حكاية فيها الكثير من البوح وقدر من التحيزات
- كتب: محمد ناجي أحمد
(1)
كتاب “شهادتي .. وشواهدي” للواء الشيخ أحمد إسماعيل محمد أبو حورية- من إصدارات مكتبة الجيل، ناشرون-1442هـ -2021م.
كُتِب بأرضية معلوماتية عيانية، وبلغة تحليلية واستنباطية، وبخلفية ومرجعية بحثية تحيل القارئ إلى أصابع مراجع الكتاب ، الدكتور حمود العودي.
فمقدمة الكتاب ومنهجيته وتأليفه وفق مرجعيات ودراسات بحثية، تشير إلى متمكن في الدراسات الاجتماعية، وإن صيغت بضمير المتكلم.
ابتداء من التمهيد “عن كتابة المذكرات” والإشارة إلى جذور كتابة المذكرات، لدى جالينوس وأرسطو، مرورا بإشارته لمذكرات وسير أسامة بن منقذ وابن خلدون ومخائيل نعيمة في “سبعون أو حكاية عمر” و عباس العقاد في “أنا” و “حياة قلم” وطه حسين في “الأيام” ومذكرات “مونتجمري” و “رومل” وسعد الدين الشاذلي، وديجول، وسارتر، وتشرشل، وإيزنهاور، والأسودي والمقبلي، والأشول، والعديد من الكتب التي سردت حكاية 1948، وثورة 26سبتمبر و14 أكتوبر- ووصولا إلى منهجية الكتاب ومحتوياته، كان العقل البحثي يمتزج مع سرد المعلومات والحكايات. ويشير إلى مزيج بين صاحب المذكرات وعقلية المراجع لهذا الكتاب.
كانت أولى المهام الملكية عند انضمام أحمد إسماعيل أبو حورية للصف المناوئ للثورة السبتمبرية والجمهورية هو اشتراكه في هجوم على بني صُليح، واستمرت المعركة إلى الصباح :” وعندما أشرقت الشمس تبين لنا أن صالح بن علي الهيَّال أحد كبار بني جَبْر مصاب فوق جمل وكان هناك شخص لم أعرف وقتها أنه يهودي يمني (وكان على رأسه شال شديد السواد وله بشرة شديدة الحمرة) إلاَّ بعد أن قرأت كتابا للأستاذ محمد حسنين هيكل يصف فيه اليهود اليمنيين الذين جاؤا من إسرائيل ويقومون بالإرشاد كخبراء للتعامل مع الدبابات والألغام، ويشاركون في الحرب بتقديم المعلومات والإرشاد للطرف الملكي وما كانوا يحملون سلاحا ويتمتعون بصلابة وجَلَد في الأداء.” صـ78.
ما يشير إليه أحمد إسماعيل أبو حورية هنا عن دور اليهود اليمنيين الذين تم استقدامهم من إسرائيل ليشاركوا في حرب الملكية ضد الثورة والجمهورية فيه رد واضح على من يقول بأن الصراع مع إسرائيل ليس شأنا يمنيا، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن دور اليهود اليمنيين الذين تصهينوا وقاتلوا في الجيش الإسرائيل، هاهم يعودون خلال سنوات الحرب التي نعيشها، وطيفت اليمن – يعودون من خلال أدوار عديدة من بينها الفن والثقافة، بتكامل بين المشروع التطييفي والتطبيعي في آن. إسرائيل ليست بعيدة، إنها في كل ثنايا مشروع التطييف والتطبيع!
أخذ “احمد إسماعيل أبو حورية” عام 1965 دورة في “عدن” لتعلم اللغة الإنجليزية المتعلقة بالأسلحة، وكان التواصل بين الأمير “عبدالله بن الحسن” وأمير بيحان “ليتأتى لنا التعامل مع الأجهزة التي استلمتها قيادة الملكيين حينها، من شخص بريطاني اسمه (جون كوبر)” والدورة كانت بالتنسيق بين الأمير عبد الله بن الحسن وحكومة اتحاد الجنوب العربي، ممثلة بوزير داخليتها الشريف حسين أحمد الهبيلي، أمير بيحان، حضر الدورة “أحمد إسماعيل أبو حورية” و زميله “أحمد سعيد رُكْن” صـ82-83.
وبسبب احتدام معارك التحرير ضد الاستعمار البريطاني في عدن لم تتجاوز فترة الدورة الشهرين، وعادوا عن طريق الجوف إلى سنحان، محملين أسلحة من هناك إلى خولان.
وعن إمدادات الملكيين بالعتاد والمؤونة، يقول المؤلف، كانت الطائرات تنطلق من جزيرة كمران لتسقط المؤونة والعتاد للقوات الملكية ” وكنت أعتقد بأن تلك الطائرات تأتي من بريطانيا فيما اتضح لي بعد عشرات السنين ومن كتاب قراته للأستاذ محمد حسنين هيكل أنها في حقيقة الأمر كانت تنطلق من جزيرة كمَران في شطرنا الجنوبي من الوطن…”صـ86.
