- عمار الأصبحي*
استغلال التشوهات المزمنة في نسيجنا الاجتماعي واثارة الجراحات الغائرة في جسدنا المتعب بالفقر والخوف والمرض وتعزيز حالتنا المرضية بتغذية عكسية تبقينا في حالة انفصام ودوامة صراع تنسف كل مقومات الحياة والتعايش والسلام وبالتالي إيهامنا إعلامياً وسياسياً وعسكرياً بأن لا مناص إلا باجتثاث بعضنا ببعض وخراب البلاد.. هي عملية ممنهجة مكشوفة بالتأكيد لا تحل الإشكال الحاصل بقدر ما تشرعن فقط لمستقبل أكثر تشوهاً واستبداداً وتسلطاً..
بدورنا هنا نلفت النظر حولها بقلق بالغ.. محذرين من مغبة استمرار التعاطي معها والإمعان في خوض غمارها عبثاً؛ في بلدٍ مشبع بالقهر ولا يمكن السيطرة على أوجاعه الطافحة بهكذا أساليب انتهازية.
….
..
المشاريع الوطنية لا تتحقق إلا بالاختلاف والتعدد والتوافقات السياسية السلمية الوطنية، وعليه ينبغي _على الأقل_ تبلور خطاب سياسي عقلاني يتجاوز الفعل ورد الفعل يتبنى الحاجة الموضوعية بضمير يقظ ؛ حاجتنا الملحة لمشروع وطني كبير وجامع يعد غيابه هو أس وأساس الاشكالية المترامية الاطراف هنا، نعم، خطاب لا أكثر ولو بالتوازي مع حالة الإقتتال العسكرية التي فرضت علينا كأمر واقع!.
كل القوى المتصدرة المشهد بعنف والوعي السياسي عموماً.. نتاج طبيعي لفشل متراكم وممتد منذ زمن؛ كل طرف يمثل مشكلة حقيقة وهم اليوم بما فيهم الوعي الشعبي يجسدون كل هذا الاشكال والخواء الرهيب .
نعم قد يتحمل اليوم طرف ما الجزء الأكبر من المسؤولية كنتيجة وسبب في ما آل إليه الوضع من استعداء واستدعاء للخارج واشعال حرب مفتوحة؛ كان بإمكاننا النجاة منها لو أنه تنازل قليلاً واكتفى بالسلم والشراكة للمضي في خارطة طريق سياسية آمنة ربما ، وهنا لا ننكر المسؤولية التي يتقاسمها الجميع، أبداً، ولكن بما أنه قد بادر عبثاً بإجهاض المسار السياسي عنوة وتقلد زمام الإنفلات العنيف هكذا كوريث شرعي وحيد، فهو المسؤول الأول الذي بامكانه إيقاف نزيف الدم واسقاط كل المبررات أمام من يتربصون بنا في الداخل والخارج لإستمرار مسلسلات تشييعنا، بالمقابل تستطيع بقية الأطراف لعب الدور نفسه والتفكير بالبلد الذي هو ملكنا جميعاً ملك أجيال لا يعنيها كل هذا الفشل ، ولا شأن لها بما يحصل مطلقاً !.
حقيقية كارثة أن يصل بنا الخلاف حد القتل وتدمير الأرضية المشتركة التي تجمعنا وعليها نختلف.. كارثة أن يختزل بلد بمختلف مكوناته في صراع يبدأ ولا ينتهي ويصبح الوطن جملة اعتراضية !.
ولكن مع الأسف، فالحاصل نتيجة طبيعية لعمليات التجريف المتواصلة للوعي وسياسات التجهيل والإفساد وعسكرة الحياة؛ نتيجة شاخصة لغياب الدولة كمنظومة ومظلة وطنية وعقد إجتماعي يحتكم إليه الجميع؛ ولهذا صار المجتمع اليوم بمكوناته المختلفة ضحية هو نفسه الجاني والمجني عليه في أن.
دعونا إذاً نحاول إستدعاء ماتبقى لدينا من عقل؛ لنرمي بأسلحتنا بعيداً وننظر في وجوه بعضنا البعض عسى أن نخجل قليلاً ونبدأ في لملمة أشلاء هويتنا المتناثرة، ونعيد للوطن المذبوح حلمه المشتت والسلام.. دعونا نحاول الأن، سنتألم كثيراً لكننا سننجو، لا بأس، نتألم لنتعلم ونقاوم هذا التوحش بحزم ووعي مسؤول ونفكر في عمق وأسباب ما وصلنا إليه بدلاً من تعويم الاقتتال وتقديس الحرب كخيار وحيد.
ألا يكفي ما تم إنجازه حتى الأن من قتل وخراب ودمار كثمن لتهيئة الساحة واستكمال الشروط الموضوعية لانبثاق الوعي الفصل من بين الركام؟!.
كفاية أرجوكم، الأرض تتشظى من تحت أقدام الجميع ولا مصلحة لأي طرف من الاستمرار على هذا النحو العبثي..
…..
…
أكتب هذا ودوي الانفجارات تهزني بحقد.. إنها الحرب تقترب مني بكل وقاحة واعتداد خبيث..
ترى، هل يمكننا أن نأمل هنا؟!
هل من وقفة تأمل في جدوى كل ما يحصل، أم أن الأمر قد حسم وما علينا إلا أن نختار طريقة موتنا على مذبح الانتحار الشعبي الكبير ؟؟!.
- رئيس تحرير بيس هورايزونس