أن سنحان رفضت أن تجمهر إلاّ على يده، باعتباره شيخ حاشد، وسنحان من حاشد، كما ورد في مذاكرات الشيخ عبد الله.
وقدتمت تسوية أوضاعهم في الجيش وفق رتبهم التي كانوا عليها وهم يقاتلون مع الملكيين.
أصبح “أحمد إسماعيل أبو حورية” قائدا عسكريا لأحد الألوية في البيضاء، في عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني، ومن رجالات الحركة التعاونية في سنحان في عهد الرئيس الحمدي، إضافة إلى عمله في الجمعيات الخيرية لمنطقة سنحان وبلاد الروس، ثم تعيينه عضوا لمجلس الشعب التأسيسي في عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي، ثم استمر قائدا للواء البيضاء، وعضوا في مجلس النواب في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، وهو أحد مؤسسي مركز “منارات” للدراسات التاريخية والمستقبلية، ورئيسا لهيئته التنفيذية.
وهو شاعر حميني مجيد، وفقيه في الأعراف القبلية، ومحكم في العديد من قضايا الاشتجار سواء تعلق ذلك بالدماء أو بالأراضي، أو الميراث، أو الصراعات القبلية، إلخ.
كما يحكي كتابه هذا، بصفحاته الـ”1023″.
رؤساء في ميزان “شهادتي.. وشواهدي”:
شخصية الرئيس إبراهيم محمد الحمدي تتبدى في هذا الكتاب “كما عرفته وعرفه غيري من ملايين اليمنيين، متعددة الإشراقات أو الأبعاد، إذ أن فيه عدل القاضي وصرامة القائد وحنكة السياسي وحنان الأبوة للأصغر منه سنا وتجلة البنوة لمن يكبره في السن، إجادته فن التخاطب مع كل فئات المجتمع باللغة التي تشعر أنه واحد منها، وقبل هذا وذاك إنسانية الإنسان، إذ كان المواطن-أي مواطن- يأتيه غاضبا حانقا، ولا يغادره إلاَّ باسما منبسط الأسارير. وأحسب أن خير ترجمان للسان السواد الأعظم من اليمنيين في الحمدي وعن شخصيته قول الشاعر مُسْلِم بن الوليد:
عوَّدتَ نفسك عادات خُلِقْت لها
صدقُ الحديث وإنجاز المواعيد
وإن كان ثمة ما يحسب عليه وعلى عهده فهو أن الرجل بلغت به بساطته وثقته بنفسه حد إنه لم يحسب حسابا لـ(الدبابير) التي أدخل يده في عشها، و(الشياطين) الذين صفَّدهم في عهده، فضلا عن أنه ما كان يجيد العمل بتلك المقولة الذائعة(الغاية تبرر الوسيلة) وإنما إجادته وإتقانه كان ينصب في قوله وعمله، وفي فكره وممارسته في العمل بمبدأ (شرف الغايات من شرف الوسائل)، ودون شطط أو مغالاة فإن عهد الحمدي عهد متفرد غير مسبوق، بل وغير ملحوق (على الأقل إلى الآن)، ولأن اليمن نجابة وما كانت عاقر في يوم من الأيام فما من شك أنها لن تضِنّ بـ(الحمدي) آخر، ولكن العلم عند الله وحده بمجيئه ويوم ميلاده، وحسبنا أن نتباهى أمام الأبناء والأحفاد أننا ممن عاشوا عهد الحمدي ويعيش فينا عهده” صـ238.
لقد تميز عهد الحمدي على قصره، ثلاث سنوات وأربعة أشهر “بدوران عجلة التنمية في مختلف مناحي الحياة (مياه، سدود، طرقات، كهرباء، زراعة،…) ولمس فيه الشعب مصداقية القول وتجسيده عملا… ففي عهده استتب الأمن، وتسيد العدل، وعرف اليمن رخاء اقتصاديا انعكس إيجابيا على المستوى المعيشي للمواطنين، وأصبح (اليمني) مصان الكرامة داخل الوطن وفي المهاجر، فازداد اعتزازا بانتمائه لوطنه.” صـ237.
وعن الرئيس عبد الله السلال يقول بأنه لا أحد يستطيع أن يشكك بإخلاصه ووطنيّته وجمهوريته ” ويمكن القول أي شيء عن السَّلال، لكن دون أن يستطيع أحد التشكيك في وطنيته، وإخلاصه للجمهورية وولائه للثورة باعتباره أحد أعمدتها” صـ236.
وأما الرئيس عبد الرحمن الإرياني “فغادر الحكم مخلفا وراءه ذكرى عطرة طيبة، في وجدان لا أقول كل اليمنيين، ولكن السواد الأعظم منهم.” ص237.
وعن الرئيس علي عبدالله صالح فإن المؤلف يسطر شهادته بسرد عنه يبدأ من تعرفه عليه عام 1957، حين أنشأ الإمام أحمد يحيى حميد الدين ما سمي بـ(الجيش الوطني) ومنه السرية الخامسة (سرية سنحان) التي تشكلت من (186) فردا “وكنت الشخصية القيادية الثانية فيها، وكان علي عبد الله صالح أحد أفرادها، وحين عرفته أول مرة كان عمره (15) عاما، حتى أنه لم يكن يتقاضى معاشا (راتبا) شهريا كاملا، وإنما كان يُمنح معاش (شبل) أسوة بحديثي السن الذين لا يمنحون معاشا كاملا ويعرفون بـ(الأشبال).
