- ضياف البراق
الشيء الوحيد الذي لا يبعث على اليأس والفوضى هو الجمال.. الجمال ليس مجرد كلمة، أو لوحة زاهية، أو شعاع من الضوء؛ إنه فلسفة عُظمى، روح لا نهاية لها في الطبيعة، نور أبدي يَصعُب اختزاله، أو استنفاده، أو العيش بدونه، الجمال عالَمٌ غير محدود، إنه نبض الخلود، سِرُّ وجودنا، وهو بلا شك شرط نمو الحياة وتقدم الشعوب، وفي زمن البشاعة خصوصًا، من الضروري أن نكتب عن الجمال، وأن نتغنّى به، وأن نزرعه في قلوب الناس، فنور الجمال لا يحبه الظلاميون.. والعظماء هم أولئك الجميلون الذين يناضلون دائمًا ليجعلوا حياتنا غير قبيحة، والأحرار لا يعبدون شيئًا غير الجمال، وأجدني أنتمي إلى هؤلاء، ومن عشقي للجمال ينبعث دافعي الأساسي للكتابة عن هذا اليمنيّ الممتلئ بالجمال: عبدالرحمن الغابري..
عدسة هذا الصحفي الفنّان ساحِرة ومُمطِرة أكثر من غيرها، إنها تنقشُ تاريخ اليمن منذُ نصف قرن، بمنتهى الحب والاحترافية والإتقان، هكذا تنقل إلينا آلاف الوجوه المُضيئة، وأروعَ المشاهِد، تشهد على أهمّ المواقف من الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، تخترِق أعماق الوطن فتَستخرِجُ أجملَ الآيات، بهذا الكفاح تُعلِّمنا دروسًا نبيلة في الوطنية، تقطف لنا أشهى الزهرات من قلب الطبيعة، تفتح أذهاننا على جماليات لا نعرفها.. هذه عدسة غاية في الأهمية، يتجسّد فيها معنى التعايش ويزدهر التنوُّع والاختلاف، إنها ذاكرة كبيرة واستثنائية عطاؤها لا ينضب، ولا نستطيع الاستغناء عنها، نَعَمْ، عدسته هي فلسفتنا الوطنية في تاريخنا الحديث، وصورتنا الكُليّة التي لن ننسى..
هذا الرجل الأنيق هو زهرة اللوتس الوحيدة في البلاد، فنّان مجبول من طينة الجمال، قلبه معجون بالمحبة والفن، يعيش بأسلوب مُختلِف، دائم العطاء، كثير الهدوء، لا يتأثر بالضجيج، لا ينفعل مثل المتعصبين، إنه الطائر المُحلِّق فوق السحاب، عطر فوّاح على الدوام، تعرفه الأزهار والأمطار والفراشات والأشجار والصخور، تعشقه عيون الطبيعة، هو الذي يعرِفُ مَن هو، ويعرف كيف يصنع من آلامه أغنياتِ السعادة، خارج الحدود والانتماءات الضيّقة يتحرّك، يناضل، يمشي بغير تكبُّر، يبحث عن الدهشة ويلتقطها، يبعث في نفوسنا الأملَ، يسقينا البهجةَ، حين يشعر بالتعَب لكنه لا يشكو ولا يتذمَّر، لا ينكمش على نفسه حتى فى أسوأ الظروف، فروحه شاسعة كأنها الأبدية، يأتينا دومًا بالجديد والمُدهِش والمُبهِج، يحترم أذواقنا ولا يمارس الزيف علينا، يتكلم بنزاهة وتواضع، إذا صمت لا يغيب عنّا، وإذا غابَ لا يتركنا وحدنا في الريح، إنه حنون، لطيف، خفيف الظل مثل ضوء القمر، ابتسامته تعكس أحلامنا الجميلة، وفي خطواته تزهر الحياة، هو المنحاز فقط للفقراء والمنسيين، والنقي مثل هواء الريف، نجمٌ كبير في سماء هذا الوطن، مُضيءٌ باستمرار، صديق حميم للوجود كله، إنه نموذج فريد للإنسان العصري الحقيقي..
ما أروعك أيها العظيم، أنت اليمني الجميل دائمًا وأبدًا، إنني شديد الحب لك، أنت تُدهِشني كثيرًا، نحن أغنياء بك، منك نستمدُّ عذوبةَ الجمال، نقاؤك هو الأمل لنا، نبضك هو الوطن الذي ننتمي إليه، أنت من القلائل الذين يحترمون الفن، ويُقدِّسون الجمال، وينشرون البهجة في الحياة، من الصعب علينا أن نتجاوزك يا ابنَ الوردةِ والمطر والحكمة، أنت الذي تسحق الظلامَ بنورك الناضج، ونزاهتك تنفض الغبارَ عن الأشياء المنسية، لا النسيان ينساك، ولا اليأس يهزمك، أنت الضمير اليَقِظ الذي لا يقسو على أحد، ولا يزدري شيئًا سوى البشاعة، أديبٌ في كلامك دون تكلُّف، عبقريٌّ أنت في التقاط الدهشة الخفية، وتوثيق اللحظات الهامّة، صادق في تواضعك، نظرك عميق، نظيفٌ جوهرك، أُحِبُّ فيك كل هذا التفرُّد الأصيل، وأحييك على هذا العطاء الطويل المُتدفِّق علينا دون انقطاع..
من منا لا يحترم هذا الإنسان الطيّب.. من منّا لا يحبه.. من منا لا يشعر بالبهجة من مجرد النظر إلى وجهه المُشرِق.. من منا لا يجد فيه معاني الحرية والنقاء واتساع الفكر.. ومن ذا الذي يجرؤ على إنكار جميلك أستاذنا الواسع.. أجيب بثقة واختصار: لا أحد يستطيع أن يتطاول عليك، أو يتطاول إليك..
أخيرًا، إنني أطالب هذا الرجل المُهِم بأن يكتب لنا سيرة حياته الزاخرة، العَطِرة، لنزدادَ بها جمالًا، عليه أن يسقينا مزيدًا من النقاء والعشق، ويُعلِّمنا أكثر كيف أنّ الجمالَ يصنع العظماء.