- كتب: ماجد زايد
هذين، الأب والأبن، قتلا في حرب واحدة، لكنهما في مكانين متناقضين، أحدهما مع جبهة تحرير الوطن من -أولئك-، والأخر مع جبهة تحرير الوطن من -هؤلاء-، وما بينهما أسرة واحدة ووطن واحد من المأساة والذكريات والخيالات المدمرة..!
هذه حكاية واحدة فقط من الحرب اليمنية..!
كان مطيع يفكر بإبنه كل يوم، يومها كان يصطف مع الجنود المسلحين، وفي رأسه صورة أبنه وخيالات طفولته، حينها قرر الإستسلام لحنينه وحسرته وشوقه، تحايل قليلًا ليتمكن من الإتصال بأبنه المتجند في صفوف الطرف الأخر من الحرب..
كان هذا الإتصال بينهما أخر الأشياء الى الأبد..!!
- كيف حالك يابني..؟!
- أهلا يا أبي، أهلًا، كيف حالك؟ كيف أمي، كيف البنات، كيف أخوتي الصغار؟ هل كل شيء كما تركته؟ لقد إشتقت لـ بيتنا يا أبي، وكل شيء من حياتنا في الماضي، لقد إشتقت لكل شيء..!!
- ماذا، هل ستعود يا أبني؟ أخبرني هل أنت بخير؟ هل صرفوا لكم الرواتب؟ ثم أخبرني متى سترسل مبلغًا من المال للبيت؟
- لن أعود قريبًا يا أبي، لا يريدون إعطاءنا رواتبنا، يريدوننا أن نقاتل فقط..! كيف ستفعلون هذا الشهر أيضًا بطعامكم..؟!
- لا تفكر، يا أبني لا تفكر، لقد وجدت حلًا، هانذا تجندت مع هؤلاء، لقد طلبوا مني المشاركة معهم، وسيعطونني عشرين الف وبعض الدقيق والفول، سيتكفلون بصرفة بيتنا أخيرًا..
- لماذا يا أبي، لماذا.؟! لقد إتفقنا أن تجلس في البيت، وأنا سأرسل من هنا ما يعطونني من رواتب..
- لكنك لم ترسل شيئًا طيلة ستة شهور ماضية يا أبني..!!
- لم يعطونا شيئًا يا أبي، أقسم لم يعطوننا شيء عدا الرصاص والذخائر، مازالوا يعدوننا قريبًا، عد يا أبي أرجوك، عد وسأحاول الحصول على أي مبلغ وأرسله إليكم..
- لا أستطيع العودة، لقد أصبحت في الجبهة، يقولون أننا سننتصر أخيرًا، وسنحرر ثرواتنا وغازنا ووطننا ونتقاسم الأرباح..!
- وهؤلاء يا أبي يقولون سيقضون عليكم، لقد جلبوا المزيد من الجنود والأسلحة، لا نريد أن نموت معًا، أرجوك يا أبي عد، من سيعتني بأمي وأخواتي، من سيعتني بأحمد الصغير، وأمنية الصغيرة؟!
- لا عليك، يا أبني، هي مجرد أيام وسأعود، وسأحصل على ما وعدوني عليه..
هل تعرف يا أبني، أريد أن أرى وجهك، لقد إشتقت إليك كثيرًا، ترى متى سنلتقي، متى ستعود أسرتنا سعيدة؟! - أنا أيضًا يا أبي، أموت كل يوم من شوقي لبيتنا، وحياتنا، وضحكة أمي، وشقاوة الصغار، لكنه قدرنا، وعلينا الحصول على بعض الطعام بأيدينا، هذا سبيلنا الوحيد لنبقى على قد الحياة، ولابد أن تنتهي الحرب يومًا، ونعود لحياتنا..
- أعتن بنفسك يابني..
-حسنًا يا أبي، سأعتني بنفسي وسأحاول الحصول على بعض المال وأرسله إليكم، ولكن أرجوك عد الى البيت، وقبّل رأس أمي وأخبرها عن شوقي لها وبكائي كل يوم على فراقها.. وأخبر أختي سأعطيها قيمة تلفون جديد كما وعدتها، وأخي محمد أخبره بأنني سأرسل إليه بعض المال ليعتني بمظهره ودراسته..!!
- الى اللقاء يا أبني..
- مع السلامة يا أبي..
كان الإتصال الأخير، كان النهاية، والخلاصة، والحكاية الأكثر صدقًا عن الناس، كان الشعب في بحثه عن طعامه، كان الأبناء في التضحية بأرواحهم، كان الأباء الساعين للحصول على بعض الطعام لأبناءهم..!
بعدها بأيام قتل الأب ولم يتمكن من العودة لبيته وعياله الصغار، ولم يعرف أبنه بموته أبدًا، لكنه قتل أيضًا قبل أن يحصل على راتب أخير ليرسله الى أمه وأخوته…!
هذه هي الحرب في اليمن، وهذه حكايتها..!!