وعلى صغره وحداثة سنه إلاّ أنه كان يتمظهر بمطهر (الرجولة) جرأة تتجاوز حدود موقعه كجندي، شهامة الفرسان، ورعونة الشباب، قسوة في التعامل مع مخالفيه في الآراء والمواقف، مناصرة من يصنفهم ضمن محبيه وأنصاره سواء كانوا على حق أو على باطل.
لدى وجوده في سرية سنحان كان كثير العراك والمشاحنة مع زملائه في السرية، وكثيرا ما حُبس بسبب ذلك… ما كان يغضب أو يخجل من أن يروي بنفسه او يسمع من غيره الحديث عن هذه المواقف واشباهها باعتبارها جزءا من حياته … عُرف علي عبد الله صالح لدى جنديته في سرية سنحان بأنه كثير الفرار وأمثاله يجازون بخصم أجر يومين (قسطين) من رواتبهم عن كل يوم غياب (فرار) ولدى عودته من حالة (فرار) ذات مرة، عرض عليه كاتب المعاشات في السرية ولقبه الغَسَّالي أن يرفع عنه الأقساط مقابل أن يمنحه علي عبد الله صالح نصف ريال لا أكثر، فرفض الأخير عرض الكاتب رفضا قاطعا، مؤثرا استقطاع الأقساط على منح الغَسَّالي النصف الريال… عدم تحبيذه أن يكون أحد ممن يحيطون به ويعملون معه له (وجه أبيض).
المعروف بحسب مذكرات اللواء علي محمد صلاح أن علي عبد الله صالح كان قد تم توزيعه للعمل في آنس عام 1958م، ويروي علي محمد صلاح أنه تعرف عليه هناك، وكيف كان علي عبد الله صالح نشيطا في أخذ التنافيذ من زملائه مقابل تقاسم الأجرة معهم. وهذا يعني أن معرفة أحمد إسماعيل ابو حورية بعلي عبد الله صالح حين تجند بـ(سرية سنحان) لم تتجاوز عام 1957م.
-عدم ثقته إلاّ في قلة قليلة من المحيطين به… يبعد عنك وينساك، فإذا ما دعت الدواعي قربك منه وما ضنّ عليك بشيء.
اقتناص الفرص وانتهازها حد المغامرة أحيانا.
استمالة الناس بكرمه وسخاء يده( وإن كان من خزينة الدولة)
ذكاؤه الحاد الذي مكنه من اللعب بكل الخيوط داخليا وخارجيا والرقص على رؤوس الثعابين لأكثر من ثلاثين عاما… فلا يستطيع احد أن ينكر أن الله قد وهبه ذكاء حادا لا ينافسه فيه أحد، وقدرة على إعطاء كل ذي حق حقه ومكانته ومخاطبته باللغة التي يفهمها، إن كان تاجرا أو سياسيا أو شيخا أو مفكرا… إلخ، فضلا عن ذاكرة وهاجة متقدة فحينما تذكر له اسم شخص ما تشعر وكأن فيلما يمر بذاكرته عن الشخص المذكور…
أضف إلى ذلك تعامله مع كل شخص وفق الظرف الراهن الذي يعيشه، ومقتضيات مصلحته منه، وحاجته إليه، وثقله في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ومدى قربه أو بعده من النظام.
في بعض المواقف يتغلب عليه (سواد الصدر) دون أن ينكر مالك أو ما يحسبه لك من المحامد، وفي مواقف أخرى تجده فخورا متباهيا بك، وانت على يقين من عدم رضاه عنك. صـ240-242.
بدء الخلاف مع حميد الأحمر:
عند وفاة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر كان الرئيس علي عبد الله صالح –بحسب المؤلف- غير مرتاح لتلك الترتيبات القبلية، لعدم ارتياحه لـ”الحمران” وذلك بسبب خلافاته معهم، والتي أشعل فتيلها استبعاد (حميد) من عملية وضع النقاط الحدودية، الفاصلة بين اليمن والسعودية. ويبدو أن تمسك الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بملف الحدود وما يترتب على ذلك من مصالح، جعل ملف الحدود خطا أحمر لمن يقترب منه أو ينافسه، بل كان ذلك الملف سبب التنافس والضغينة بين الشيخ عبد الله والدكتور عبد الكريم الإرياني…
حين سأل أحمد إسماعيل أبو حورية الرئيس علي عبد الله صالح عن سر معاداة وخصومة حميد الأحمر له؟
أجابه الرئيس : “هو غاضب لأنه كان سيتحصل على (كوميشن) يصل إلى أربعمائة وسبعين مليون دولار، من عملية تحديد المعالم ووضع النقاط الحدودية بين المملكة واليمن، وقد خصمنا عليه من المبلغ استحقاقات للدولة أو شيء من هذا القبيل، ولم يتبق له سوى سبعين مليون دولار، وهذا ما أغضبه” صـ317.