- ضياف البراق
ماذا حققت لنا ثورة الحادي عشر من فبراير السلمية، منذُ انطلاقها حتى يومنا هذا؟ ما هي منجزاتها الوطنية؟ ومتى ستحبل بقرتنا العقيم؟ ماذا أضاءتْ على أرض الواقع؟ أين الخبز، والكرامة، والسعادة، والتقدُّم، والمواطنة المتساوية؟ أين دولة الثورة؟ وأين ذهب وطن ما قبل هذه الثورة الربيعية البارِعة؟ أين ذهبت أهداف ثورتنا هذه، أهدافها النبيلة، والساحرة؟ ألمْ تهدِمْ هذه الثورة كل ما هو جميل، بدل أن تفعل العكس؟ أليست ثورة أصابت الجميع بالجنون والذهول، وفتحت في دواخلنا المقابر؟ هل التغيير، في قاموسها العملي، يعني التخريب؟ كلَّ يومٍ نستيقظ على فضيحة مدويّة، أو مجزرة جديدة، أو خيانة كُبرى، أو مجاعة ساحِقة، أو على بشاعات بغير حساب، أو على انتصارات زائفة تفلق الرؤوسَ وتفجع الأرواحَ. الحقيقة المؤلِمة أنّنا كلَّ يومٍ نتعذّب، نتمزّق، نخرج من التاريخ والحياة معًا، وننتقل من جبهة حرب إلى جبهة دموية أخرى. ثورتنا المباركة لم تزرع ثقافة وطنية عصرية في وجدان أبناء الشعب. أين الوعي الجمعي الجديد الذي أنتجته؟ إنها لمْ تغيّر شيئًا مما حلمنا كثيرًا بتغييره. اليومَ، وعلى ضوء هذه الأحداث الكارثية، هل نستطيع القول بأن الثورة قد انقلبت بالكامل على نفسها، وأفرزتْ صراعات بينية قبيحة من كل نوع وشكل، وأنجبتْ من صلبها الأحقادَ الوحشية، والتصوُّرات العقيمة، والمشاريع الصغيرة، والانقسامات القذرة، وأيقظتْ مختلَف العداوات القديمة، وأطفأتْ بالتالي تلك الروحَ الوطنية المُضيئة؟ أجيبوني أنتم. والواقع أن لها أخطاء كثيرة فادحة، هذه حقيقة، لكن كيف نعالجها؟ كيف نستعيد طهارة ثورتنا؟ ثُمَّ، لماذا يا ثورتنا الغالية أنجبتِ لنا أوسخَ السياسيين، وأقبحَ المثقفين، وأتفهَ الناشطين، وأنجسَ الوطنيين الارتزاقيين، وأعنفَ المتطرفين؟ هذه إحدى غلطاتكِ الرائعة جدًا! إنني أبكي عليكِ اليومَ، أُحبّكِ وأخاف منكِ في وقت واحد، أنتقدكِ بغضبٍ صادِق، لكن بغير كراهية، والنقد الصريح دواء ناجع للجراح، وقول الحق أشرف فضيلة، ولا قيمة لثورة لا تتقبّل النقد أو لا تمارس النقد على نفسها. هل كنتِ حقًا ثورة الجُهَلاء والمُزيَّفين والانتقاميين؟ مجرد تساؤل. بل هذا سؤال التاريخ، سؤاله الآن، وليس سؤالي.
سامحوني يا أصدقائي، فأنا اليومَ مجروح وطنيًا في صميم القلب، وعقلي لم يعد يستوعب أي شيء أو تكرار، وعواطفي كلها شبه منهارة. لا أشعر باليأس، لا، إنما أشعر بالعجز الكامل إزاء هذا الواقع الهيستيري الخانِق، العجز عن تغييره، العجز عن تحويله إلى فُسْحَة جميلة للحياة والحب والتطور والتعايش الحضاري. هذا الواقع الفتّاك لا يسمح لنا اليومَ أن نكون ما نريد، لكنه يقذف بنا من موت إلى موت، ومن أزمات قليلة إلى أزمات كثيرة، ومن الحلول والخيارات إلى المشاكل والانتحارات، ونحن نستسلم له أكثر فأكثر، ونسقط في مستنقعاته الخبيثة يومًا بعد يوم. ماذا علينا أن نفعل لاسترجاع كرامتنا؟ كيف نخرج مما نحن فيه؟ أو كيف نتجاوز هذه المرحلة العدمية القاسية؟ هل كُتِبَ علينا أن نخضع طويلًا لهذه العبثيات المزرية؟ هل نسكُت؟ هل نترك حياتنا تذهب سدىً؟ إلى متى نظل غرقى هكذا؟ هل من طريق مفتوح أمامنا؟ لا شيء. لا جدوى. وليس من داعٍ إلى طرح مثل هذه الأسئلة العاجِزة. هذه اللعبة الكبيرة البشعة قد لا تنتهي على الإطلاق. صلّوا لله ينقذكم. استغيثوا بالمنظمات الدولية. احفروا مزيدًا من القبور. هَرِّجُوا كثيرًا، واستهتِروا بكل شيء. ارقدوا على بطونكم. اخرسوا بدل أن تصرخوا. لا تزعجوا عقلية الحرب، دعوها تفعل بكم ما تشاء. انهشوا بعضكم بعضًا، اِنطحِنوا وانسحِقوا، لا تحاولوا أن تصعدوا، واتركوا الكلام عن الوطن. ذلك هو مجالكم الوحيد. كل تلك اللعنات إنما هي مجرد تساؤلات بريئة، فسامحوني، واستعيدوا كرامتكم. على الأصح، انتزعوا وجودكم من العدم الشَّرِه الذي اختطفه من أيديكم وأنتم رقود على الوجوه.