- كتب: حسين الوادعي
هل يجوز أن تعاقب الدولة على “المعصية” كما تعاقب على “الجريمة”؟
لنفرق أولا بين المعصية والجريمة.
المعصية هي أي مخالفة للتعاليم الدينية وهي شأن مرتبط بالعلاقة بين الفرد وربه (مثل ترك الصلاة أو عدم دفع الزكاة أو شرب الخمر أو العلاقة بدون زواج).
اما الجريمة فهي أي اعتداء على الحق العام أو حقوق الآخرين (مثل السرقة أو القتل أو الخطف أو الاغتصاب أو تزويج الصغيرات أو التكفير والتحريض على القتل بالتكفير أو التخوين).
هناك اختلال واضح في العقل والضمير القانوني الحديث في العالم الإسلامي يجعله يتشدد في ملاحقة ومعاقبة المعاصي (والسلوك الشخصي عموما) بينما يتسامح حيال الجرائم.
لأوضح ما أقصده…
نقلت الأخبار قصة الطبيبة المصرية التي اقتحم جيرانها شقتها لأنها اختلت بصديقها واعتدوا عليها بالضرب ورموها من على سطح العمارة!
ارتكب الجيران أربعة جرائم: التعدي على الحياة الشخصية، اقتحام الشقة، الضرب، والقتل العمد.
بينما لم ترتكب الطبيبة أي جريمة، وحتى ولو كانت على علاقة مع صديقها دون زواج فهذا لا يتعدى جانب السلوك الشخصي الاختياري وفي أسوأ الأحوال المعصية الدينية التي يفترض أن لا علاقة للقانون أو المجتمع بها.
لكن المجتمع يتسامح مع الجريمة ويتشدد مع المعصية والسلوك الشخصي، وكذلك يفعل القانون، إلى درجة أن التغطيات الصحفية ركزت على أن الطبيبة كانت “بكامل ملابسها” اكثر مما ركزت على واقعة القتل، واصبح حبل النجاة الوحيد للضحية أن الجيران فشلوا في تصويرها عارية وإلا لكانت القضية قد انقلبت رأسا على عقب واصبحت الضحية هي المجرمة، ولاصبح المجرمون هم الأبطال المدافعون عن قيم الأسرة المصرية!
مثال آخر..
لنتخيل شخصين: الشخص الأول صرح علنا أنه لا يؤمن بالله، فقام الشخص الثاني بقتله أو الاعتداء عليه. ما قام به الشخص الأول معصية دينية فردية ويفترض أن لا يعاقب عليه القانون لأنه سلوك شخصي لا يؤذي أحدا، ولا يجب أن يترتب عليه، تبعا لذلك، أي عقوبة. أما ما قام به الشخص الثاني فهو جريمة قتل أو شروع في القتل حسب التعريف القاتوني ويقتضي عقوبة حازمة حيالها.
لكن المشرع العربي عموما يعاقب الأول ويتسامح مع الثاني ويسلم له المساجد والاعلام لغسل عقول الناس.
هذا الاختلال القانوني والحقوقي يجعل الكثير من الجرائم تمر مرور الكرام بسبب تجاهل المشرع لها، كما يصادر الحقوق الشخصية عبر إعادة توصيفها كجرائم.
لنضرب مثالا آخر من مجتمعاتنا حول “معصية” الجنس دون زواج، و”جريمة” الاغتصاب.
إن فعل الجنس خارج الزواج لا يمكن إدراجه ضمن خانة “الجريمة” لأنه ارتباط جنسي اختياري بين شخصين بكامل إرادتهما. لكنه معصية لأمر ديني يحصر الجنس في إطار الزواج فقط (مع أن الشريعة تبيح الجنس مع ملك اليمين دون زواج!).
أما جريمة الاغتصاب فهي فعل عنيف لإجبار شخص آخر على ممارسة الجنس دون رضاه. وللأسف، لا نجد لدى المشرع القانوني ولا لدى العرف الاجتماعي نفس التشدد تجاه هذه الجريمة، إذ غالبا ما يتم حل أي قضية اغتصاب وديا بتزويج الجاني بالضحيه وبدون حتى أن يضطر الجاني لدفع المهر الذي يتحملها أي شاب يتزوج بالطريقة الطبيعية!
هذا الاضطراب في التعامل مع المعاصي والحريات الشخصية باعتبارها جرائم والتسامح مع الجرائم باعتبارها معاصي شخصية يصل إلى السلم الأعلى للدولة التي تتسامح مع تفجير انابيب النفط وابراج الكهرباء واختطاف الاجانب وتتشدد مع معاصي شرب الخمر والخلوة والنقد الديني والسلوك الشخصي.
وهو نفس الخلط والاضطراب الي يجعل المجتمع يتعاطف مع الأب الذي يقتل ابنته بسبب رسالة في موبايلها، لكنه يتشدد مع نفس الأب إذا ترك الصلاة او شرب الخمر.
ونفس الخلط الذي يجعل المجتمع يؤيد “جريمة” تزويج الفتاة في عمر الـ8 سنوات، ويتطرف في رفض معصية شخصية مثل ترك الصلاة أو الصيام.
ويتعاطف مع الفقيه أو خطيب الجامع الذي يحرض على”جريمة” قتل المفكرين وسفك الدماء المخالفين، لكنه يتشدد مع أي كاتب أو مفكر يمارس “معصية” التفكير!
وظيفة القانون في العالم الحديث تنظيم “الحياة العامة” للناس، مع ترك “الحياة الشخصية” للأفراد أنفسهم لتنظيمها كما يشاؤون ما داموا لا يخرجون فيها على القانون ولا يعتدون على الحق العام أو الخاص.
واذا كان عقاب الجريمة دنيويا فإن عقاب المعصية أخروي ومنوط بالله ما دامت المعاصي خروجا على أوامر الله،حسب الاعتقاد الديني، وليست إعتداء على حق الإنسان.
أما أن ينشغل القانون والعرف الاجتماعي والفكر الديني بملاحقة السلوك الشخصي في حين يتغاضى عن الجرائم المرتكبة يوميا بحق الأفراد او المجتمع فهذا اختلال عقلي وأخلاقي وقانوني لا يمكن الاستمرار فيه إذا أردنا مجتمعا مستقرا وصحيحا.