- عبدالرحمن بجاش
داهمني إحساس بالألم بعد عصر أمس، فقد عاد بي خاطري إلى تلك الأيام ، التي كنت أستكب براحلتي نحو البحر غربا، ألاحق الشمس وهي تحث الخطى نحو الغرب، وأنا أسابقها أين ستغطس عند أفق السماء، حيث تلتقي بصفحته الزرقاء.. تسبقني، فألحقها، تارة اجدها خلف المنحنى، وأحيانا تتربع قمم الجبال وأنا أهيم بالراحلة في أودية الشوق إلى النوارس..
مرة ألحقها قمة جبل مناخة، فأدعوها إلى فنجان قهوة، تعتذر عنه وتهطل نحو السهوب، المستريحة عند الأفق..
أتربع على خيلي وأحث الخطى للذهاب حيث تركت الشجن هفهفات الطيور تغادر مخابئ الشتاء ذاهبة، تبحث عن دفئ جنيات البحر ما فتئن يرسلن آهات الحزن على ذكريات هناك دفنت تحت فرش البحر الوثير..
أشتقت إلى البحر أسكب إلى جيبه كل غبار البر ودوامات الريح تزمجر في ليالي العشق في كوخ هناك طرح نفسه على شاطئ الليل فوق كتف بحر لا إسم له..
أشتقت إلى موسيقى البحر، صفير الريح ، هفهفة الأجنحة، همس البحارة يرددون أغاني الشجن إلى كأس وعينين وجواهر النهود الشبقة..
أشتقت لضوء القمر يفرش نفسه على صفحة البحر، يكشف الطريق للعشاق الذين يهبون شواطئ البحار ذكرياتهم..
أشتقت إلى همس الليل يهمس في أذن البحر ذكريات زرعت في القلوب وأينعت ورودا تنبت بين اللآلئ والدرر..
أشتقت إلى ثمة موسيقى يعزفها الليل على شاطئ بحر لا يعرفه سوى من يهمسون لعشيقاتهم شوقا بالورود..
أشتقت إلى ضوء فنار بعيد يغني أغنية الغسق الأخير لبحر قرر أن يترك مكانه ويذهب إلى عيني حبيبة هناك تنتظر وحيدة في كوخ يرقد بعيدا حيث تنام همستا عاشقين..
أشتقت إلى ليلة عاصفة تتداخل في ليلها الأصوات، صوت موسيقى، جيتار يدندن ، عود أوتاره تستحضر زرياب من الأندلس إلى صحراء الريح ، يسكن في عين بغداد من جديد ينتظر الموصلي والخليفة، ليضيف الوتر الخامس ويغني للبحارة أشعار أمرؤ القيس.
أشتقت إلى خيل يمخربي عباب البحر.. يذهب بي إلى جزيرة تحتضن ضوء الغبش.
أشتقت إلى رجلي تقودانني على ساحل لا ينتهي سوى في عيني امرأة مولودة في قوقعة نبتت في قاع الغيم..
أشتقت إلى بحرها ، أمتلكه لوحدي بأنانية العاشق فيعيشه حتى الغسق الأخير من الضوء..
أشتقت إلى بحر يضيء ليله بشمعة يتراقص ضوءها على وجه امرأة.