- ضياف البراق
كل يوم يتكرر أمامي هذا المشهد البائس الذي يذبح صدري! واليومَ، امرأة تقترب مني، بانكسار، تمد قلبها نحو جيبي، أو يدها المُرتعِشَة، وتحاول أن تخفي وجهها المخذول، فماذا أعطيها؟ وماذا أعطي هؤلاء الأطفال الضائعين، المتحلّقين حولي، المهدورة كرامتهم؟ هذا الشارع من أوله إلى آخره يكتظ بالبطون الفارغة، بالتعساء السائلين، بالمجانين واللصوص وعديمي المشاعر. لمن من هؤلاء أعطي؟ كثرتهم تُدمي قلبي الهش. هم لا يعرفونني، ولذلك ألتمسُ لهم العذر. أنا لهؤلاء الضعفاء أنتمي، وأنا منهم في الحقيقة، وأنا معهم إلى آخر لحظة من حياتي القذرة. أظنني أعيش لأجلهم، أو أدّعي ذلك، غير أنني لا أستطيع أن أصنع لهم خُبزًا. وأنا بالتأكيد أكره المترفين المستكبِرين، أكره الأثرياء جميعًا، ومع الوقت يزداد حقدي عليهم أكثر. أتقيأ سخطي على عديمي الإحساس، وأبصق في عيونهم الغبية. تزداد نسبة المتسولين في أسواق صنعاء المخنوقة بالناس، بل وتلقى المحتاجين في كل شارع فيه حركة، ينتظرون منك أن تقول لهم: الله كريم!
جوعى ومرضى ومشرَّدون. هذا الوضع اللعين منتشر في البلاد كلها. وليس من أحد يذهب نحوهم يعطيهم بحب وتقدير، عدا القليل من أهل الخير الطيبين. بل حتى هذه المساجد المزخرَفة لا تنظر إلى عذاب هؤلاء البشر المساحيق، لا تعنيها آلامهم، ولكنها تتاجر بها. منابر كاذبة تتحدث كثيرًا عن الخير، وتسرقه، أو تحاربه، هي نفسها ينابيع الشر. ألوف من الغلابى بلا بيوت، ينامون على الأرصفة، في الظلام والريح، ومساجد بلا حساب مفروشة للمصلّين فحسب، وينام فيها الفراغ ويتنعَّم. لا غرابة، إنّ تاريخ المعابد مليء بالقسوة والزيف والكذب. وهذا الكلام الحق سيزعج المشاعر الحلوة والصور الزائفة. أعداء الدين هم حُرّاسه، فتّشْ عنهم في داخله. العدالة هي جوهر الدين، فأين العدالة عندنا؟ لا أمشي في شارع إلّا وغرقت روحي في الأوجاع المخذولة، والوجوه المرمية المنسية. مَن أهدر كرامة هؤلاء الناس؟ من ركلهم هكذا إلى هذه الشوارع القاسية؟ من ابتلع حقوقهم؟ هل تسمع أنينهم يا الله؟ أسألك ولستُ أثق بغيرك. وهذه الأسئلة أيضًا لن تنتشلهم من مآسيهم وجراحهم. بالطبع، أعرفُ هذه الحقيقة. وأنا اليومَ أشك في جميع الكلمات، وفي كل شيء. الوطن كله مُزْرٍ ومُخزٍ. إنني أتهم مجتمعي هذا بأنه عديم شرف! ومع ذلك كله، فإنني أحبه بصدق وإخلاص، وأقسم بالله!