كانت الطائرات التي تمون القوات الملكية تنطلق جزيرة كمَران في الشطر الجنوبي المحتل بريطانيا، وكذلك من الأراضي السعودية، فالحرب على الثورة اليمنية كانت ملكية سعودية بريطانيا أردنية إيرانية مغربية إسرائيلية، مع عديد مرتزقة تم جلبهم من أوربا.
إنها حرب ضد ما سماه “علي محسن” “المد القومي” وهي حرب قادها بحسب علي محسن الملك “فيصل بن عبد العزيز”.
ففي حوار مع علي محسن قبل سنوات في صحيفة “أخبار اليوم” الممولة منه والتابعة له، وكذلك في صحيفة “عكاظ” يقول علي محسن، لقد حاربنا المد القومي في اليمن لمدة سبع سنوات بقيادة الملك فيصل وانتصرنا عليه…
و”علي محسن” هنا يؤكد بأنه كان في الصف الملكي يقاتل ضد الثورة والجمهورية لسبع سنوات، ومع ذلك نجد تحيزات “أحمد إسماعيل أبو حوارية” في كتابه هذا، يحدثنا عن اجتماع مقاتلين ملكيين عام 1968، اثناء جهود لقاسم منصر المنشق عن الملكيين، ومحاولته إعادة مقاتلي سنحان الملكيين إلى الصف الجمهوري، يحدثنا “أبو حورية” عن علي محسن بأنه كان من مقاتلي الصف الجمهوري، وفي سياق لاجتماع مقاتلين ملكيين، وبما يتناقض مع ما صرح به “علي محسن” من قتالهم في صف واحد مع الملك فيصل لسبع سنوات، ضد المد القومي الذي قاده جمال عبد الناصر!
أحمد المسعودي وعبد الله عبد العالم في مذكرات أبو حورية:
يتحدث المؤلف عن أحداث جرت في حرب الشمال والجنوب عام1972، وتشكيل لجان لتثبيت وقف إطلاق النار، ومن ذلك لجنة لوقف إطلاق النار في البيضاء ومكيراس، فيقول “وقد استرعى اهتمامي ملازم أول أو نقيب قائد إحدى فصائل المظلات، وعرفت فيما بعد اسمه أحمد أحمد المسعودي، لدى تلفظه بعبارات قبيحة بحق قائده ورئيسه (عبدالله عبد العالم) متجاوزا حدود الدب والانضباط العسكري واحترام المرؤوس لرئيسه وهو يتحدث إليه عن إطلاق النار على اللجنة باعتباره-كما يقول- اعتداء على اللجنة كان ينبغي الرد عليه بينما لم يستجب عبد العالم لذلك ظنا منه أنه كان إطلاق نار ترحيبي، فاستنكرت طريقته في الخاطب مع رئيسه وقلت له: أنت تجاوزت حدود الأدب واللياقة.” صـ158.
وعن أحداث 13ينيار 1986م يزعم المؤلف أنه كان لديه إطلاع أو “كشف” وتوقع بحدوث كارثة 13يناير، بل ويرى أن للرئيس علي عبد الله صالح دورا في الإعداد لها. يقول المؤلف :”وبالمناسبة أحسب وبكل تواضع أنني واحد ممن كانوا يتوقعون حدوث تلك الأحداث قبل وقوعها، ومؤشر ذلك عندي اطلاعي أو قُل (كشفي) قبيل فترة وجيزة من تفجرها لوساطة طلبها الشيخ محمد علي أحمد الشَّعَوِّي من الشيخ محمد ناصر العامري، فحواها الترتيب مع الرئيس علي عبد الله صالح، لما من شأنه لقاء الشَّعَوِّي بالرئيس سرًا والمجيء من أبين إلى صنعاء ليلا ومغادرة الأخيرة لها ليلا أيضا، واحسب أن ما حدث بعد 13يناير 1986، له صلة بذلك اللقاء وثمرة من ثماره المُرَّة، فكان كما يقال (أمرٌ دُبر بليل)؟!” صـ203.
فارس السقاف مديرا لمكتب أبو حورية:
وعن حرب 1979م بين الشطرين يتحدث أحمد إسماعيل أبو حورية عن إمداد اللواء الخامس الذي كان تحت قيادته “بثلاثة آلاف مجند ممن أنهوا الثانوية العامة لأداء واجب الخدمة العسكرية الإلزامية لدينا (ومن بينهم أبناء قيادات كبيرة يومذاك، أذكر منهم نجل عبد العزيز عبد الغني ونجل عبد الله الأصنج، فكانوا محط رعايتنا وإشفاقنا لحداثة سنهم، وطراوة عودهم، ولقسوة الحياة في المنطقة ووعورة تضاريسها، فضلا عن صعوبة الظروف التي جيء بهم فيها، وقد استرعى اهتمامي ولفت نظري من بينهم، شاب مؤدب، نبيه، مثقف واسع الاطلاع، أصبح عقب مجيئه إماما وخطيبا للجمعة في المعسكر، (مما جعلني اتخذه مديرا لمكتبي في قيادة اللواء) وقد عرفناه باسم فارس علي أحمد، والذي أصبح بعد سنوات طوال يُعرف بـ(فارس السَّقاف)! ولست أدري ما هي الأسباب التي كانت تمنعه في ذلك الحين من إظهار لقب السقاف وتضطره لإخفائه!” صـ204.